إذا بات لدينا رئيس منتخب هو عبدربه منصور هادي ومن ثم وضع وحكومة وفاق، فمن هو الطرف أو الحزب الذي يحس به ثقل النظام أو الحزب الحاكم في هذا الوضع؟!!. سيجيب الكثيرون بتلقائية انه الاخوان أو "الإصلاح"، ذلك ما ظل يحس به في عقود حكم الرئيس السابق صالح حتى حين لا يكون الإصلاح شريكا أو في الشراكة. خلال توقيفي أو حبسي في وزارة الداخلية 2002م اقتادوني مرتين بطقم إلى النيابة للتحقيق معي، وكانت تطرح أسئلة من نوع: ما دمت طرحت بأن الرئيس لعبد عليه في الموضوع أو القضية "كذا" فذلك يعني ان الرئيس لا يفهم أو غبي فهل ذلك ما قصدته؟!!. صالح كرئيس كان قوياً أمام الحزب الذي ينتمي إليه وكان ضعيفاً أمام الحزب الذي يحكم به، وذلك ما يتأكد منذ الميزانية الضخمة والمضخمة للمعاهد العلمية حتى حروب صعدة. كلنا نحس في محطة 2011م أنها حين تكون في الساحات والفضائيات فهي من أجل الدولة المدنية الحديثة، وحين تؤول إلى تفعيل للحسم الثوري أو الديمقراطي كانتخابات تؤول إلى الأسلمة الاخوانية السلفية المشتركة والمتشابكة، ومن تابع مشاهد وأفعال الثورة المصرية والتفاعل معها لا يمكنه تصديق أنها آلت كديمقراطية إلى الأسلمة الاخوانية السلفية!. فالرئيس صالح جاء في أوج مد الأسلمة كمد أميركي غربي، ولعله من خلال معرفة خفايا لهذا المد الذي بلغ افغانستان عاش مستوى مرتفعاً من الخوف منه، أو انه ألمّ بألعاب وأبعاد هذا المد فمارس ألعاباً معه وعليه كما مارس الاخوان العابا معه وعليه، وحاصل ذلك هذا التموضع للرئيس صالح وهذا الوضع للاخوان في عقود حكمه، والدليل أن كلاً من صالح والإصلاح يدعي بعد رحيله من الحكم انه لعب بالآخر "كرتاً". ما دام صالح نجح في تحقيق الوحدة في ظل رفض الاخوان لها عبر دستورها، ونجح في استعمال الاخوان في محطة 1994م، ثم نجح في تنفيذ قانون توحيد التعليم واغلاق المعاهد العلمية قبل أحداث سبتمبر، فهو الأنجح وهو ظل كذلك في الألعاب الداخلية والاقليمية، كما هو الأنجح من الحكام إزاء محطة 2011م الاميركية الغربية حتى مع رحيله من الحكم. صالح من هذا التموضع كان يتهم من خصوم سياسيين أو في الاستهداف السياسي بالتواطؤ مع الإرهاب أو ايوائه ربطاً بما يسمى "التحالف الاستراتيجي" مع "الاخوان"، وتقارير الاشتراكي للعواصم الاقليمية والعالمية خلال ذروة الأزمة في الفترة الانتقالية بعد الوحدة تؤكد وتوثق ذلك. هل الرئيس صالح هو الذي استعمل الاخوان في حروب المناطق الوسطى أم أن الاستعمال كان اميركياً كتجريب في اليمن لتطوير التجربة إلى افغانستان؟!!. أياً كان فالطرف المستعمل هو الاخوان وصالح خالف أميركا لاحقا إلى مستوى من التحدي في استعمال الاخوان و"القاعدة" في حرب1994م، وذلك يؤكد انه كان يمارس الاستقلالية كلاعب وفي أية لعبة. لا يتوقع من عاقل رفض حاجية حيوية وربما مصيرية، وأهم كون ذلك هو من لعبة أميركية أو غربية، فلا الخميني سيرفض الدعم والاسناد الغربي لتثويره وثورته ضد الشاه ولا صالح سيرفض الاستعانة بمد الاخوان لإيقاف زحف توحيد اليمن شيوعياً بالقوة، والمهم هو لعبة اطراف مثل "الخميني- صالح" للاحتراز بعد ذلك. لعل ذلك ما أسس لهذه العلاقة في وضوحها وغموضها بين صالح والإصلاح وفيها صراعات مرة ومريرة فوق ما يتبدى أو يتبادى. ولأن الإصلاح كطرف أو كأثقال وقيادات يحس في أعماقه انه مرتهن أو رهينة لما في هذه العلاقة الطويلة من خفايا وأسرار تلحق به اضراراً كبيرة في مثل محطة 2011م التي جاءت لصالحه في تسلسل وسلسلة المحطات الأميركية في المنطقة، فهو كان أكثر الأطراف الساعية لتصفية صالح وعائلته وليس فقط لإقصائه لأنه بدون ذلك يظل تحت التهديد بسحب ثوريته أو أهليته الثورية. ما هي حقائق أساسية في أداء وتموضع أطراف سياسية تؤثر في الواقع أو يحس بها يصبح اخفاؤها عدمياً وانكارها عبثياً. فالاشتراكي بعد حرب 1994م ظل في تكبيل ان قيادات الخارج تملك قراره وهي المرجعية لأي قرار حتى محطة 2011م، والمؤتمر مثل علاقة الرئيس صالح بالإصلاح تكبيلاً يخف ويتراجع أحايين ويرتفع حيناً. الدكتور الارياني ليست حريته أو حنكته السياسية فقط هي التي تدفعه لكتابة افتتاحية لصحيفة "الميثاق" بعنوان "من براميل التشطير إلى معاهد التكفير"، ولكن ذلك يأتي من نضوج عوامل السير في هذا القرار أو تفعيله ومن تدارس للأوجه والأبعاد المتصلة بما في ذلك العلاقة بالإصلاح كطرفين سياسيين وعلاقة صالح كرئيس بالإصلاح. ان يطرح توصيف تحالف مصيري بين الرئيس السابق صالح والمرحوم الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر فذلك يستوعب أو يهضم لتكافؤ في تحديد طرفيها كأشخاص أو اثقال، فيما الطرح عن تحالف استراتيجي بين صالح كرئيس وبين حزب غير الذي ينتمي إليه كالاصلاح لا يفهم ولا يهضم، فهذا التوصيف يجعل الإصلاح هو الحاكم والمؤتمر ان لم يكن المعارض فهو المهمش. الاصلاحيون ظلوا يغمزون للمؤتمر تهكمًا أو تحقيراً بانه حزب المغنم مع الرئيس صالح فيما الإصلاح هو الساعد الايمن وحزب المغرم. فالمقصود هو ان المؤتمر يعيش ويتقرص ارزاقاً واخزاقاً من خلال الانفاق عليه ومن خلاله من فرضية انه الحزب الحاكم ولكنه لا يتحمل المسؤولية مع الرئيس في الحكم ولا يفيده حين الخطر والمحطات الاخطر، وذلك ما يقوم به حزب المغرم والساعد الأيمن. البعض يطرح بأن المؤتمر الشعبي يمارس في الفترة الانتقالية "الانبطاح" وربما من تعود أو تأثيراته، والمسألة ليست ذلك ولا كذلك فمحطة 2001م كمحطة خارجية فرضت على الإصلاح بأطرافه ومتطرفيه "الانبطاح" الصامت قرابة العقد كما محطة 2011م كخارجية فرضت عليه انبطاحا فوق المعتاد والمتوقع، فاذا هو رفض الوحدة لأن النص في الدستور بأن الاسلام هو المصدر الأساسي للتشريع فيه قدر من الكفر، فماذا تكون توكل "نوبل" حين تطرح من خلال محطة 2011م بأن الاسلام مجرد مصدر من مصادر الالهام وليس مصدراً للتشريع؟!. المؤتمر لا يسير في انبطاح ولا في حياته ما يجبره على ذلك ولكنه يمارس وعي التهدئة في ظل شطح وشطط متطرف بسقوف ما في الفترة الانتقالية والاتفاق السياسي "القرار الدولي" الذي جاءت منه من قضايا ومحطات أهم. المؤتمر لم يكن يتحمل ما كانت تتطلبه أوضاع ومتغيرات في ظل حكم الرئيس السابق صالح أو في الفترة الانتقالية الحالية إلا من وسطيته وواقعيته، وهو الطرف الذي ظل الواقع ويظل وسيظل في حاجة إليه وذلك ما ستؤكده التطورات القريبة والقادمة. الأطراف السياسية في الحياة السياسية وفي واقع اليمن يعنيها ألا تظل تحصر الآخرين في تطرفها أو تحاصرهم بتطرفها من وجه الايهام في المحطة أو القراءة الواهمة، لأنه عليها اختزال هذا العالم المتصارع والمتحرك فيما يعني واقعها وقضاياها لا أن تطالبه باختزالها أو تعيش وهم مثل ذلك. إما واقعية وانصاف بأقصى متاح وممكن وإما صراع لا يهم العالم ان يتسع ويستمر ويتعدد أو غير ذلك، لأن ما لا يحل سيحتوى تحت مستوى فوضى خلاقة هي بين المطلوب، وسنكون نحن وعبر هذه الأطراف المتطرفة من اختار، ولن تكون الضحايا والتضحيات إلا من اليمن والدمار والخراب إلا في اليمن. إننا لا نمارس بطرح بداهة كهذه أي ايحاء أو تخويف ولكن ذلك ما نخافه فعلياً ونحاول إخفاءه ما أمكن لإبقاء أو إشاعة التفاؤل في ظل أوضاع مضطربة تجعل الاحتمالات مفتوحة!!.