بعد مرور خمسة أعوام على الأزمة المالية العالمية وما ترتب عليها من أضرار فادحة لحقت ببعض اقتصادات دول العالم بما فيها بعض الدول العظمى، يتجلى لدى الجميع قدرة الإمارات على الخروج من دوامة الأزمة خلال وقت قياسي، ورغم تأثر اقتصادها بمختلف قطاعاته بهذه الأزمة إلا أن فطنة قادتها، لم تسهم فقط في تقويض تداعيات الأزمة المالية العالمية على اقتصاد الإمارات بشكل كبير بل عجلت من خروج الاقتصاد من عنق الزجاجة . خير شاهد على تعافي الاقتصاد الإماراتي من الأزمة الاقتصادية هو توافد عدد كبير من الشركات من شتى أنحاء العالم بمختلف أحجامها واستثماراتها إلى الدولة بفضل المناخ الاستثماري الرائع الذي توفره الدولة من موقع مميز يربط بين الخطوط التجارية بين الشرق والغرب ويعد حلقة وصل لا غنى عنها على صعيد التجارة العالمية، أضف إلى انخفاض تكاليف الاستثمار وافتتاح الشركات في الدولة مقارنة بالدول الأخرى لا سيما الدول التجارية، عدا عن الخدمات الأخرى المتعلقة بسهولة تأسيس الشركات والحصول على التراخيص التجارية . كما تلعب المناطق الحرة دوراً بارزاً في إبراز جاذبية بيئة الاستثمار الإماراتية من خلال المزايا التي تقدمها للمستثمرين على اختلاف جنسياتهم وأنشطتهم التي يصعب مضاهاتها في العديد من دول العالم كالملكية الأجنبية الكاملة وعدم اشتراط وجود أجنبي، إضافة إلى انفتاح هذه المناطق بشكل كبير على كافة أسواق العالم الأمر الذي يدفع الشركات من شتى بقاع العالم للاستثمار في هذه المناطق أو افتتاح مكاتبها الإقليمية فيها للاستفادة منها في أغراضها التوسعية والوصول إلى أسواق الدول المجاورة . ولا يمكن أن نغفل دور البنية التحتية المتطورة للدولة في استقطاب الاستثمارات كشبكات الطرق والمواصلات والاتصالات والتي تقارع البنى التحتية لكبريات دول العالم . وفي ظل هذا الزخم التي يمثل المشهد الرئيس لاقتصاد الإمارات المدفوع بتقاطر الشركات من كافة أنحاء العالم إلى الدولة والتي أسهم فيها حالة عدم الاستقرار الذي تشهده الأسواق العالمية، تبرز الأصوات المطالبة بتفعيل دور الشركات والمستثمرين الأجانب بشكل أكبر في الحراك الاقتصادي للإمارات من خلال إبرام شراكات مع القطاعين العام والخاص في مختلف المجالات والقطاعات الاقتصادية الأمر الذي ومن وجهة نظر الكثيرين سيعمل على تأجيج النشاط الاقتصادي للإمارات واستقطاب المزيد من الشركات وتدفق رؤوس أموال إضافية إلى الدولة . ويعتقد ايغور ايغوروف رئيس مجلس الأعمال الروسي ومدير عام إدارة سلسلة التوريد في مجموعة كرايسلر الشرق الأوسط أنه حان الوقت لتوسيع نطاق الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص في شتى القطاعات الاقتصادية بغية الارتقاء بهذه القطاعات وزيادة جاذبيتها للشركات الأجنبية الأمر الذي سيعود بالنفع على كافة أطياف النسيج الاقتصادي لدولة الإمارات وقال: "لا شك في أن اقتصاد الإمارات أفضل بكثير من اقتصادات العديد من دول العالم، وخير دليل على ذلك تدفق العديد من الشركات العالمية على دولة الإمارات للاستفادة من الفرص الاستثمارية فيها، وأرى أنه في حال تبني المزيد من الشراكات بين القطاعين الحكومي والخاص فإن الإمارات ستحقق نقلة نوعية كبيرة من حيث أدائها الاقتصادي، كما ستمهد هذه الخطوة الطريق أمام المستثمرين والشركات الأجنبية المتعطشة للعب دور فاعل في هذه المنظومة بغية استغلال التنافسية وتكافؤ الفرص الاستثمارية التي توفرها بيئة الإمارات الاستثمارية، إضافة إلى الموقع الجغرافي المميز للدولة وهذا ما يدفع الشركات لاتخاذ الإمارات وتحديدا دبي كمركز إقليمي لها في المنطقة على اعتبار أنها حلقة وصل بين الشرق والغرب، أضف إلى ذلك عامل الجذب الأهم في الإمارات وهي المناطق الحرة التي لا يمكن أن تجد مثيلا لها في الدول المجاورة من حيث البنية التحتية والخدمات التي تتيحها للشركات" . وأضاف: "تعج الإمارات بالعديد من القطاعات الاقتصادية الواعدة التي ينتظرها مستقبل كبير، ومن هذه القطاعات النفط والغاز والسياحة والتجارة والخدمات اللوجستية والطيران والتعمير وغيرها الكثير، وفي حال تم الاتفاق على آلية لتعزيز الشراكات بين القطاعين العام والخاص فبلا شك أن هذه القطاعات ستشهد طفرة كبيرة خلال فترة قصيرة" . من جانبه دعا بيتر هارادين رئيس مجلس الأعمال السويسري إلى ضرورة وضع تنظيمات وتشريعات لتنظيم هذا النوع من الشركات بما يخدم الصالح العام والخاص وقال: "إن الشراكة بين القطاعين العام والخاص ضرورية لتطوير الاقتصاد الوطني لأي دولة"، وأكد استعداد الشركات والمستثمرين الأجانب في الإمارات للدخول في هذه الشراكات بشرط وجود اللوائح التي تحدد آلية عملها وقال: "إن الشركات العالمية الكبرى لن ترضى أن تقوض قراراتها وسيطرتها من خلال الشراكات، لذا ينبغي وضع قانون يمنح هذه الشركات الصلاحية ومساحة من الحرية لاتخاذ القرار الذي يصب في مصلحة الجميع ، ولا يجب أن تكون السلطة مكبلة بيد القطاع العام فحسب" . ويعتقد هارادين أن تطبيق شراكات مرضية لكافة الأطراف سيؤدي إلى طفرة اقتصادية كبيرة وزيادة حجم الاستثمارات الأجنبية وتدفقات رؤوس الأموال إلى اقتصاد الإمارات والتي من شأنها أن تدفع قاطرة الانتعاش الاقتصادي الإماراتي بقوة أكبر ووتيرة أسرع . وقال: "هناك العديد من القطاعات الاقتصادية التي تستحق بالفعل الاستثمار فيها كقطاعات الاتصالات السلكية واللاسلكية والبنية التحتية والصيرفة وخدمات الصيانة العامة" . وأضاف: "تعد فكرة الشراكات بين القطاعين العام والخاص من الأفكار القيمة في حال توفرت لها كافة المقومات التي تحتاجها كالبيئة الاستثمارية الجاذبة، وللأمانة فإن الإمارات وفرت نجحت في توفير كافة عوامل النجاح المرتبطة بأعمال الشركات ومن أبرزها المناطق الحرة المناطق الحرة التي أثرت الحراك الاقتصادي للدولة إلى حد كبير خلال توافد الشركات العالمية على دولة الإمارات وخصوصا المناطق الحرة، بفضل تكاليفها المنخفضة وسهولة الحصول على تراخيص مزاولة الأنشطة، إضافة إلى الوصول إلى أسواق الدول المجاورة بكل يسر وسلاسة عدا عن إعفاء البضائع المراد إعادة تصديرها من الضرائب، ومما ساعد الإمارات على ذلك بنيتها التحتية المتميزة وشبكة الاتصالات الحديثة، علاوة على المطارات الحديثة ذات الخطوط والشبكات الواسعة، ولا أعتقد أن بإمكان أي دولة عربية أخرى أن تقارع دولة الإمارات في هذا المجال" . ويعتقد جون بودغور رئيس مجلس الأعمال الأمريكي في دبيوالإمارات الشمالية أن تبني نظام الشراكة بين القطاعين العام والخاص سيسهم قطعاً في رفع قدرات القطاع الخاص على التصميم والتمويل والتعمير والتشغيل، فضلا عن دور هذه الشراكات في تطوير البنية التحتية للإمارات، وقال: "من أبرز القطاعات التي يمكن للمستثمرين والشركات الأجنبية الاستثمار فيها والدخول في شراكات مع القطاعين العام والخاص فيها قطاعات الطاقة وتحلية المياه، ومنذ منتصف التسعينات كانت إمارة أبوظبي صاحبة الريادة في الشراكة بين القطاعين العام والخاص في هذه القطاعات"، وأضاف: "هناك نوعان للشراكة أحدهما يتلخص في منح حقوق الامتياز لإدارة وتشغيل المنشآت والمرافق الحكومية لمدة زمنية محددة، أما النوع الثاني فيتمثل في المشاريع المشتركة بين القطاع الخاص والعام، ومع بداية الأزمة المالية العالمية حاولت دبي من خلال هيئة كهرباء ومياه دبي أن تتبنى هذا النوع من الشراكات، كما نجحت إمارة أبوظبي في تطبيق هذه الشراكة في قطاع معالجة مياه الصرف الصحي، وأعتقد أن بالإمكان تعميم هذه التجربة بشكل أكبر وفي مختلف القطاعات وسيكون للشركات الأجنبية دور بارز فيها" . من جانبه شدد بدر جعفر العضو المنتدب لمجموعة الهلال والرئيس التنفيذي لشركة الهلال للمشاريع على أهمية الدور الذي يمكن لحكومة الإمارات أن تلعبه في تعزيز قطاع الأعمال في الدولة من خلال الترويج للشراكات بين القطاعين الخاص والعام، كما أشار إلى أهمية دور القطاع الخاص في تعزيز تدفق الاستثمارات الأجنبية للإمارات مطالبا إياه بإبرام شراكات مع القطاع الخاص في دول العالم الأخرى، وقال: "بلغ حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي استقطبتها الإمارات خلال العام الماضي قرابة 10 مليارات دولار الأمر الذي يجعلها وجهة رائدة لعدد من مشاريع الاستثمارات الأجنبية المباشرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأعتقد أنه تم إطلاق 328 مشروعا في الإمارات وبزيادة 13% عن العام الماضي وهو ما يؤكد وجود شهية قوية لدى المستثمرين الأجانب لضخ رؤوس أموالهم للدولة على الرغم من الأوضاع العالمية الصعبة في ظل الأزمة الاقتصادية في منطقة اليورو والولايات المتحدة، علاوة على حالة عدم الاستقرار التي تشهدها عدد من الدول العربية"، وأضاف: "أعتقد أن اقتصاد الإمارات لديه مكانة فريدة في العالم العربي للاستفادة من تزايد حجم الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وأرى أن الخطط الجديدة التي تدرسها دولة الإمارات لإصدار قانون يتعلق بتسهيل الملكية الأجنبية ستسهم وبدون أدنى شك في زيادة هذه الاستثمارات بشكل كبير" . وأشار إلى أن بيئة الإمارات تكتنز العديد من الفرص الاستثمارية في العديد من القطاعات التي يمكن تبني نظام الشراكات فيها ومن بينها قطاعات النفط والغاز والعقارات والتسلية والترفيه والمعادن والكيماويات والخدمات المالية والقطاع الصحي والاتصالات .