سلمان كاصد (أبوظبي)- في يوم غريب حقاً، قبل نحو خمسين عاما، كان يوم خميس، وكانت الأرض قد فتحت قلبها لاحتضان المطر والجسد، يوم عرفه البصريون بيوم "بدر السياب" ذلك الفتى الخصيبي الذي ولد في قرية جيكور قرب نهر بويب بقضاء أبي الخصيب في البصرة. في يوم غريب حقاً بمدينة البصرة، كانت الأرض تشرب المطر، وثمة شباب يقفون مع البعض، يعلو وجوههم حزن عميق، وهم يحاذرون مطراً منهمراً بشدة، بينما كان هناك رجل مسجى في تابوته، ينظرون اليه بأسى وهدوء غريب، لا تسمع فيه إلا قطرات المطر المنهمرة بقوة. كان ذلك يوم خميس الرابع والعشرين من ديسمبر عام 1964 حيث رحل الشاعر بدر شاكر السياب.. وهذا العام 2013 هو العام الأخير الذي يكمل العقود الخمسة منذ رحيله. الرحيل لم ينكر بدر السياب جمالية عمود الشعر ولم يبخس حقها في ساحة الإبداع بل كان مضيفاً لنمط جديد وشكل جديد، فيه من قوة العبارة وحسن السبك ما جعله متسيداً، يضارع النمط التقليدي الذي هيمن على البناء الفني للقصيدة العربية لأكثر من ألف وستمائة عام منذ المهلهل بن ربيعة العامري حتى آخر عمالقة الشعر التقليدي ابتداء بالجواهري ونزار قباني وإبراهيم طوقان وسعيد عقل وقبلهم جيل أحمد شوقي والرصافي والزهاوي وحافظ إبراهيم والشابي. كانت حياته تلك ممتدة من "منزل الأقنان" بيت جده في عام 1926 حيث ولد حتى ذلك اليوم الغريب حقاً بمدينة البصرة من عام 1964 حيث سجي الجسد الغريب والمطر يتساقط كحبات اللؤلؤ ليبلل عيني صديقه الشاعر الكويتي علي السبتي الذي حمله من الكويت حين فارق الدنيا. وقف الشباب يتأملون الجسد المهاجر مع المطر، وثمة صمت ودموع تذرف، ... المزيد