عندما يقول حيدر أبو بكر العطاس بأننا قبل حرب 1994م مارسنا استنزاف البنك المركزي حتى صفَّرناه بهدف جعل خيار الحرب هو المستحيل أمام علي عبدالله صالح، فذلك يؤكد سير هذه القيادات الاشتراكية إلى إعادة الانفصال كأمر واقع في ظل استحالة خيار أو شن الحرب. إذا قيادات الاشتراكي صعدت إلى إعادة الانفصال كأمر واقع، وفي سياق ذلك مارس نظام مبارك في مصر آنذاك من خلال مسمى الوساطة ما عرف بالفصل بين الجيشين، ثم مارس رفع شعار "الوحدة لا تفرض بالقوة"، فالفصل بين جيشين يعني التسهيل لانفصال "الوحدة لا تفرض بالقوة" يعني القبول بانفصال الأمر الواقع والتحذير من السير في خيار الحرب. "الوحدة لا تفرض بالقوة" شعار استخدمته أميركا ومن ثم المنطقة بعد غزو العراق للكويت، فيما الولاياتالمتحدة الأميركية بعد التوافق وإقرار دستور وحدتها حاربت لمنع فرض انفصال كأمر واقع. سيظل رأيي ان الحوثي مارس التمرد في صعدة والنظام وقع في أخطاء أو مارسها في الحروب التي طالت ضد هذا التمرد، وسيظل رأيي أن الاشتراكي وقد سار عبر قيادات نافذة إلى انفصال الأمر الواقع هو الذي صعد إلى حرب 1994م. لست مع الاعتداء لمن وما مورس ك"تمرد" ولا لمن وما مورس ك"انفصال"، ولست مع إدانة حرب 1994م ولا مع إدانة مواجهة تمرد، ولكنني مع الاعتذار عن أي أخطاء حدثت بعد حرب 1994م أو خلال حروب مواجهة التمرد في صعدة. إذا محطة 2011م أفضت إلى أوضاع وتموضعات صراعية تجعل مثل هذا مقبولاً كمعالجات وتخفيف أو تهدئة للصراعات، فلست ولن أكون مع ذلك بما يتقاطع مع حقائق أساسية واقعية وسياسية كنت أحد شهودها ومعايشيها. لا أستطيع اليوم أو الآن إنكار أنني كنت في جبهة الحرب للدفاع أو للحفاظ على الوحدة، ولم أحس وفي أية لحظة حتى الآن بأن الحرب كانت هي الخطأ، وبالتالي أنى كنت خاطئاً في ذلك الموقف؟!!. كتاباتي ومواقفي كصحفي في صحيفة "الثورة" الرسمية أو غيرها أو حتى في صحف خارجية هي التي تجسد مواقفي بعد حرب 1994م للدفاع عن قضايا وحقوق الجنوبيين وقضايا الواقع العام، ومثل ذلك تقاطعاً وخلافاً مع النظام جعلني من غير المرضي عنهم بل من المغضوب عليهم حتى رحيل الرئيس السابق صالح. لقد ظليت اختلف مع انتهازية الإخوان "الإصلاح" ليكون بين ثمن مشاركته في انتخابات 1997م الحصول على ملياري ريال كتعويض لملكية المنطقة الحرة، واختلف كذلك مع مقاطعة الاشتراكي لذات الانتخابات معللا بأنه لن يشارك حتى لا يعطي النظام المشروعية، وقد خرج المرحوم جار الله عمر من الاجتماع الحاسم للجنة المركزية خروج المهزوم بإقرار وقرار المقاطعة بذلك التصريح الشهير "الحمد لله أننا حافظنا على وحدة الحزب". إذا وحدة الحزب كانت أولوية لأناس قبل انتخابات 1997م فوحدة البلد كانت أولوية لأناس في ظل تصعيد الأزمات إلى انفصال وحرب 1994م، ولا يليق بي الآن الكذب على ذاتي وعلى الناس في مسايرة تفعيل أو معطى محطة 2011م. بافتراض أن النظام سار في أخطاء أو مارسها خلال حروب مواجهة التمرد في صعدة أو بعد حرب 1994م، فأصبحت المسألة لا تفرق كثيراً في الاعتذار عن حرب أو عن مواجهة تمرد أو عن أخطاء خلالها أو بعدها، ولست مع ذلك حتى لو ظللت الوحيد في هذا الموقف. لم يكن لمثل شخصي المتواضع أي أثر أو تأثير في التصعيد إلى انفصال أو تمرد أو إلى حرب أو حروب، ولكنني مارست الاصطفاف من وعيي وبقناعاتي. وليس لمثلي أي أثر أو تأثير فيما يصار فيه ويصار إليه بعد محطة 2011م، وما مارسته بعد حرب 1994م من نقد فيما يتصل بالجنوب وفي أكثر من جانب وما أطرحه الآن، يريحني ويجعل فيّ رضا عن نفسي في التعامل مع الواقع والوقائع بغض النظر عن ضعف أو حتى عدم تأثير رؤى أو آراء لشخصي. إنني لا أستطيع الاقتناع بأي أخطاء أو مبررات تجعل الاشتراكي أو قياداته النافذة تسير بعد ثلاث سنوات إلى الانفصال كأمر واقع، وهو الأخطر من قرار الانفصال الذي مثل جزءاً من الحرب أو مناورات التعامل معها. وما طرحه "العطاس" الآن عن تصفير البنك المركزي يؤكد أن كل ما جرى من وساطات وحوارات بما في ذلك محطة عمان و"وثيقة العهد والاتفاق" كان مجرد تكتيك لتنفيذ قرار انفصال، اتخذ ولا تراجع في فرضه كأمر واقع بدليل استباق هذا الطرف لاحتراز ما هو أبعد ومحتمل كرد فعل من خلال التفعيل في الواقع واستثمار تكالب أقليمي وقتها ضد اليمن لمنع الحرب وإسقاط غزو الكويت لقمع صالح كصدام صغير. إذا أصبح مطلوباً أو مرغوباً إدانة حرب 1994م فإنه يفترض السير إلى أمر واقع لانفصال بشكل أحادي، فيما الاعتذار عن أخطاء بعد الحرب وإصلاحها أمر طبيعي ومنطقي. كنت أُصنف بعد حرب 1994م "مزقرع معارضة في صحافة حكومية"، أما خلال حروب مواجهة التمرد بصعدة فصنفت بين الإماميين أو "الملكيين"، كما تجديد الوزير سميع بعد محطة 2011م ومجيء الوفاق وحكومته. لا يهمني مثل هذا الهراء و"الهرطقات" ولا زلت عند رأيي بأن الحوثي مارس التمرد ورفع السلاح في وجه الدولة أو النظام، وأقرأ الأخطاء وأقدرها خلال هذه الحروب.. فيما مواجهة تمرد ليس من الأخطاء ولا يفترض أن يدان لولا استسهال مقاربة أو استرضاء أطراف تحت وقع محطة استثنائية. ربما لم تتوافق صحف النظام والمعارضة خلال عقد ما قبل محطة 2011م مثلما توافقت إلى تطابق في وصمي بالجنون وبتوصيف مجنون. ولا أدري لماذا التركيز أو الإسهاب حول جنون أو مجنون لم يضر أحداً غير ذاته وشخصه؟!!. إنني مقتنع وراضٍ كل الرضا عما مارسته من مواقف منذ انتهاء حرب 1994م ومن ثم خلال محطة 2011م، ودائما لدي استعداد لتحمل تبعات مواقفي وفي ظل أي أوضاع أو تموضعات صراعية أو سياسية. إذا لك في نظر آخرين أو من منظورهم هو الجنون فإنني أراه التجسيد الحقيقي للواقعية والعقلانية، وكل طرف يخطئ ولا يريد أن يعترف بخطئه أو يقف أمام ما أخطأ فيه ونحن فقط أمام اضطرار ما تفرضه محطة 2011م وما أفضى إليه صراعها من معادلة واقعية وما فرضه على كل طرف من معالجات كلامية ومواقفية تضاف إلى تعدد النظريات والايديولوجيات التي اشبعت الواقع تنظيراً يتماشى مع المتغيرات والصراعات الإقليمية الدولية ومحطاتها بطريقة "إذا مالت الريح". أحد المحاذير المفروضة من عهد الاشتراكي كنظام في عدن بألا يتحدث أو يكتب أحد عن إمكانية تقسيم إداري لحضرموت، ولكنني ذات مرة قررت وكتبت إحدى يوميات "الثورة" بأن تكون حضرموت محافظتين لتسهيل تعامل ومعاملات الناس. لقد حدث رد فعل توقعته أو فوق المتوقع إلى درجة طرح البعض ذلك بأنه خسارة لكثير من الناس إن لم يكن استعداءً. ما دمت في النية والدافع والغائية والهدف لا أريد أن أخسر الناس ولا مبرر لاستعداء أناس، فإن رد الفعل أيا كان إن لم يكن يعنيني فهو لن يثنيني عن طرح ما أراها حقائق أو استحقاقات لواقع أو وطن، وأقصى ما يحتمله هذا كديمقراطية خلاف وجهات نظر ورأي ورأي آخر. ربما أكون الوحيد الذي ليس مع إدانة حرب 1994م ولا مع إدانة المواجهة لتمرد، أو أنها وجهة نظر أو الرأي الآخر، ولمن يريد توصيفي بالجنون والمجنون فهي وجهة نظر ورأي آخر.