بإقرار الدستور المصري الجديد تسلم مجلس الشورى "الغرفة الثانية من البرلمان" سلطة التشريع إلى حين انتخاب أعضاء مجلس النواب الجديد "الغرفة الأولى للبرلمان المصري"، في انتخابات ينتظر أن يتقرر موعدها بعد شهرين من الآن بحسب تصريحات لرئيس الحكومة الدكتور هشام قنديل، ليصبح منوطاً ب"الشورى" الذي يواجه دعاوى ببطلان انتخاب أعضائه وضع عدد من التشريعات المهمة خلال الفترة المقبلة . انتقال سلطة التشريع إلى المجلس ذي الأغلبية المنتمية إلى قوى الإسلام السياسي وتحديداً جماعة الإخوان المسلمين، ينقل ساحة الصراع بين الجماعة ومعارضيها من قوى وأحزاب وحركات التيار المدني من الميادين إلى قبة المجلس بعد أن نقل أعضاؤه جلساتهم من مقره الأساسي إلى مبنى مجلس النواب "الشعب سابقاً" ذي القبة الشهيرة، وذلك لضيق مساحة الأول عن استيعاب عدد أعضاء المجلس بالمنتخبين منه والمعينين بقرار رئاسي، حيث تدرك قوى المعارضة أن التشريعات التي سيتصدى المجلس لإعدادها وستسعى جماعة الإخوان المسلمين لتمريرها من شأنها أن تغير وجه الحياة في مصر خاصة في الجانب السياسي، حيث ينتظر أن يصدر المجلس تشريع الانتخاب الجديد وتشريع مباشرة الحقوق السياسية، فضلاً عن التشريعات المتعلقة بالإعلام والحدين الأدنى والأقصى للأجور، وتخشى قوى المعارضة من أن تضع الجماعة وحلفاؤها من الجماعات والقوى والأحزاب السلفية تشريعات تكرس من هيمنة قوى الإسلام السياسي على المشهد المصري، وأن تضع الجميع أمام سياسة الأمر الواقع، اعتماداً على نجاحهم في تمرير دستور جديد للبلاد رغم كل الخلاف حوله . جبهة الإنقاذ جبهة "الإنقاذ الوطني" التي تضم العشرات من قوى وأحزاب التيار المدني في مصر وتعمل حالياً انطلاقاً من أنها استطاعت في أيام قليلة تحقيق حشد هائل من المعارضين لدستور جماعة الإخوان المسلمين للتصويت ب"لا" في الاستفتاء على الدستور، حتى رجحت كفتهم في عدد من محافظات الجمهورية وبينها العاصمة "القاهرة" عن المؤيدين، بدا وأنها الجبهة عازمة على ألا تترك لجماعة الإخوان المسلمين أن تنفرد بوضع تشريعات الفترة المقبلة، فأعدت بدورها عدداً من التشريعات لمواجهة تشريعات "الإخوان"، وفي الجانب العملي قامت الجبهة بتشكيل عدد من لجان العمل والنشاط داخلها وبينها لجنة للانتخابات تتولى التنسيق بين أحزاب الجبهة في الانتخابات المقبلة ووضع قواعد لاختيار المرشحين، بعد أن أعلنت الجبهة أنها تعتزم المنافسة على جميع مقاعد مجلس النواب والدفع بمرشحين في كل الدوائر الانتخابية على مستوى الجمهورية . أول التشريعات التي أعدتها جبهة الإنقاذ تتعلق بقانون الانتخابات الجديد، حيث تبنت الجبهة مشروع قانون يضع معايير محددة لضمان جدية العملية الانتخابية، أولها النزاهة والشفافية في ترسيم الدوائر الانتخابية والالتزام بالمعايير الدولية للانتخابات، وضمان رقابة المنظمات الدولية، ومنظمات المجتمع المدني المصري على جميع مجريات العملية الانتخابية بدءاً من إعداد الجداول الانتخابية حتى إعلان النتائج، فضلاً عن النص على تغيير شكل اللجنة العليا المشرفة على الانتخابات وإنشاء مفوضية عليا للانتخابات تعمل بشكل مستقل، ويكون من صلاحياتها اتخاذ إجراءات حاسمة في مواجهة الانتهاكات، والمخالفات التي تحدث أثناء عملية الاقتراع، وتشكيل أمانة فنية بها تتولى مهمة منح التصاريح للمراقبين الحقوقيين، بعد أن كانت هذه المهمة منوطة بالمجلس القومي لحقوق الإنسان . التشريع الذي تتبناه جبهة الإنقاذ وتقدمت به إلى مؤسسة الرئاسة عبر مندوبين لها تضمن أيضاً عدداً من التفاصيل في ما يتعلق بمنع استخدام الدعاية الدينية في الانتخابات ووقف استغلال المساجد في تلك الدعاية، فضلاً عن مواجهة الرشاوى التي تقول قوى المعارضة إن قوى الإسلام السياسي، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، لاستمالة الناخبين خاصة في المناطق الشعبية والفقيرة، كما ينص التشريع على منع تدخل السلطة التنفيذية بأي دور في العملية الانتخابية، وأن تصبح وزارة الداخلية تحت إشراف لجنة الانتخاب . "الإخوان" بدورها تدرك جماعة الإخوان المسلمين حتى إن لم تعترف بذلك علانية أن إقرار الدستور الجديد لا يعني أنها يمكن أن تخوض أي انتخابات برلمانية مقبلة وهي على نفس الثقة التي خاضت بها الانتخابات السابقة في تحقيقها للأغلبية المريحة في البرلمان، وعلى العكس من ذلك فإن مجريات الاستفتاء على الدستور تكشف عن التدهور الواضح في شعبية الجماعة، وأن ساحة المعارضين لها امتدت لتشمل قطاعات واسعة من المواطنين العاديين ممن كانت تعتبرهم الجماعة قواعد داعمة لها في أي انتخابات تخوضها، كما تدرك الجماعة أنها تخوض الانتخابات المقبلة وحلفاؤها في الجانب السلفي لم يعودوا على نفس توحدهم، حيث انقسم حزب "النور" المعبر الأكبر عن التيار السلفي ووصيف الجماعة في المقاعد البرلمانية في مجلس الشورى الحالي ومجلس النواب "المنحل" إلى جبهتين، إحداهما تضم عدداً كبيراً من مؤسسيه ورموز الدعوة السلفية والأخرى تضم رئيسه "المستقيل" عماد عبدالغفور وعدداً كبيراً أيضاً من قياداته في المحافظات، والذين أعلنوا عن تأسيس كيان "سلفي" جديد بالتعاون مع المرشح الرئاسي السابق الشيخ حازم صلاح أبو إسماعيل، وفضلاً عما جرى في حزب "النور" فإن علاقة جماعة الإخوان المسلمين بحليف آخر لها هو "حزب الوسط" بدا أنها أصابها شرخ كبير على خلفية التعديلات الأخيرة في حكومة الدكتور هشام قنديل، التي رفضها "الوسط" برمتها، انطلاقاً من مطالبته بتغيير رئيس الحكومة وإسناد رئاستها إلى شخصية مستقلة على أن تضم الحكومة الجديدة ممثلين لتيارات سياسية مختلفة، ورددت تقارير إعلامية أن الحزب طلب إسناد رئاسة الحكومة الجديدة إليه أو أنه تلقى وعوداً من مؤسسة الرئاسة وجماعة الإخوان المسلمين بذلك مقابل المساهمة في تمرير نصوص الدستور الجديد التي كان لعدد من قياداته البارزين، وعلى رأسهم رئيس الحزب المهندس أبو العلا ماضي، دور كبير في إعدادها ثم رفع لواء الدفاع عنها في المؤتمرات الجماهيرية والإعلامية واللقاءات التلفزيونية . تدرك جماعة الإخوان المسلمين كل ما سبق، وبدا لقيادات منها أنها توشك أن تخوض الانتخابات المقبلة منفردة إلا مع تحالفات مع أحزاب صغيرة هنا وهناك في مواجهة تحالفات قوية للمعارضة أعلنت أنها ستخوض الانتخابات بقائمة موحدة وبرنامج انتخابي واحد، بهدف تحقيق أغلبية في مجلس النواب تمكنها بحسب ما أعلنت قياداتها من تعديل مواد الدستور، وتغيير أجندة القوانين التشريعية لتعمل لمصلحة المواطن المصري وليس لمصلحة تيار بعينه، وتخشى جماعة الإخوان من أن تفقدها كل هذه التطورات أغلبيتها في أول انتخابات تخوضها، لذا تعمل هي الأخرى على الدفع بجملة من التشريعات لتكريس هيمنتها والأجهزة التي صارت تابعة لها مفاصل إدارة استحقاقات مهمة كالانتخابات من جانب أو للعمل على إنقاذ ما تبقى من شعبيتها عبر الدفع بتشريعات في الجانب الاقتصادي من بينها مشروع قانون الصكوك الإسلامية ووضع تشريع منفصل أو ملحق بقانون البنوك ينظم عمل البنوك الإسلامية ويضع ضوابط للصيرفة الإسلامية تستند إليها المصارف في تعاملاتها، بجانب إنشاء هيئة شرعية بالبنك المركزي تتولى الإشراف ومتابعة عمليات الصيرفة الإسلامية بما يضمن مطابقتها للشريعة، فضلاً عن سن قوانين منظمة للتمويل الإسلامي في مصر من أجل فتح الطريق أمام البنوك ومؤسسات التمويل في اقتحام هذا المجال . أما في الجانب السياسي فتعد الجماعة لإقرار حزمة من التشريعات تتعلق بتنظيم حقوق التظاهر والتجمع السلمي، وقوانين لمجلس النواب "البرلمان" ومباشرة الحقوق السياسية والمحليات، فضلاً عن مكافحة البلطجة والحد الأدنى والأقصى للأجور، وتقول قوى المعارضة: إن خبرتها في التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين تدفعها إلى التشكك في أن تتضمن التشريعات المقدمة منها قيوداً على الحريات، خاصة حرية الرأي والتعبير والتظاهر السلمي، فضلاً عن فرض قيود على وسائل الإعلام المختلفة، خصوصاً في ظل الهجوم المستمر من قبل قيادات الجماعة على الإعلام، فيما ترد الجماعة بالتأكيد أن مجلس الشورى لن يصدر أي تشريع من دون إدارة حوار مجتمعي موسع بشأنه، وهو ما تقلل منه المعارضة أيضاً بالتذكير بأن جميع جولات الحوار التي خاضتها الجماعة في الفترة الأخيرة لم تكن سوى حوار بينها وبين حلفائها، وأنه حتى الحوارات التي كانت قوى فاعلة بالمعارضة طرفاً فيها سواء مع مؤسسة الرئاسة أو الجماعة لم يؤخذ بأي مما توصلت إليه من نتائج وعلى العكس من ذلك جاءت الممارسات على أرض الواقع مخالفة لكل تلك النتائج . مواجهة التشريعات بالتشريعات وفضح ما يمكن أن تتضمنه التشريعات التي ستسعى الأغلبية داخل الشورى لتمريرها، اتجاه يرى كثير من المحللين أن على قوى المعارضة أن تركز عليه خلال الفترة المقبلة من أجل الحفاظ على ما اكتسبته من أرضية في الشارع المصري وزيادتها قبل خوض غمار الانتخابات النيابية، فالدستور المعيب الذي ولد مريضاً وفاقداً للشرعية بحسب أستاذ الإعلام الدكتور محمد شومان: "أصبح واقعاً، وسيشكل ملامح النظام السياسي في قادم الأيام، وبالتالي على المعارضة والقوى الثورية امتلاك رؤية لمواجهة هذه الأوضاع الجديدة، فإما الاستمرار في رفض الدستور ومقاطعة العملية السياسية بما فيها الانتخابات، وإما المشاركة من أجل تحقيق الأغلبية البرلمانية والضغط الشعبي لإسقاط الدستور أو تعديله" . وفي ظل محاولات لوصم المعارضة بأنها لا تستهدف استقرار البلاد بانتهاج خط التظاهر والاعتصام وحدهما، يكون النضال السلمي من أجل إسقاط الدستور والمشاركة في الانتخابات وفي الترتيبات التي نص عليها الدستور نهجاً يمكن به إقناع المواطن العادي بأن المعارضة تدافع عن مصالحه وحده وتستهدف منع هيمنة تيار سياسي على الدولة ومؤسساتها السياسية، وبحسب الدكتور شومان فإن المشاركة في مناقشة قوانين الانتخابات وغيرها من القوانين بطريقة جديدة، مثل اقتراح مشروعات بديلة لكل ما يطرحه مجلس الشورى الإخواني، وطرح هذه القوانين للنقاش العام، والضغط الشعبي السلمي على مجلس الشورى لإصدار قوانين من شأنه أن يضمن فرصاً متساوية للمنافسة السياسية وتعرقل غرور الإخوان واندفاعهم لأخونة الدولة والمجتمع، فالمعارضة حتى إن لم تكن ممثلة في مجلس الشورى قادرة على الضغط على جماعة الإخوان وحلفائها، وهي قادرة أيضاً على الفوز في الانتخابات، خاصة في ظل ما ارتكبه الإسلاميون من أخطاء خلال الفترة الماضية، وما أدت إليه إدارتهم للبلاد من صعوبة في الأوضاع الاقتصادية وموجات غلاء وارتباك في أداء الحكومة .