عبدالله احمد السياري في هذا المقال احاول ان اتناول شئين: (1) مركزيه خصوصيه الهويه الوطنيه و الاجماع الشعبي للاستحقاقات السياسيه في تقرير مصيرها. (2) اثبات وجود هما في مكونات شعب الجنوب العربي الملفت حقاً في تاريخ الشعوب ان المحك في تقييم مدى صلابه تجانسها وخصوصيه هويتها ينجلي في وقت الازمات والمحن الاجتماعيه فيزداد التقارب والتعاضد والتسامح في ظل وجودهما و يتفاقم التفتيت وتظهر الشروخ وتتسع الهوات بين فئات الشعب في غياب التجانس والهويه المشتركه. واسطلق على هذه الظاهره اسم " الفحص المحك لصلابه التجانس وخصوصيه الهويه" وذلك لتسهيل الاشاره اليه لاحقا. ماذا نستشف من ذلك حول شعب الجنوب العربي من حيث صلابه تجانسه وخصوصيه هويته؟ قبل ان احاول الاجابه على ذلك دعوني اسرد مثلين من التاريخ الحديث لاثبات هذه النظريه: خلال الحرب العالميه الثانيه قام الالمان بغارات متتاليه لقصف المدن البريطانيه خاصه لندن التي استمر القصف فيها لمده 57 يوماً متتابعه وقيل ان اكثر من مليون مبنى هُدم فيها. وابرزت هذه الاحداث مدى التلاحم الشديد وسمات الايثار بين كافه الطبقات المكونه لبريطانيا تاكيداً لتجانسهم وخصوصيه هويتهم. وفي المقابل ما ان بدات الخلافات بين مكونات المجتمع اليوغسلافي السابق تظهر على السطح ( وخاصةًفي البوسنه والهرسك) حتى بدات في التفتيت والتشرذم نتيجه لعدم وجود التجانس والهويه الوطنيه المشتركه. ولا بد من التنويه-هنا-وللاهميه-اننا عندما نتحدث عن الهويه فاننا نعني الهويه الوطنيه - التي لها علاقه وطيده بالدوله والحكم والنظام السياسي- وليس الهويه الاثنيه او الهويه الثقافيه التراثيه – التي تتكون نتيجه لعوامل التاريخ والجغرافيا ولا تعكس-بالضروره- هويةً وطنيه ذات ابعاد سياسيه. فنيوزلندا-مثلاً- تتجانس هويتها الاثنيه والثقافيه التراثيه مع بريطانيا الا انها دوله مستقله ذات سياده. وفي المقابل تتكون سويسرا من ثلاث مكونات ذات هويات اثنيه تراثيه مختلفه ولكن تبقى بلداً ذا هويه وطنيه مشتركه. حتى انها لم تتشرذم الى دويلات متحاربه اثناء الحرب العالميه الثانيه رغم مكوناتها الالمانيه الفرنسيه الايطاليه. ماذا عن اسقاط هذه النظريه على حال الجنوب العربي؟ ما حصل للجنوب وللجنوبيين منذ 1994 وخلال سنين الحراك المتتاليه- من تاّخيٍ وتسامح وتعاضد أّخذأ في الاتساع- بالرغم من المحاولات الحثيثه لتفريق شملهم -والمحن التي حلٌت بهم-- لهو علامه فارقه لاثبات صلابه تجانسهم وخصوصيه هويتهم الى جانب اسباب اخرى التي ساّتي عليها لاحقاً ضمن شرح مختصرحول تعريف مفهوم "الهويه الوطنيه" من منظور علم الاجتماع والعلوم السياسيه. وعوده الى مختلف انواع الهويات وثقلها النسبي في امور الحكم والسياسه: كثير من الكتاب يوردون ما يعتقدونه براهين دامغه-وهي ليست بذلك في نظري- مبنيه على جزئيات من التاريخ او من الجغرافيا كمقدمات لاثبات –حسب نظرهم-حتميه او (قل منطقيه) الوحده بين الجنوب والشمال مما حدا البعض- عطفاً على ذلك- الى المبالغه في التصور فقالوا ان للوحده قدسيه وكانه كتاب منٌزل ومنهم من قال ان الوحده التي حصلت في نهايه القرن الماضي هي بمثابه عوده الفرع ( ويقصدون الجنوب) الى الاصل (ويقصدون الشمال) وفي ذلك -لو يدركون- انتقاص كبير للجنوب واهله. فشتان بين اصل الشى وفرعه في القيمه والاهميه والسؤدد وهم بهذه المقوله- يحرمون اهل الجنوب-جوراً –وعلى اقل تقدير- من حقوق متاصله ناشئه من كونهم كانوا ملاكاً لدوله مستقله ذات سياده اكبر مساحه واغنى موارداً من الشمال. اقول حتى وان غضينا الطرف عن الضعف المعرفي والهون المنطقي الذي يعتري تلك الجزئيات التاريخيه/الجغرافيه التي يركنون اليها في استدلالاتهم تلك فلا ينسينا ذلك ان الاصل في استحقاق الاستقلال يبنى ويتاصل قانونياً واخلاقياً على" خصوصيه الهويه الوطنيه" التي يدين بها شعب ما وعلى اجماعهمعلى نمطيه واسلوب الحكم الذي يريدونه لانفسهم وليس على اساس جغرافي او ظروف تاريخيه . اجزم ان اهل الجنوب لا يلتحمون حول هويه واحده وحسب بل هم ايضاً لديهم تجانس وتلاحم وطني اشتد عوداً وارتقاءً مع استمراريه الحراك من دون وهن والمفارقه العجيبه ان هذا التلاحم ازداد صلابه وعزماُ بعد الوحده في 1990 –اكثر ما كان عليه قبلها-وتزامن هذا التجانس ونما تصاعدياً مع تفاقم الظلم عليهم ومع زياده نكران وتجاهل العالم حقوقهم ومطالبهم وكانهم بذلك يضربون مثلا اخر لمقوله المتنبى الحكيمه على قدر اهل العزم تاتي العزائم**** وتاتي على قدر الكرام المكارم وفي سياق الكلام عن المظالم المتراكمه من المفيد التنويه على ان من الاسباب التي قيل انها وراء انفصال سوريا عن مصر وانفراط عقد "الجمهوريه العربيه المتحده" هو شعور السوريين بالغبن ومعاملتهم كانهم مواطنين اقل شاناً وابخس قيمه من قرنائهم في مصر وابقاء مفاصل الحكم والقوه في القاهره دون دمشق وارسال اعداد كبيره من المصريين للعمل والاستقرار في سوريا. ولم يطق اهل سوريا ذلك كثيرا فتاقوا الى الانفصال في خلال سنوات ثلاث خلت بعد الوحده. اما اهل الجنوب العربي فقد عانوا معاناه مماثله واكثر في الوحده مع الشمال. اقول اكثر فالمعانات سبعه اضعاف زمناً والتهميش اشد وطئه ولا اظن ان اهل مصر احتلوا الارض واستغلوا موارد. سوريا بنفس مقدار ما فعله اهل صنعاء في اراضي وموارد الجنوب. وعوده الى موضوع الهويه: جزيره الفولكلند وكذا اهل جبل طارق يحسون بانتمائهم لبريطانيا برغم البون في المسافه –وفي الحاله الثانيه- بالرغم ايضاً من الفروق االاثنيه (حيث ان 27% من سكان جبل طارق فقط هم من اصول بريطانيه و27% هم من اصول اسبانيه) . ومثل على ذلك أخر ان السويسريين يهيمون حباً في سوسيرا فوق أي بلد اخر بالرغم من اصولهم الفرنسيه والالمانيه والايطاليه. واهل تايوان–الذين هم في غالبيتهم من اصول صينيه لا يريدون ان يكونوا في اطار " جمهوريه الصين الشعبيه". ومن هذا نرى ان الهويه والشعور بالانتماء لا يعني بالضروره الى اثنيه موحده بعينها اقول هذا لاسد الطريق على من قد يقول ان هناك اصول مترابطه بين اهل الجنوب واهل الشمال ويبني على ذلك حتميه او قدسيه الوحده. مفهوم الهوية الوطنية ينبع أصلا من علم الاجتماع والعلوم السياسية، ( ولو ان للموضوع ابعاداً في علم النفس والفلسفة والجغرافيا ايضاً). وعلماء الاجتماع والعلوم السياسية يرون ان مفهوم الهويه الاجتماعيه تُبنى في الاساس على تعريف الشخص لذاته ولنفسه بالنسبه للاخرين وعليه فان هويه اي مجتمع مؤسسه على كيف يرى المجتمع نفسه وليس كيف يراه او يرسمه الاخرون واستمرار الهويه الاجتماعيه يتاصل من خلال عقد اجتماعي يمزج بين الشموليه ( ليشمل كل افراد مجموعه بعينها ) مع الحصريه و الخصوصيه ( اي استثناء غيرهم الذين هم ليسوا ضمن تلك المجموعه) وفقا لانتوني .د. سميث استاذ الاجتماع في جامعه لندن "مفهوم الهويه الوطنيه لا يستوجب- بالضروره- ان تكون مكوناته من افراد ذي نمطيه وسلوكيات واحده غير انه يستوجب ان افراده يشعرون بتلاحم ومسانده قويين يربطا بين مكونات المجتمع فيما بينهم وكذلك بوطنهم" اذا حسب التعريفات المجمع عليها وحسب ظاهره " الفحص المحك لصلابه التجانس وخصوصيه الهويه" التي اشرت اليها سابقاً فاهل الجنوب اثبتوا دون شك انهم ذوو تجانس صلب وذوو هويه وطنيه مشتركه. وان بلٌغت اهل الجنوب بذلك لقالوا لك " ما كان هناك داع لبحث ذلك واثباته فالامر –بالنسبه لنا- واضح جلي منبعه فطري لا يخُفى على ذي فراسه" بقي الكلام حول الاجماع وهذا الركن الاخر من المكونات الاخلاقيه والقانونيه لاستحقاق الاستقلال للجنوب العربي واقصد بهذا ان اسأل التالي " هل هناك اجماع لكل – او قل اغلب- اهل الجنوب بكل مكوناتهم في انهم يريدون -وهم في ذلك مصممون على نيل الاستقلال؟" واجزم ان الجواب على هذا السؤال هو بالايجاب المدوي كيف؟ لا توجد لدي احصائيات مباشره حول مدى الاجماع ولكن هناك دلالات معتبره – ان روعيت في مجملها --تر قي الى مستوى الجزم للاعتقاد بذلك: 1. كتابات الجنوبين حول هذا الوضوع والتعليقات عليها في مجملها تويد الاستقلال –او على اقل تقدير- ترى الحاجه الى فدراليه يليها تقرير المصير. 2. تاريخ ما بات يُعرف ب"الحراك الجنوبي" من حيث: a. استمراريته والاصرار على ذلك مع وجود التهديدات والمغريات لصد هذه الاستمراريه. b. انتشار نشاط الحراك في كل اجزاء الجنوب. c. بقاءه الحرك سلمياً ( وهذا له اهميه بالغه في اثبات الاجماع) d. بقاءه حياً بالرغم من تعدد مكوناته. اقول ما كل هذا الا شواهد واضحه للاجماع . اذ انه من المعروف في تاريخ الامم ان الدوام للحركات الاحتجاجيه السلميه ( ونجاحها في أخر المطاف) لا يتاتى الا بحضور شيئين اساسيين i. اجماع الشعب على مؤازرتها ii. الايمان العميق لدي الشعب بشرعيه وعداله هذه الحركه 3. هذه الاستمراريه لم تتهاون او تقل اثرخلع علي عبدالله صالح عن الحكم ومجئ عبدربه منصور هادي (الجنوبي) الى الحكم ويستُدل من ذلك وجود اجماع ك يقول" هدفنا اكبر من ابدال حاكم بحاكم ( وان كان جنوبياً )، هدفنا هو الاستقلال" 4. قله الناخبين المشاركين في التصويت لعبدربه منصور هادي من الجنوبيين هو الاخر دلاله اخرى على هذا الاجماع حتى مع ما قيل عن منع الناخبين من الادلى باصواتهم بالقوه او التخويف (الذي كنت اتمنى ان لم يحصل). اقول انه بالرغم من ذلك فالشواهد تشير الى ان القله هم الذين شاركو ا في التصويت حتى في الاماكن التي لم يكن فيها تصدي لهم. 5. التظاهره المليونيه العظيمه في 30نوفمبر 2012 6. التظاهره الاكثر من كليونيه بمناسبه العيد السابع للتسامح والتصالح في 13 يناير 2013 اذا كان الاجماع من ناحيه والتجانس و خصوصيه الهويه الوطنيه من ناحيه اخرى متوفرين- كما ارى انني بينت- فاحسب ان هذا يؤسس لخلفيه قانونيه اخلاقيه متينه للانفصال بقي شئ يلزم ذكره وهو ان وجود الاجماع والتجانس لا يكفيان – في ذاتهما- في القانون الدولي وعالم السياسه لانفصال جزء من بلد عن بقيته والٌا لارينا كثير من بلدان العلم تتفكك وتشظى (الاستثنا لهذه القاعده –ولو انه استثناء انتقائي حسب مزاج الدول العظمى-هو ان يكون جزء او اثنيه من بلد ما تقع تحت قهر من حكومه البلد اومن الغالبيه فيها ومن الامثله على ذلك انفصال كوسوفو عن سربيا وتيمور الشرقيه عن اندونيسيا وجنوب السودان عن شماله) الا انه في حالتنا يختلف المر فان هناك اعتبارات وجب الاخذ بها واللفت اليها. 1. الجنوب العربي – حتى الماضي القريب-كان بلداَ مستقلاً بذاته ذو سياده على اراضيه و على مقدراته و كان له حدوده الاقليميه المعترف بها دوليا وموارده الذاتيه.الكافيه. 2. الجنوب العربي لم يكن جزءأً من اليمن خلال الخمس مائه السنه السابقه للوحده - على اقل تقدير. 3. حسب القانون الدولي فان الحرب التي جرت في 1994 لم تكن حربا اهليه-بالمعنى القانوني- بل كانت حرباً بين دولتين وجيشين مختلفين وعليه فالحرب تجٌب ما حصل قبلها والبقاء في الوحده بعد تلك الحرب الضروس من ضروب الاكراه الذي لا يستفيم مع الرضاء الذي يجب ان يكون اساساَ لاي شراكه ذات ابعاد اخلاقيه مستديمه. 4. ولا ننسى ايضاً قراري الاممالمتحده 931 و 924 لعام 1994 وقد ذكر في ذلك في ذلك الدكتور محمد السقاف- الخبير في القانون الدولي ان احدهما اشار ا إلى إن على طرفي النزاع إن يتفاوضا لحل مشاكلهم السياسية وتكلم عن طرفي دولة (وليس غن دوله واحده)".