يبدو أن المشهد اليمني بعد مرور عامين على الأزمة غير واضح المعالم، فما أفرزته تلك الأحداث من آثار معيشية وأمنية واجتماعية وثقافية ونفسية ما يزال يعاني منها المواطن في مختلف محافظات الجمهورية، ولا يبدو في الأفق مؤشر إيجابي لتدارك الوضع ومنع انزلاق البلد وانحراف مسارها إلى المجهول، كما أن الشباب الذين نادوا بالتغيير أصبحوا اليوم في مواجهة مع من صعدوهم إلى كراسي السلطة، بعد أن فشلوا في معالجة آثار الأحداث وترميم التصدعات وتحقيق النزر اليسير من آمالهم وتطلعاتهم. عامان مرا ولم نلمس إلا واقعاً أنتج نسخة مشوهة أكثر فساداً مما كان عليه الحال سابقاً، ولا شك أن هذا الواقع مكن بعض القوى الحزبية والقبلية والعسكرية من خلط الأوراق وتحقيق مكاسب ما كان يمكن تحقيقها لولا تلك الأحداث، وبدأت تلك القوى باستغلال الظرف الذي تعيشه البلد لفرض سيطرتها وهيمنتها الكاملة على مفاصل الدولة بمختلف أجهزتها ومؤسساتها، مستغلة في ذلك حالة عدم الاستقرار السياسي والأمني وقسوة الوضع المعيشي للمواطن. وفيما الجميع منهمكون في العمل على تهيئة الأجواء للدخول في مؤتمر الحوار الوطني الشامل الذي من المقرر انعقاده في الأيام القادمة، تتصاعد روائح الأجندة "الإخوانية" الخبيثة للسيطرة والاستحواذ على مفاصل الدولة وأجهزتها ومؤسساتها المختلفة بانتهاج سياسة الإقصاء واجتثاث الكوادر الوطنية وإحلال أخرى (إخوانية) تنفيذاً لرغبتهم الشيطانية التي لم تعد خافية على أحد للاستحواذ على الدولة وأخونتها. لم يكتف أصحاب هذه الأجندة "المدمرة" بذلك الغيث الذي ألحقوه في الوزارات التي حصدوها بموجب التسوية السياسية والمبادرة الخليجية، بل ذهبوا إلى أبعد من ذلك وأظهروا أطماعهم وجشعهم المخيف في التغول على السلطة وأخونتها، وأرسلوا أتباعهم بأجندتهم إلى المحافظات والمديريات المختلفة لإثارة المشاكل ونشر الفوضى بهدف إرباك المشهد وخلق الفوضى ليتمكنوا من إيصال أتباعهم إلى كراسي المحافظين، وتحقق لهم ذلك –للأسف- في بعض المحافظات، بالرغم من أن أولئك المحافظين صعدوا إلى كراسيهم بانتخابات نزيهة، ولكن ارتباك المشهد العام للدولة وصمت المؤتمر الشعبي العام وعدم اتخاذه موقف الحزم حيال ذلك تسبب بطريقة أو بأخرى بتحقيق مطامع العابثين. تطايرت شرارات أطماع "الإخوان" المدمرة وفوضتهم العبثية لتربك المشهد في مختلف المحافظات والمديريات على امتداد الجمهورية وصولاً إلى محافظة ريمة، التي كانت تمثل آخر محافظة آمنة في اليمن لم تشهد أي أعمال عنف أو تمرد أو فوضى خلال العامين الماضيين، حتى وصلت أياديهم العابثة لتنشر فيها الفوضى وإقلاق الأمن وإشاعة حالة من العنف والفوضى بذريعة المطالبة بتغيير المحافظ الخضمي، وفرض محافظ إخواني على المحافظة. ذريعة "الإخوان" لم تكن جديدة على أبناء ريمة وهو ما دفع شخصيات سياسية واجتماعية الى تحذير القيادة السياسية من تسليم المحافظة للمتطرفين، خشية من تحويلها إلى وكر للقاعديين خصوصاً بعد أن تسربت إليهم معلومات عن مرشح الإصلاح الذي قدم للرئيس هادي ملفه من أجل تعيينه محافظاً، وهو الذي ارتبط اسمه بالمجاهدين العرب في افغانستان الذين تم تجنيدهم من مراكز التحفيظ والمؤسسات الدينية التابعة للإصلاح، إضافة إلى تورطه في عمليات نهب ومصادرة مساعدات إنسانية قدرت ب(30) مليون ريال سعودي سنوياً، تقدمها جهات خيرية في المملكة كمساعدات لفقراء ريمة، لافتين إلى أن تلك المبالغ تصرف حالياً على المجندين لمواصلة أعمال التخريب وإقلاق الأمن والسكينة في المحافظة. تعاظمت مخاوف أبناء ريمة أكثر من تسليم محافظتهم للمتطرفين بعد تسريب معلومات كشفت أن مسؤولاً في رئاسة الجمهورية التقى قيادات إخوانية ووعدهم بأنه لن يتم تعيين أي شخص آخر محافظاً لريمة غير ذلك الجهادي، لتكتمل حلقات الإخوان للتآمر على أخونة الدولة. يظل أملنا ألا يتحقق ذلك وأن تبتعد الأحزاب عن الأجندة الضيقة وأن يكتمل المشهد بنجاح الحوار الوطني لندخل باليمن منعطفاً جديداً يجد فيه اليمنيون بمختلف تكويناتهم وانتماءاتهم طوق النجاة من الغرق في أتون الصراعات والنوايا الاستحواذية، وأن تعمل الحكومة على ترميم التصدعات التي أحدثتها الأزمة وتحسين الخدمات للمواطن بدلاً من المناكفات وتأزيم الأجواء وتوتيرها والاستقواء وإقصاء الآخر.. ذلك خير لها ولنا جميعاً.