في هذا العمود وعدت القارئ العزيز بمواصلة الكتابة عن وضع الصحة في محافظة عدن تواصلا للحلقات السابقة من صحيفة "الجمهور"، والإشارة إلى الإهمال وجوانب القصور في هذه الخدمة الإنسانية بهدف خروج مشافي عدن من غرفة الإنعاش.. ومن خلال زيارات المرضى من مختلف الشرائح للمجمع الصحي بمديرية التواهي ونزولي الميداني كانت الحصيلة التالية: مديرية التواهي لم تكن كما كانت عليه عام 90م من القرن الماضي، حيث حدث توسع سكاني وعمراني وتضاعف عدد السكان في هذه المديرية إلى عشرات الأضعاف، وكما هو معروف يوجد في اعلى جبل هيل مستشفى باصهيب العسكري بناه الانجليز في اربعينات القرن الماضي، وبحكم موقعه البعيد ومحدودية اقسامه التخصصية لا يتردد عليه المرضى وكانت خدماته حتى وقت قريب تنحصر للعسكريين وذويهم فقط. مطلع عام 2000م من خلال زيارة الرئيس الشتوية لعدن واطلاعه على الأوضاع الصحية في المديرية، وجه ببناء مجمع صحي متكامل وتقديم الخدمة العلاجية المجانية لسكان المديرية وما جاورها، من جانبها قامت وزارة الصحة والسكان بتنفيذ التوجيه بحذافيره وتم تشييد المجمع بتأثيثه ومده بالأجهزة والمعدات الطبية الحديثة، ويتضمن قسماً خاصاً للولادة وفيه أسرَّة لرقود الأمهات الحوامل وقسماً للأطفال حديثي الولادة و"الخدج"، وكان ثمرة من ثمرات الوحدة المباركة وفرَّ على المواطنين في المديرية الذهاب إلى خورمكسر ومستشفيات الشيخ عثمان وخلصهم من غول المستشفيات الخاصة، لكن الجهة المشرفة على الصحة في عدن والجهة التي تديره -وكعادتها - تدير هذه المرافق بطريقة متخلفة من خلال حصر المعاينة في غرفة واحدة وطبيب لعشرات المرضى المترددين في اليوم، وتهميش الأقسام التخصصية، وشطب النوبة المسائية الثالثة من جدول الخدمة العلاجية، وإلغاء أهم قسم الطوارئ والحوادث، واغلاق قسم الولادة والاطفال إلى أجل غير مسمى، كما أن الأجهزة والمعدات الطبية لهذا القسم صدئت ولم يتم استغلاله لخدمة المجتمع حتى اليوم، والمؤسف ان هذا القسم لم تفتح ابوابه أمام الأمهات الحوامل وحالات الولادة الطارئة تحت حجج وذرائع واهية، رغم ان الكادر الطبي المتخصص والوسطي وفنيي التمريض "الاستاف نارس" على قفى من يشيل على رأي اخواننا المصريين. مدير المجمع الصحي متمترس في برجه العاجي الدور الثاني في المجمع، يحيط به طاقم من الاداريين والسكرتيرات وشغله الشاغل موظف "التحصيل/ مساهمة المجتمع" والميزانية التشغيلية لتسيير أعمال المجمع، ومتابعته الشخصية لمدى التزام ملاك مخازن الأدوية في المديرية بتشغيل أجهزة التكييف في مخازنهم، والتأكد من صحة شهادة وخبرة المناوبين في تلك المخازن، والتزامهم بتوريد الزكاة والجباية ومستوى النظافة في مخازن الأدوية، وهو يقول إن ذلك من صميم مهامه.. لكن ويا حسرة باب النجار مخلوع فيما يتعلق بالمجمع الصحي ومدى استفادة المرضى من الخدمة وكما يبدو أمراً لا يعنيه، واثناء نزولي إلى المجمع مع تزايد شكاوي المواطنين المرضى شاهدت مريضاً يشكو للمدير من الاهمال وعدم تمكن الممرضين وسط الزحام من قياس ضغط الدم الروتيني فباغته المدير بسؤال مؤلم: هل قطعت روشتة المعاينة؟ فأجاب المريض بالنفي فاعتبر المدير إجابة المريض استفزازاً له فقال بالحرف الواحد: "اشتر روشتة المعاينة وبعدين اتكلم"، فتدخلت انا من باب الفضول الصحفي واوضحت للمدير بان قياس الضغط لا يتطلب روشتة وانتظار وطابور، خاصة والغرف في المجمع مغلقة وخاوية على عروشها، رد علي المدير ببروده: "اللي مش عاجبه لا يجي لا عندي كل شيء بفلوس ونحن في عهد الدحبشة".. بهذه الكلمات غير اللائقة كان رد المدير سامحه الله. ولأن الشيء بالشيء يذكر وهذه هي الحلقة الأخيرة عن الأوضاع الصحية بعدن لا بد ان نشير وبالامتنان والعرفان إلى الخدمات الراقية على مدار الساعة، التي يقدمها المجمع الصحي بمديرية الشيخ عثمان ومستشفى الوحدة، والشكر موصول للطاقم الاداري والتمريضي في هذه المشافي التي تعمل على خدمة المرضى.. ولأن هذه المادة عن الأوضاع الصحية في عدن ولكي تكون الخدمة الصحية بالمستوى المطلوب، نطالب الأخ الدكتور عبدالكريم راصع وزير الصحة والسكان بتنفيذ توجيهات فخامة الأخ علي عبدالله صالح رئيس الجمهورية المتمثلة بإعادة تأهيل مستشفى الشعب التخصصي الواقع في مديرية صيرة بكريتر المقدم هدية من جمهورية الصين الشعبية عام 1970م، والذي كان يضم طاقماً من الأطباء الجراحين والفنيين الصينيين إلى جانب الكوادر الطبية اليمنية، والذي يقدم خدماته خاصة في جراحة العيون والولادة، ويقوم بعمليات جراحة كبرى، وبسبب ظروف حرب صيف 1994م توقف عن الخدمة وجرت محاولات من قبل طه غانم محافظ عدن الأسبق -وتحت شعار "تشجيع الاستثمار"- ببيعه إلى رجل أعمال إماراتي، وكان حينها وزير الصحة الدكتور عبدالله عبدالولي ناشر الذي رفع تصور محافظ عدن إلى رئيس مجلس الوزراء لإبداء الرأي، وكان حينها رئيس الحكومة عبدالقادر باجمال الذي رد ساخراً على محافظ عدن: ما شاء الله قد مشافي عدن معرضة للبيع يا طه؟!!. والظريف في الموضوع ان الرئيس اثناء زيارته لعدن عام 98م واثناء جولة حرة في مدينة كريتر برفقة المحافظ السابق غانم مر من جانب المستشفى الذي أصبح هيكلاً، وسأل غانم عن المبنى الهيكل، وحال معرفة الرئيس بأن الهيكل كان مستشفى وجه المحافظ بالتنسيق مع مكتب الصحة والأجهزة الأخرى المعنية في المحافظة لإعداد الدراسات والتصاميم لإعادة تأهيله وادخاله كمستشفى تخصصي مع توفر الاعتمادات على حساب تطوير مدن الموانئ، ولكن هذا التوجيه لم ير النور حتى الآن.