تنطلق في تمام الثامنة والنصف بتوقيت صنعاء مساء غد الأربعاء على ملعب نادي المريخ بمدينة أم درمان السودانية، المباراة الفاصلة بين المنتخبين المصري والجزائري لحسم هوية المتأهل من المنتخبين إلى نهائيات كأس العالم 2010 في جنوب أفريقيا، وذلك بعد أن نجح المنتخب المصري في الفوز على نظيره الجزائري بهدفين نظيفين في اللقاء الذي جمعهما في القاهرة السبت الماضي لتتساوى كفة المنتخبين في النقاط والأهداف ولتحال أوراق بطاقة التأهل إلى ملعب المريخ السوداني. وفي الوقت الذي أعلنت فيه الحكومة الجزائرية اعتزامها استخدام طائرات عسكرية لنقل المشجعين الجزائريين إلى العاصمة السودانية لمتابعة المباراة الفاصلة بين الجزائر ومصر، أمر وزير الطيران المصري بزيادة الجسر الجوي إلى 40 طائرة بدلاً من 25 وذلك لنقل المشجعين المصريين إلى الخرطوم. ودعت الحكومة الجزائرية في بيان لها مواطنيها إلى الأخذ بعين الاعتبار حصة التذاكر التي منحت للجزائر والمقدرة بتسعة آلاف تذكرة، وهو نفس العدد من المشجعين الذي سيتم نقله إلى الخرطوم.. مشيرة إلى تجنيد اكثر من 200 طبيب وشرطي وعامل في الدفاع المدني، وتجهيزهم بوسائل مناسبة بما فيها خيم، كما تم تخصيص مخيم للشباب بسعة 2000 سرير. وأشار البيان إلى أن تذاكر الدخول إلى الملعب ستشترى من قبل سفارة الجزائر في الخرطوم، على أن توزع مجاناً على المشجعين طبقا لتعليمات الرئيس عبد العزيز بوتفليقة. وطمأن وزير في الحكومة الجزائرية في وقت لاحق السلطات المصرية على أوضاع جاليتها بالجزائر، وأضاف موضحا بشأن الجدل الذي بدأ يدور حول أسباب إرسال الجزائر لعناصر أمن للخرطوم، بالقول: "أن الغرض هو تأطير أنصار الخضر ومنع الاحتكاك مع أنصار المنتخب المصري، لأننا نرفض التمكين لروح الانتقام". وقال وزير التضامن والجالية الجزائرية بالخارج، جمال ولد عباس: "إن الرئيس بوتفليقة أمر شخصيا بتكثيف إجراءات الحماية لمقر السفارة المصرية ولباقي المقرات التي تضم أفراداً من الجالية المصرية". إلى ذلك، عاد الهدوء صباح اليوم الثلاثاء إلى مطار هواري بومدين الدولي بعد أعمال شغب محدودة قام بها عدد من المناصرين الغاضبين الذي كانوا يرغبون في السفر إلى الخرطوم لمناصرة المنتخب الجزائري. وتسبّب مناصرو الخضر في تهشيم زجاج بعض بوابات المطار الرئيسية، الأمر الذي دفع قوات مكافحة الشغب إلى غلق أبواب المطار بشكل مؤقت، واضطرت إلى استعمال القنابل المسيلة للدموع لتفريق المناصرين الغاضبين، قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها صبيحة اليوم الثلاثاء، لاستئناف رحلات نقل الأنصار وباقي الرحلات الجوية الأخرى. وامتلأت العاصمة الجزائرية منذ يومين ب"أمواج بشرية" قدرتها مصادر متطابقة بمئات الآلاف من المناصرين الراغبين في السفر إلى السودان لمؤازرة الخضر. وقالت صحيفة "الخبر" في عددها ليوم الثلاثاء: "إن حوالي مليوني مناصر يرغبون في السفر إلى الخرطوم مقابل 10 آلاف تذكرة"، الأمر الذي من شأنه خلق ضغط كبير على الوكالات التجارية التابعة للخطوط الجوية الجزائرية. وفيما يخص الجالية المصرية في الجزائر، تواصل قوات الأمن ضرب طوق أمني على السفارة المصرية وباقي المقرات ومساكن الجالية المصرية، بينما قررت إدارة شركة جيزي للهاتف النقال ترحيل عشرات من كوادرها المصرية، كإجراء احترازي عقب التخريب الذي طال عدداً من وكالاتها التجارية. وأعلن متحدث باسم شركة الهاتف النقال "جيزي" مساهمة الشركة في نقل المناصرين الجزائريين إلى الخرطوم، وهو القرار نفسه الذي اتخذته شركة "نجمة" الكويتية و"موبيليس" الحكومية للهاتف النقال. وفي الجانب المصري، قررت وزارة الطيران المدني زيادة الجسر الجوي من طائرات مصر للطيران وشركات الطيران المصرية الخاصة من 25 إلى 40 طائرة، وتم الحصول على التصاريح اللازمة لهذه الطائرات وتعديل مواعيد وصولها في مطار الخرطوم على أن يبدأ الجسر الجوي ابتداءً من اليوم الثلاثاء من مطارات القاهرة والإسكندرية وأسوان وتشمل أسعار تذاكر الانتقالات ودخول الاستاد لكل شركة. وفي كل ساعة يزيد فيها احتدام الأجواء بين مصر والجزائر، يتذكر العالم، حرباً استمرت قرابة 4 أيام قبل 40 سنة بين دولتين جارتين في أمريكا الوسطي وانتهت بكارثة خلفت أكثر من 4000 قتيل، معظمهم مدنيون، ومعهم 10 آلاف مشوّه و120 ألف مشرد، ومئات البيوت المدمرة وكذا المنشآت التي تزيد قيمتها اليوم على ثمانية مليارات دولار، وكل ذلك بسبب شرارة صغيرة من كرة قدم تقاذفتها الأقدام فوق عشب يوحي لونه بالسلام. ويشير الباحثون والمؤرخون إلى أن "حرب الكرة" التي استمرت 100 ساعة بين هندوراس والسلفادور لم تكن سوى فتيل للحرب، أما السبب الغافي ذلك الوقت تحت الرماد فكان سيطرة نافذة وقوية لمجموعة من الاقطاعيين على معظم الأراضي الصالحة للزراعة في السلفادور المكتظة بأكثر من ثلاثة ملايين نسمة زمن الحرب في 1969 على مساحة 12 ألفاً و600 كم2، ما سبب هجرة أكثر من 300 ألف من فلاحيها الفقراء الى جارتها هندوراس، الفقيرة مثلها، ما زاد من نسبة البطالة في البلاد التي كان سكانها مليونين و233 ألف نسمة، لكن مساحتها تزيد على 70 ألف كم2. وباحتدام الأمور بين الدولتين قبل المباراة قررت حكومة هندوراس حظر امتلاك الأراضي على مواطني السلفادور، كما طرد سلفادوريون عاشوا فيها لأجيال، وعلى أثرها انقطعت من بعدها العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، الى درجة أن الرئيس الأمريكي الراحل، ليندون جونسون، تدخل شخصياً فيما بعد لاعادتها بعد كد وتعب، لأن وسائل الاعلام في البلدين كانت تزيد من الطين بلة، فلعبت دوراً مهماً في احتدام الأمور، وشجعت على الكراهية بين الهندوريين والسلفادوريين، تماماً كما يحدث الآن في الاحقتان الإعلامي للمصريين والجزائريين قبل مباراة الغد الحاسمة بين منتخبيهما في الخرطوم. حيث حملت تصفيات بطولة كأس العالم بكرة القدم لعام 1970 هندوراس والسلفادور الى مواجهة حاسمة لتحديد الفريق الذي سوف يتأهل الى المباراة النهائية، التي تقرر أقامتها على ملعب في المكسيك، حيث كانت المباراة الأولى بين البلدين قد جرت في 8 يونيو 1969 في العاصمة الهندورية، تيغوسيكالبا، وفيها فازت هندوراس على السلفادور (1 /صفر) لتفوز الأخيرة (3/ صفر) على أرضها بعد 19 يوماً، فاحتكم الطرفان الى مباراة فاصلة بينهما على استاد الازتيك الشهير في العاصمة المكسيكية، حيث فازت السلفادور (3/2) في الوقت الاضافي فصعدت الى الدور النهائي للتصفيات، وعلى أثرها نزل الغضب الهندوري الى الشارع. حيث اعتدى هندوريون بالآلاف على الفقراء السلفادوريين المقيمين عندهم، وتطورت الأمور الى مهاجمة أحياء يقيم فيها السلفادوريون مما اضطر معظمهم للفرار الى بلادهم تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم، وسريعاً تقدمت السلفادور بشكوى لدى الأممالمتحدة وهيئة حقوق الانسان ومنظمة الدول الأميركية (I.A.O) خصوصاً بعد انتحار فتاة سلفادورية تحولت الى بطلة وطنية، فكان لا بد للحرب من أن تقع. وبدأ القتال فجأة براً وجواً في 14 يوليو ذلك العام، وانتشرت القوات البرية للجيشين على طول الحدود، وبدأ القصف المدفعي عشوائياً من الطرفين على القرى والبلدات في البلدين، وانتهكت طائرتان من هندوراس أجواء السلفادور عدة مرات، فردت السلفادور بهجوم بري واسع النطاق حمل قواتها لأن تتوغل مسافة زادت على 60 كيلومتراً داخل الأراضي الهندورية، وإزاء ذلك ردت هندوراس بغضب وقصفت مدينتي سان سلفادور وأكابوتل بالقنابل، فقتلت مئات المدنيين، ولم تنته "حرب الأيام الأربعة" بين الجارتين اللدودتين الى الآن إلا بعد وساطات وتدخل من دول مهمة، ثم راحت كل منهما تلملم أشلاءها وتعيد دراسة ما جرى، لأنه كان درساً قاسياً تعلمته هي ووسائل إعلامها، ومنذ ذلك الحين أصبحت مباريات كرة القدم في البلدين تختلف عن سواها في عدد كبير من دول أمريكا اللاتينية، فالخسارة أو الفوز يليها كرنفال من الفرح في معظم الأحيان.