- الأزمة في سوريا كشفت عن صراع على أكبر كمية من الغاز في الساحل الشرقي للبحر المتوسط - أثبت النظام السوري أنه أقوى من استفزازات "البشمرجة" للوقوع في فخ المسلحين، حتى وإن استخدموا "تل أبيب" كإحدى وسائل الاستفزاز إنّ سوريا هي قضية حاضرة الآن في كل الأزمات الدولية بكل قوة، ومصير الحرب المشتعلة فيها أو التسوية المنشودة لها، هو الذي سيحدّد مصير الأزمات الأخرى. فسوريا تمثل محوراً عربياً- ان لم نقل عالمياً- في حاضرنا الراهن خاصة بعد ان تكشفت الكثير من المخططات الهادفة الى اسقاط سوريا وتوزيع اشلائها على الأمصار ليتسنى للغزاة الامريكان والانجليز والفرنسيين إعادة استعمارهم لأراضي الوطن العربي، وإعادة حكم "المندوب" للسيطرة على خيرات وثروات البلدان والذي سيترتب عليه سيطرة هذه الدول الثلاث على منابع النفط والغاز. . . . هذا المخطط انكشف بصراحة بعد ان اثبت نظام سوريا انه اقوى من ان تستفزه نعرات "البشمرجة" هنا او هناك للوقوع في فخ المسلحين الموتورين حتى وان استخدموا "تل ابيب" كوسيلة من وسائل الاستفزاز. المطامع الانجلو امريكية الفرنسية المشتركة في عودة الوصاية على منابع النفط العربي أدركته حتى المملكة الجارة مؤخرا بعد ان كانت قد قدمت الغالي والنفيس في سبيل اسقاط بشار الاسد، ظنا منها انها تحارب ما يسمى تهديدات الشيعة او "عملاء الفرس"، وغيرها من المصطلحات والمزاعم التي يروج لها إعلام ومنابر "الاخوان المسلمين". لقد سعى وما زال قادة الاخوان المسلمين الى توريط كل دول الشرق الأوسط المحيطة بسوريا للدخول في ازمة مسلحة مع الدولة السورية تحت مزاعم دعم الثورة بداية من تركيا ووصولاً الى اقصى جنوب الجزيرة العربية، بالاضافة الى تمهيد الطريق امام الامريكان والفرنسيين والانجليز وقبل الكل إسرائيل، لكن حنكة النظام السوري وخبرته السياسية استطاعت ان تفند تلك المزاعم من خلال المواقف المعتدلة في تعاملاتها مع المستجدات والتي حققت الكثير من المكاسب لصالح نظام بشار الأسد على المستوى الداخلي والخارجي, واثمرت تلك الحنكة تماسك الشعب السوري والتفافه لمواجهة المخطط الخبيث، كما كشفت للعالم ان ما يجري في سوريا ليس الا سعي استعماري بطريقة حديثة، وأن الاموال التي تصرف على مجاهدي المعارضة المسلحة تحولت الى مصدر رزق لقادة المعارضة السورية. فبعد مرور أكثر من ستة وعشرين شهرا على اندلاع الأزمة السورية وعدم الوصول إلى نتيجة مماثلة لما حدث فيما تسمى "دول الربيع العربي"، يبرز صراع المصالح بين القوى الدولية بما يؤخر من حلحلة الموقف وهو ما يأتي على حساب الشعب السوري، وقد اثبت النظام السوري للعالم انه يمثل القضية السورية العادلة، بالاضافة الى تمثيله سداً عربيا امام المطامع الاجنبية في ثروات الوطن العربي. إنّ الاتفاق الأميركي- الروسي بشأن صيغة التسوية السياسية لأزمة سوريا هو الذي سيحدّد مصير قمّة مجموعة الثمان المقرّرة منتصف الشهر القادم في بريطانيا، وكذلك مصير الأجندة التي وضعتها إدارة أوباما لنفسها في مسائل السياسة الخارجية والعلاقات مع القوى الكبرى في العالم، ولمستقبل أزمات دولية أخرى معنيّة بها واشنطن كالأزمة مع كوريا الشمالية و"الملف النووي الإيراني" وأفغانستان و"الملف الفلسطيني" ومستقبل الصراع العربي- الإسرائيلي. كذلك فإنّ استمرار الحرب في سوريا يعني استمرار التأزّم مع موسكو، ويعني مخاطر حرب إقليمية تشترك فيها إسرائيل وإيرانولبنان والأردن والعراق، إضافةً إلى التورّط التركي الكبير الحاصل في الأزمة السورية ممّا قد يؤدي إلى تورّط "الناتو" عسكرياً، وهو أمرٌ لا ترغب به ولا تقدر عليه الآن الولاياتالمتحدة وحلفاؤها الأوربيون بعد ان انكشف الستار امام العالم. ناهيك عن الارتباط الوثيق بين المنافسة العالمية على الطاقة والشرق الأوسط قلب احتياطي الغاز الضخم في العالم وسيناريوهات حروب الغاز المستقبلية، وعدم وجود موطئ قدم مؤثر لروسيا والصين في مناطق إنتاج النفط لعدة عقود، وتحولهما إلى إستراتيجية السيطرة على مناطق إنتاج الغاز في العالم وأنابيب الإنتاج العابرة للدول والقارات، وبالتالي سيطرة التحالف الصيني- الروسي على الساحة الدولية، والتأثير على مسار الاقتصاد العالمي، لأن روسيا والصين ستعتمدان لعقود قادمة على الغاز كبديل أو مكمل للنفط ولكن مع أولوية واضحة للغاز، مراهنين أنه سيكون المصدر الرئيسي للطاقة في القرن ال21 في ظل تراجع احتياطيات النفط العالمية، فالسيطرة على المناطق الغنية بالغاز في العالم هي أساس الصراع الدولي وتداعياته الإقليمية، لذلك تجد أهمية مصر وإيران ومنطقة الخليج العربي للقوى العظمى الجديدة لخبراء الساسة والاقتصاد. وما يحرك القوى المختلفة أو يمنعها من وضع حلول حقيقية للأزمة السورية ليس بالتأكيد المذهب أو الحرب المقدسة ضد أو مع أي عدو كان، فالأمر أبعد من ذلك بكثير، فالأزمة مفتعلة، والنضال الثوري المزعوم مستثمر من أجل الغاز على الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط في منطقة الشرق الأوسط، إذ يعتقد الخبراء بوجود كمية غاز كبيرة في سوريا غير مكتشفة، ومن يسيطر على سوريا يمكنه السيطرة على الشرق الأوسط، وأيضاً سوريا هي البوابة إلى آسيا، ولا بد من وضع حكومة على دمشق تسمح بمرور الغاز عبر إيران والعراق، والوصول إلى البحر الأبيض المتوسط، وخلق مساحة جغرافية سياسية جديدة. إنّ واشنطن ودول الإتحاد الأوربي تريد الآن تفاهماتٍ مع روسيا والصين تساعد على النمو الاقتصادي العالمي، وعلى الانسحاب المشرّف من أفغانستان، وعلى حلّ الأزمة مع كوريا الشمالية، وعلى تجنّب المواجهة العسكرية مع إيران، هذه المواجهة التي تدفع باتجاهها الحكومة الإسرائيلية منذ سنوات، كما تريد واشنطن مزيداً من التنسيق مع موسكو في رعاية مستقبلية لمؤتمر دولي خاص ب"الشرق الأوسط" والملف الفلسطيني. لقد أدركت الولاياتالمتحدة وبعض الدول الأوربية أنّها لم تنجح في توظيف الأحداث الداخلية في سوريا لتحقيق ما عجزت عن تحقيقه بسياسات العزل والعقوبات في العقد الماضي من دفع دمشق إلى تغيير تحالفاتها الإقليمية والدولية، خاصّةً لجهة العلاقة القوية مع موسكو ومع طهران، وإلى وقف دعم المقاومة ضدّ إسرائيل في لبنان وفلسطين، فقد كانت سياسة واشنطن لسنواتٍ عدّة ماضية ساعيةً إلى تغيير سلوك الحكم في دمشق أكثر من اهتمامها بتغيير الحكم نفسه، إذ أنّ معيار المصالح الأميركية هو الأساس بغضِّ النّظر عن طبيعة الحكومات هنا أو هناك. كذلك كانت هناك مراهنات (إقليمية وغربية) تحبّذ وترغب باستخدام تركيا في واجهة الصدام العسكري مع القوات الحكومية السورية، كاستكمالٍ لدور تركيا السياسي الحاضن لبعض قوى المعارضة السورية ولعناصر عسكرية متمرّدة على النظام السوري. وتنطلق هذه المراهنات أصلاً من الخلاف الحاد الحاصل الآن بين دمشق وأنقرة، ومن دعم الحكومة التركية لجماعات حزبية سورية "سيا إسلامية" لها تاريخ طويل من الصراع مع الحكم السوري، ممّا يساعد أيضاً على استخدام هذه الجماعات كقوى ضغطٍ إقليمية ودولية من خلال وجودها الآن في حكومات ومنظمات شعبية، خاصّةً في مصر وتونس وليبيا والعراق والأردن وفلسطين ولبنان وبعض دول الخليج العربي، وأن يكون ذلك أيضاً هو البديل الأفضل عن المواجهة العسكرية الغربية المباشرة مع إيران، والتي هي مُكلفةٌ جدّاً للغرب وغير مضمونة النتائج.