على طريقتهم الخاصة سجل الغزيون ما يعتبرونه انتصارا على إسرائيل في الحرب الأخيرة، بعطور محلية صنعتها الأيادي من أجل ترسيخ ذكرى الانتصار بالإضافة إلى وجبات متعددة تحمل أسماء الصواريخ التي أُطلقت على إسرائيل. عبير أحمد من غزة: مرت أيام على انتهاء حرب الثمانية الأيام التي خاضتها الفصائل المقاومة في غزة ضربت خلالها إسرائيل بصواريخ متعددة ظهرت وللمرة الأولى في تاريخ النضال الفلسطيني. بين شوارع غزة، وفي وسط المدينة الصغيرة يتوافد بعض المواطنين ويقبلون على شراء نوع جديد من العطور التي ظهرت حديثاً بأسماء الصّواريخ التي قصفت تل أبيب. مراسلة إيلاف توجهت لصاحب المحل وتعرفت إلى نوع العطر المستخدم وكذلك دواعي ابتكاره. تسجيل للانتصار.. أبو أحمد مدير مجموعة خليك ستايل المتخصصة ببيع وابتكار العطور في غزة يتحدث عن السبب الرئيس لصناعة هذا النوع من العطر. يقول:"بعد الحرب بدأنا نستشعر وللمرة الأولى أجواء الانتصار الحقيقية فنحن ورغم الجراح خرجنا بتسجيل انتصارات متعددة أبرزها ما قامت به المقاومة من قصف تل أبيب بصاروخ محلي الصنع أطلقت عليه اسم m75 ولأننا جزء من المجتمع تشكلت لدي فكرة بصناعة شيء يخلد الانتصار، فقمت بتجميع المواد اللازمة لعطر فواح يستخدمه الرجال والنساء والصغار والكبار،وقمت بإطلاق اسم عطر m75عليه. ويتابع أبو احمد الأمر المفاجئ كان بالنسبة لنا هو حجم الإقبال الكبير من المواطنين في غزة الذي استمر حتى اللحظات التي أتحدث فيها معك. أطلقت العطر في الأسواق بمختلف فروعنا في مدن قطاع غزة ومخيماتها، ولأن الغزيين كانوا يعيشون حالة الانتصار كان الإقبال ملفتًا جداً،ابتعنا خلاله معظم الكمية التي قمت بتصنيعها،بل إن الأمر امتد أن الصغار أصبحوا يأتون ويطلبون هذا النوع من العطر.ذ وعمّا يميز هذا النوع من العطور يستطرد الحديث: "لا شيء يميزه فهو يوازي العطور الأخرى من حيث المكونات الطبيعية لأي عطر يتم تصنيعه، لكن الاسم الذي أطلقناه أحدث هذه الضجة الكبيرة. زجاجة العطر التي تخص الرجال باللون الأخضر وهو لون الصاروخ وتأخذ تقريبا الشكل نفسه، بينما العطر الذي تستخدمه النساء فكان بلون يناسب ذوق المرأة فاتخذنا اللون الزهري للمرأة وبالاسم نفسه لم نغيره. ما لاحظناه هو تراجع الإقبال على العطور الفرنسية رغم الفرق في الجودة، ما أكد لنا أن الغزيين كانوا يشترون هذا العطر كنوع من ترسيخ ذاكرة الانتصار. ويختم بأنه يجب أن نتعايش مع الشارع الفلسطيني فنحن جزء من مكونات الشعب، وما حصل من انتصار كان يجب أن يسجله التاريخ بشتى الطرق ونحن اخترنا أن نسجله بطريقتنا الخاصة التي وصلت إلى قلوب الغزيين الذين كانوا يتعطشون لزيادة الهمة والإرادة بعد الحرب القاسية التي خاضوها. "فجر" وجبة بطعم الانتصار حينما تدخل المطعم يُخيل إليك أنك قادم إلى ساحة احتفال لا لتناول وجبة غذاء، كل ما في المطعم يشهد بذلك حيث تجتمع ألحان الانتصار "على الجبال ستهزمون مع الوجبات التي يتم تقديمها". مطعم أبو حصيرة الذي يقع على شاطئ بحر غزة كانت بصمته واضحة حينما أطلق اسم فجر وهو صاروخ فلسطيني محلي على وجبة غذاء يقدمها للمواطنين. أحد المواطنين طلب وجبة فجر، اقتربت منه مراسلة إيلاف لتتعرف عن كثب مكونات هذه الوجبة التي تحمل اسم صاروخ. أبو خميس أبو حصيرة صاحب المطعم يتحدث بنبرة لا تخلو من الفرحة التي ارتسمت على وجهه، كانت الفكرة أن نقوم بابتكار ما هو ملفت للناس حتى نجذب المواطن إلى مطعمنا، في البداية اختلفنا ماذا نريد، إلى أن توصلنا إلى قرار باتخاذ اسم وجبة محلية غزية ونطلق عليها اسم فجر . ويواصل: "كانت الحرب منتهية وبعد أسابيع استدركنا حاجة المجتمع إلى ما يعيد إليهم الأمل فكانت فكرة صناعة وجبة محلية باسم مقاوم فكرة ممتازة لاقت إقبال الجمهور الفلسطيني". وعن تفاصيل الوجبة يضيف: "هي وجبة غذائية محلية الصنع،وليست جديدة بطريقة أو بأخرى، فالفلسطينيون يعرفونها جيداً لكن الاسم هو الجديد". وعن إقبال المواطنين يقول: ""كان الملفت لنا أن بعض الشباب من التنظيمات حرصوا أن يتذوقوا هذه الوجبات عن طريقة مجيئهم مع أصدقائهم وهو ما شكل لدينا قناعة أن فئة الشباب هي من اقتنعت بفكرة الانتصار وهي التي تحتفل بطريقتها الخاصة بهذا النصر". ويختم حديثه لمراسلة إيلاف: "نحن في كل مرة سنخوض فيها حربا مع إسرائيل الدولة البغيضة سنكتب ملامح انتصارنا بأيدينا وبمكونات بسيطة جداً وهذه الوجبات أو أنواع العطور المختلفة ما هي إلا البداية حتى نسجل يوماً قريباً انتصارنا الذي سيقضي على دولة إسرائيل كما وعدنا الله". رؤية نفسية وأبعاد اجتماعية الدكتور وليد شبير المختص بعلم الاجتماع، يصف التجربة التي خاضها الغزيون أثناء حرب الثمانية أيام بأنها أثرت بشكل كبير في حياتهم،انعكست هذه المظاهر كما رأيناه إما بطريقة سلبية أو ايجابية حسب المعنويات التي تختلف من شخص لآخر وبنسب متفاوتة في المجتمع الغزي. ويواصل: "عادة الحروب التي يخوضها أي شعب ويكون هو الحلقة الأضعف تتسبب بتكوين العديد من المشاكل على كل الأصعدة تتمثل غالباً بالتأثير المختلف على الجانبين الصحي والاجتماعي والأكثر تأثيرًا هو الجانب النفسي الذي يسعى أي عدو خلال حربه إلى القيام بتدمير الجانب النفسي لهذا الشعب". لكن ما سجله الفلسطينيون في غزة بعد الحرب الأخيرة مختلف تماماً، فنحن كأخصائيين لم نر هذه الروح والتحدي لديهم من قبل ولم نسجل هذه المعنويات خلال أي حرب، فالتوجه لدى الغزيين بصناعة العطور والوجبات هو ترسيخ لفكرة الانتصار، فقيام شباب عايشوا الحرب بتفاصيلها بابتكار نوع من العطور أو الوجبات الغذائية إنما يعبر عن توجه كامل لدى شرائح مختلفة لترسيخ فكرة الانتصار الذي نجحت المقاومة في صنعه بشكل أو بآخر في حرب الثمانية أيام. وما حدث فعليا على أرض الواقع ننظر إليه بأهمية قصوى، لاسيما أننا رأينا بالفعل أن كثيرًا من الفئات توجهت نحو اقتناء العطور أو شراء الوجبات ليس لأنها شيء جديد إنما هي تعبير عن فرحتهم التي انعكست على تصرفاتهم باقتناء العطور والوجبات. ويضيف: "ما يجب التنويه به هو أن الإعلام المحلي نجح في دعم فكرة الانتصار، ودعم هذه الصناعات من خلال نشرها بوسائله المتعددة كتعبير ودلالة على هذا الانتصار". ويختم حديثه: "أي شعب في العالم كان سيسجل انتصاراته بطرق مختلفة وهذا ما حدث مع الغزيين الذين تحلقوا حول سلاح المقاومة بأسلوبهم الخاص، وستبقى هذه الحالة من الشعور بالنشوة والفرحة تلازم الفلسطينيين لوقت طويل جداً". وبعد ابتكار العطور المحلية والوجبات الغذائية التي تحمل أسماء الصواريخ المحلية فجر و m75 ، يبقى التساؤل قائماً لدى الكثير من القطاعات المختلفة في غزة إلى متى ستستمر مظاهر الاحتفال بانتصارهم في حرب الثمانية أيام؟