ليس بين أيدينا حتى اليوم كتابٌ يقدم لنا التاريخ اليمني لما قبل الثورة ومابعدها من خلاله نتعرف على النظم السياسية التي تلاحقت على البلاد بصدق وموضوعية. ونعرف كيف قامت الثورة ابتداء من مرحلة الاعداد والتخطيط حتى مرحلة التنظيم والتقيد إلاَّ عبارة عن روايات من هنا وهناك وتجميع لاحاديث تتناقض مع روايات واحاديث اخرى. فما أحوجنا لدراسة انفسنا وبلادنا وتاريخنا وواقعنا حتى لاننطلق في تخطيطاتنا راكضين وراء الخيالات نتصارع ونتناحر على مجرد الاحتمالات والتصورات. فالثورة اليمنية كما قرأت وسمعت ان بداية مرحلة تنفيذها في تمام الساعة الحادية عشرة من مساء الخامس والعشرين من سبتمبر 1962م عندما توجه الجيش بكل طاقاته الى دار البشائر لمحاصرة البدر وقيام معركة انتهت بإعلان الثورة والقضاء على النظام الامامي الاقطاعي في صباح«26 سبتمبر 1962م» ليحل محله نظام جمهوري نجح الضباط الاحرار في التخطيط والاعداد لتنفيذ قيام الثورة واعلن عن اهدافها الستة ولكن ومنذ اليوم الثاني لقيام الثورة والمؤامرات الداخلية تحاك على الجمهوريين من قبل من تبقى من الاماميين الرجعيين فأوجدت الصراعات القبلية والمناطقية والمذهبية مدعومة من انظمة دول خارجية كان من مصلحتها ابقاء اليمن ملكياً ادى ذلك الى حصار السبعين يوماً. إذن فالثورة لم تنجح في بناء المؤسسات السياسية القادرة على المشاركة. ولم توجد الشرعية السياسية ولم يطرح دليل فكري واضح المعالم قوى الاساس. فوجد الفراغ السياسي ولعدم وضع رؤية مستقبلية من قبل تنظيم الضباط الاحرار لمرحلة مابعد قيام الثورة ادى الى استمرار المفاهيم التقليدية التي حكمت سلوك قاعدة واسعة من ابناء الشعب اليمني حالت دون التغيير والتجديد. فعقدت المؤتمرات ابتداء من مؤتمر عمران 1963م وحتى مؤتمر خمر 1965م بهدف تجميع قوة الجمهوريين واعادة صياغة برنامجهم ليشمل كل فئات المجتمع قبلياً ومناطقياً لإنهاء حالة الحرب بين الاخوة واحلال المودة والسلام. وكانت الخطوة الحقيقية التي احدثت استقراراً نسبياً للجمهوريين وقيام الحكومة بتشكيل «المجلس الوطني» في العام 1969م ليكون السلطة العليا في البلاد وبدوره قام المجلس الوطني بصياغة دستور دائم تميز بالنهج الاسلامي. ولكن هذا لم يستمر طويلاً نظراً لإفتقارها للاطار الفكري والتنظيم الجماهيري، وفي خلال 16 عاماً تتعاقب اربع حكومات وأربعة رؤساء. عن طريق الانقلابات والاغتيالات نتيجة لعدم وجود الاستقرار السياسي. الذي يمثل الركيزة الاساسية لقيام ثورة حقيقية في مؤسسات الدولة المختلفة ومسايرة ركب الحضارة والاعتماد على الذات في استغلال الثروات الطبيعية والرقي بالانسان اليمني فكراً وسلوكاً فهذه هي الثورة الحقيقية التي اعني. والتي قامت وأوجدت على ارض الواقع في الفترة الزمنية للثمانينات والتسعينات وحتى وقتنا الحاضر. بعد ان ارست الدعائم الاساسية وأوجدت الأرضية الصلبة للاستقرار السياسي. فحين أتى الرئيس الرمز علي عبدالله صالح في العام 1978م الى السلطة ومن خلال المؤسسة الديمقراطية ليكون اول عمل قام به انشاء مجلس استشاري في مايو 1979م وتشكيل لجنة الحوار الوطني في مايو 1980م يضم فئات وقطاعات مختلفة من الشعب وكلفت هذه اللجنة بإعداد ميثاق وطني يسد النقص في التغيير والتنظيم السياسي، ويهدف إلى تجميع كافة القوى السياسية من قبائل وتنظيمات سياسية في جبهة واحدة وتحت مظلة واحدة هي المؤتمر الشعبي العام مظلة لاتعتمد على الجيش او القبيلة وانما على فئات مدنية متحضرة. وقبل ان ينتهي العام 1980م صدر قانون الانتخابات لانتخاب اعضاء المؤتمر الشعبي العام. وهكذا حقق الرئيس علي عبدالله صالح أول آمال الوطنية الكبرى في ملء الفراغ السياسي وصهر الأحزاب السياسية ضمن بوتقة واحدة يتفق الجميع فيها على الحد الادنى من المبادىء السياسية الوطنية وانتشرت نسخ الميثاق الوطني في سائر انحاء البلاد. ومعنى ركب اليمن سائراً في اتجاهين اثنين هما:- أ- اتجاه 22 مايو 1990م ب- الديمقراطية والحرية صوب الرقي والمجد لليمن. ذلك الاتجاهان السابقان واللذان تحققا وبحمد الله يمثلان الثورة الحقيقية لليمن والعروبة. فتحققت الوحدة ورسخت في زمن تعاني الأمة العربية ويلات الانقسام والفرقة. وأوجدت الديمقراطية ومورست العديد من الانتخابات النيابية والرئاسية وآخرها انتخابات المجالس المحلية. ولنترك لك اخي القارئ وجهة المقارنة عن ماتم انجازه، من المشاريع الاستراتيجية ابتداء من سد مأرب واستخراج الثروات الطبيعة وانتهاءً بالاستقرار السياسي وسيادة اليمن ارضاً وانساناً. اذن الثورة الحقه هي الخروج على اساليب التفكير السياسي العتيقة التي احتبست كل طاقات الشعب في مصارعة ذاتية أودت بسمعته وجعلته واحداً من الشعوب المتخلفة. ان كل ثورة لاتستحق اسمها الا اذا اعتمدت الاسلوب العلمي فكراً وعملاً طريقاً لها. *الثلاثاء 24 سبتمبر-أيلول 2002