الكراهية نقيض المحبة، وهي حالة من الحالات الإنسانية المختلفة مثل الحب والفرح والحزن والبكاء الخ، وكل حالة من هذه الحالات لها ظروفها وأسبابها الخاصة، سواء كانت هذه الأسباب عضوية أو نفسية أو بيئية أو وراثية أو انتقالية أو فرضية، إلا أنه في حالة الكراهية يمكن إضافة بعض العناصر التي ربما تكون من جملة أسباب تأصل وتنامي هذه الحالة لدى بعض الناس مثل الجهل والتخلف مهما أوتي الإنسان من العلم، أو الحرمان والرغبة في التشبع والتملك والاستئثار لتقليد الآخرين، أو الندم على ضياع أو فقدان شيء، أو العجز عن الوصول لهدف من الأهداف، أو التعصب سواء كان لمصلحة ذاتية محضة أو لمصلحة جماعة أو حزب أو منطقة أو قبيلة، أو الاختلاط والاحتكاك والتعاطي مع آخرين معقدين. كل هذه الأسباب وغيرها التي تتلبس بعض البشر وتدفعهم للتعامل مع الآخرين بعدوانية وبروح الحقد والحسد والغيرة، والنظر للأمور من خلال نظارة سوداء، أفرزت ثقافة الكراهية التي بدورها أفردت لنفسها طريقاً خاصاً ونظرية خاصة، وإن كانت لا تخرج عن إطار الحكمة الإلهية بخلق الشيء ونقيضه مثل الحياة والموت، الحب والكراهية، الحق والباطل، النور والظلام، الصدق والكذب، العلم والجهل، حتى يتمكن العباد من الوقوف على الحقيقة واتباع السبيل الحق. وبسبب ثقافة الكراهية هذه أخذ هذا يمارس الحقد والعنف ضد الآخر لمجرد أنه لم يعجبه، أو أن له رأيا آخر مخالفا، أو لأنه انتقده، أو لأنه أميز منه. وهذا طامع في ذاك وحاسد له، لأنه يملك وهو لا.. ذاك يحكم وهو لا.. ذاك يعمل وهو لا.. ذاك ناجح وهو فاشل. إنها مصيبة كبرى ترك العنان لثقافة الكراهية أن تنمو وتنتشر وتستفحل لأن من شأنها تهديد الوحدة الوطنية، وفقدان الأمن والاستقرار، وإضعاف الوطن، الأمر الذي يتطلب تطهير النفوس والسمو فوق الأهواء والأمزجة والشهوات والضغائن لإنقاذ الوطن من هذه الثقافة المدمرة التي ستأتي على الأخضر واليابس. والأشد إيلاماً أن يمارس ثقافة الكراهية هذه بعض القائمين على الجوامع والمساجد من خلال خطبهم ومحاضراتهم ودروسهم وفتاويهم ومواعظهم المسمومة، متناسين رسالة المسجد ودورها التربوي والتوعوي في غرس أواصر الألفة والمحبة، وتعميق الوسطية والاعتدال والسلوك الحسن وكأنهم يزيدون الطين بلة. وتبدو الحاجة ماسة لعقد مؤتمر وطني عام يشارك فيه أهل الحل والعقد في الوطن، وكل فعاليات المجتمع من أجل تحقيق مصالحة وطنية شاملة، والتصدي لثقافة الكراهية التي نجم عنها بروز أعمال الإرهاب والتخريب والخروج عن النظام والقانون وانعكاساتها الخطيرة على الوطن، سمعةً وسياسةً وأمناً واقتصاداً وسياحةً، وإن كنا نؤمن إيماناً قاطعاً بأن هذه الحالة ستستمر في إطار الصراع الأزلي بين الخير والشر، ولكنها دعوة لمحاصرة ثقافة الكراهية والحد من استفحالها بدلاً من تركها تتفشى وتتعمَّق.