كثرت الفضائيات حتى بات المرء لا يدري ماذا يريد منها وماذا وكيف يتابع؟؟!!. في إطار تموضع محطات وأوضاع صراعات فالكثير من الناس يتابعون فضائيات تتوافق مع خطهم أو مع صراعاتهم. في العقد الأول للفضائيات وبعد تحرير الكويت اطلقت الفضائيات السياسية، وبعد أحداث سبتمبر 2001م انطلقت وتكاثرت الفضائيات الفنية، فيما محطة 2011م وما بعدها وفي ربطها أو ارتباطها بالاخوان تزايدت من خلالها الفضائيات الدينية وصعدت حروب هذه الفضائيات مذهبياً وطائفياً. إذا نظام مبارك أو السادات من قبله كان يحظر إنشاء أحزاب على أساس ديني أو السماح باشهارها ومشاركتها في الحياة السياسية فما المبرر لذلك؟!!.. المبرر كان انه إذا سمح للاخوان بالمشاركة مثلاً فذلك يستفز المسيحيين، ويعطي الحق لانشاء حزب يمثل المسيحية وذلك ما يفضي إلى ديمقراطية الواقع الطائفي أو المحاصصة. لقد كانت شمولية وقمع وديكتاتورية نظام مبارك هي في زج الإخوان بالسجون وتعذيبهم ونفيهم، ولكن السؤال هو: هل ثورة الحريات والديمقراطية ضد مبارك مصر أرادت أو تريد الديمقراطية الطائفية المذهبية في مصر؟!!.. لا الثورة ولا الإخوان الذين وصلوا إلى الحكم مع ذلك أو يريدون، ومع ذلك فوصول الإخوان والسلفية إلى الحكم أسس للمشكلة في واقع مصر فوق المعالجة السطحية والمضللة وغير الواقعية في دستور الإخوان الذي طرح للاستفتاء. هذا الدستور يتعامل على انه لا يوجد طرف أو حزب منغلق على دين، فيما السلفية كمذهب وتمثل طرفاً يمارس انغلاقاً مذهبياً تجاه مذاهب إسلامية وتجاه مسلمين وليس فقط مسيحية ومسيحيين!!. هذه المسألة لا يريد طرف في الظرف والتموضع الحالي طرحها أو مسها بالرغم من وضوحها وأهميتها، كون محطة 2011م كأرضية خارجية ليست مع استعجال طرحها أو اثارتها. الذي أراه هو ان طرحها والوقوف أمامها هو أفضل لمصر والمنطقة قبل ان تفرض أمراً واقعاً جديداً في الواقع كأمر واقع. ذات مساء وفي ظل قلق أو أرق ليست بواعثه معروفة أو محددة لدي ظللت أقلب الفضائيات بلا توقف وتوقفت عند فضائية مصرية يهاجم منها سلفي من مصر الكنيسة والمسيحيين، وحينما واصلت تجوال الفضائيات توقفت عند فضائية مصرية يهاجم مسيحيون من خلالها "الإخوان". مثل ذلك يؤكد لي ان المشكلة باتت في واقع مصر كما قرأت وتوقعت، وشقيقة من مصر مسيحية طرحت بأن الرب وضع القوة في الضعف كما يتراءى في المشهد المصري، وأكدت كاملة الثقة بأن ما يحدث سيكون في فترة قادمة لصالح المسيحيين. لا يعقل ان الإخوان حين تأتيهم الفرصة والتي قد تكون الأوحد ليصلوا إلى الحكم يقومون بإلغاء اخوانيتهم حتى لا يستفزوا المسيحيين أو حتى لا يحدثوا مشكلة لمصر الواقع والوطن. ربما ذلك كان بمقدور الإخوان تخفيف وقعه كمشكلة بتعامل نوعي واستثنائي عالي الوعي مع المسيحيين، ولكن الإخوان مع حركيتهم يلازمهم الجمود والتحجر في تفعيل الواقع والتعامل معه، وعادة ما يلجأون لحلول نظرية وتنظيرية لا تقترب من الواقع ولا تمارس حتى مقاربة معه. لقد وضعوا في الدستور مادة تعطي لليهود وليس فقط للمسيحيين حق التنظيم والاشراف على شؤونهم الدينية، وذلك تحصيل حاصل لما يمارس في الواقع حتى والمادة وضعت لأول مرة في الدستور. المسيحي في الانتخابات البرلمانية والرئاسية هل يخرج ليصوت لأطراف سياسية منغلقة على ديانة غير ديانته في الفكر والانتساب لها؟!!.. وجود أحزاب انغلاق على ديانة تشارك وتصل إلى الحكم هو بمثابة المصادرة للحقوق السياسية لذوي الأديان الأخرى وهذا ينشئ تلقائيا الحق البديل الطائفي، وذلك ما لم يتنبه إليه الإخوان أو يدعون انهم لا يعونه أو انه ليس مشكلة في الواقع، وربما يرون ان طرح مثلي انما لاستهدافهم من دوافع غير سوية. إنهم مع الأسف وعند مثل هذه المسألة كثيرة الأهمية والتأثير على مستقبل مصر خيارهم دفن رؤوسهم في الرمال وانكار التأسيس لمشكلة أو الوجود لها. لقد ظل مبارك يرد على مظاهرات كبيرة ومتكررة للأقباط في أمريكا وبريطانيا وفرنسا بأن ما يمارس في مصر يعطي للمسيحي كما المسلم، و"مرسي" لا يستطيع الدفع بمثل هذا القول لأن تفعيل الواقع هو غير ذلك بما لا ينكر والاخوان بالممارسة والتفعيل نسفوا أو فقدوا قوة الدفاع عن مصر التي تعامل بها النظام أو الديكتاتور السابق مبارك. في إحدى المظاهرات بمصر كان لافتاً لي شعار أو يافطة وبالخط العريض "الإخوان المسيحيون"، وفي نقاشات عامة يلمح من اخواني في فضائيات بوجود أحزاب في الغرب بمرجعية دينية كما "الحزب المسيحي الديمقراطي"، ولا يدرك هؤلاء بأن المعيار هو الأفعال والتفعيل وتفاعلات ووعي الواقع، فهذه الأحزاب التي في مسماها "المسيحي" تختلف في الأفعال والتفعيل ويختلف واقعها في التفاعل والوعي حتى انهم تجاوزوا اللعب بالديانة أو عليها. ان يكون مسمى أحزاب "المسيحي" في بلدان الغرب فذلك لم يعد مشكلة للأحزاب الأخرى ولا في الواقع أو للواقع، و"الأسلمة" التي وصلت للحكم في تركيا من خلال الأرضية العلمانية بالاسناد الأمريكي لا تقارن بالأسلمة في مصر أو أي بلد في المشرق العربي. من يتذكر ما طرح من الغرب الأنظمة أو الكنيسة وقبل محطة 2011م عن اضطهاد المسيحيين في الشرق الأوسط، وهل ما يحدث في مصر يؤكد ذلك؟!!.. مثلما الإخوان في مصر يمنون على المسيحيين واليهود بمادة خاصة بهم وضعوها في الدستور فذلك هم منطق التعالي والغفلة في الاستغفال مع القوى الأخرى، وفي حين كان الأمل أو بصيص أمل بأن وصول الإخوان سيدفعهم لإعادة تأهيل أنفسهم ديمقراطياً كطرف، فهم من خلال التفعيل والممارسة كأنما هم من يعيد تأهيل القوى الأخرى ثورية ومدنية وليبرالية للإسلام. أتمنى من الإخوان في اليمن ان يعوا أو يستوعبوا اتجاه وأبعاد وتداعيات وجديد ومستجدات المحطات في المنطقة منذ كانت اليمن "شيوعية واخوان" مجرد معمل للتجريب تحضيراً لجهاد افغانستان. الإخوان طرف أساسي في الواقع ومن حقه ان يحكم أو ان يصل إلى الحكم وذلك ما نتعامل على أساس تحققه كاحتمال، والذي نرجوه وعي وواقعية هذا الطرف مع الوطن ومع الواقع ومن متراكم هذه المحطات والمتغيرات!.