الحروف التي اسودّ بها بياض عدد من صفحات حرص ملطخوها على تسيمتها ب "رؤية للإنقاذ الوطني" ولدت في هيئة خداج مشوه يحمل بذور موته معه، إذ أبت عصابة المتمرد الحوثي – وهي تلفظ أنفسها الأخيرة، وخيبة الأمل تتملك أصحابها في وليدهم العليل الذي رجحوا موته على تحمل شماتة النظر إليه مريضاً متهالكاً – إلا الإطالة في أمدها ليقرن بها ليس موته المرتقب فحسب، وإنما موت الذين بثوا فيها بعض حياتهم الزائفة تحت مسمى "اللجنة التحضيرية للحوار الوطني" ضمن عباءة اللقاء المشترك!! لقد تردد حينها أن واضعي رؤية الإنقاذ أولى بالبحث عمن ينقذهم، والآن فإن في لجوء عصابة التمرد والتخريب والإرهاب إليهم ما يؤكد– مع تبادلهما لجزءي المعادلة– أن أحدهما كالغريق الذي يتعلق بقشة، ومع الجزم بدقة تشبيه الحوثي بالغريق الذي تقطعت به سبل النجاة وصار قاب قوسين أو أدنى من الهلاك إلا أن المشترك بلجنة حواره وما تمخض عنها من صراخ أجوف، أضعف من استحقاق معطى ما تمثله القشة للغريق، أو هو في شبهه بها – على أحسن الأحوال– سيأخذ منها تحطمها بين يديه، ومن ثم تهاويها إلى غياهب الغرق وهي التي كان لها من الطفو على السطح بعض الحضور.. وفي ترحيبه بها معلقاً عليها آمال الخلاص يدرك المتمرد الحوثي أن تسليمه بالهزيمة، وبقدر ما يسقط في أيدي شركائه بالمشترك كل مشاريعهم ال "ضرار" من ناحية، ويؤكد أحقية خيارات الدولة التي اتبعتها حفاظاً على وحدة اليمن وأمنه واستقراره من ناحية أخرى، فإنه – وعلى قاعدة أن المدان بجرمه عادة ما يفشي سر جريمته ويكشف عن شركائه – أراد أن يؤكد وعلى أشد ما يكون الوضوح أنه ليس وحده الذي يعادي الوطن ويسعى إلى الانقضاض على قيمه وضرب مصالحه ، وإن كان الأبرز. والأخطر في تداخل موقف الحوثي مع المشترك، أن الأخير بانتهاجه خياراً مغايراً للنسيج الوحدوي والثوابت الوطنية قد مكن وسيمكن عصابة التخريب من المساومة بورقة حوار لجنة المشترك على أمل إطالة التمرد المسلح ومواصلة أعمال الإرهاب والتخريب ، وفيما يبدو ألاَّ أمل في أن يقدم المشترك مصلحة الوطن على لعبة المماحكات السياسية، فإن المتمرد الحوثي يود أن يسفك آخر قطرة من دماء اليمنيين قبل أن يعلن الهزيمة والتزامه بعواقبها.. إذاً فلا خيار أمام زعيم عصابة التمرد والإرهاب وأتباعه إلا الإذعان للشروط الخمسة التي أعلنتها اللجنة الأمنية العليا.. ومع الجزم بأنها أقل ما يمكن أن تشترطه الدولة حتى تكف عن مواجهة متمردين خرجوا على شرعيتها وأرهبوا مواطنيها وسعوا في أرضها بالخراب والدمار، إلا أن الحوثة أبعد عن الالتزام بها، لأن لهم من الأجندة ما يضعون فيها أنفسهم نداً للدولة وبديلاً عنها، حنيناً إلى العهد القديم، أيام كهنوت الإمامة وقبضتها الاستبدادية الظالمة.. ولهذا فإن قمع التمرد حتى الإتيان على آخر عناصره هو الخيار الأوحد..