ثورة 14 أكتوبر الخالدة لم يكن لها عند التخطيط والتحضير قيادة مقرها "عدن" يتم التنسيق معها وكل الذين تبوأوا المناصب القيادية بعد الاستقلال هم الصف الثاني. * ونحن نحتفل بالعيد ال47 لثورة 14 أكتوبر الخالدة وهي مناسبة عزيزة على قلوب اليمنيين، لأنها ثورة كفاح مسلح هدفها الأول والأخير تحرير جزء عزيز من يمننا الحبيب وشعبه من نير المستعمر الأجنبي وعنجهيته، كنا نعيش في جنوب يمننا الحبيب بلا هوية حيث صنفنا الاستعمار نحن أبناء ما كان يطلق عليها المحميات وأبناء الشمال كأجانب وعمال سخرة لا يحق لنا ولأبنائنا التعليم في المدارس الحكومية، وكان هناك من مواليد عدن من لا يسمح لهم بالدراسة إلا إلى مرحلة "المتوسط" أما التعليم الثانوي فقد كان يقتصر على أبناء الجاليات الأجنبية ومواطني دول الكومنولث، ومن طالب بحقوقه وحقوق إخوانه من أبناء جنوب الوطن يكون مصيره النفي إلى موطن أجداده خارج عدن أو جزيرة سقطرى، كما حصل مع المناضل الوطني الكبير الفقيد عبدالله عبدالرزاق باذيب، عندما كتب سلسلة من المقالات في صحيفتي "النهضة" و"القلم العدني"، طالب فيها بحق المواطنة لأبناء جنوب الوطن وشماله فكان مصيره النفي إلى الشحر. * إذن كيف اختمرت فكرة الكفاح المسلح وتسمية يوم الاثنين 14 أكتوبر 1963م بيوم انطلاق ثورة 14 أكتوبر في جنوباليمن لطرد المستعمر الأجنبي؟!!.. هذا الموضوع له حكاية لا يعرفها الكثير، ولا يزال هناك أفراد موجودون من الذين صنعوا يوم 14 أكتوبر على قيد الحياة، منهم المناضل الوطني المعروف صالح علي الغزالي، وهو يسكن حاليا في حي عبدالعزيز عبدالولي بمدينة الشيخ عثمان.. وحسب علمي فإنه يعيش وضعاً بائساً بعد أن افترسته الشيخوخة والأمراض أطال الله عمره.. وحتى لا نسهب في المقدمة نورد الحقائق التالية عن كيفية مجيء فكرة الثورة وتسميتها ب14 أكتوبر في 1963م من القرن الماضي. * كان هناك مجاميع من القبائل أبناء المحميات منها قبائل ردفان، توجهوا إلى شمال الوطن بعد قيام ثورة 26 سبتمبر 62م ليلتحقوا بثوار سبتمبر للدفاع عن الجمهورية الوليدة في شمال الوطن.. كنت أنا في تعز أتلقى تدريبات في العرضي على أيادي ضباط مصريين، منهم على ما أتذكر الضابط (جلال). * القبائل التي جاءت من ردفان للدفاع عن سبتمبر كان منهم الشهيد البطل الشيخ غالب بن راجح لبوزة، أول شهيد سقط وهو يقاوم جنود المستعمر الأجنبي في جبال ردفان، والمناضل صالح علي الغزالي، وحنش ثابت سفيان، وشخص آخر اسمه (الذيب) وهو من حبيل الذنبة توفاه الله في عام 1980م، وآخرون كثر لا أتذكرهم بحكم مرور سنين طويلة.. وللعلم لم توجد في هذه الفترة حاجة اسمها "الجبهة القومية" أو "جبهة التحرير" أو "التنظيم الشعبي" أو مكاتب في تعز أو صنعاء أو عدن بهذه التسمية، لأنها أصلا لم تتشكل و"ثورة" في جنوب الوطن لم تعلن باستثناء مظاهرات وإضرابات ومسيرات عشوائية في عدن، هي عبارة عن تجمعات لدعم ثورة 26 سبتمبر 62م وثورة الجزائر وثورة 23 يوليو في مصر. * قبائل ردفان تحركوا إلى صنعاء ليلاً.. وكنت أنا مع من تحركو من تعز في طريقنا إلى رداع للمرابطة في طريق (صنعاء – رداع) ومكثنا هناك أربعة أشهر ثم عدنا إلى تعز، وكان التاريخ – وهو تقريبي - صيف 1963م.. أيام قليلة وعادت قبائل ردفان بعد أن قاموا بدورهم في الدفاع عن ثورة سبتمبر في معسكر "الاستقبال"، وهو عبارة عن مؤخرة في منطقة الحوبان بتعز، وقد جاء أفراد من ردفان والضالع وقعطبة إلى هذا المعسكر والتقوا بالشيخ غالب بن راجح لبوزة، واتفقوا بعد أن استمع منهم على تمرد القبائل على الحامية العسكرية البريطانية ومقاومتهم للحملات العسكرية التي تقوم بها قوات المحتل البريطاني على منازل أبناء ردفان والقصف الصاروخي الجوي.. وفي هذه الأثناء اختمرت فكرة الثورة في جنوب الوطن وتم تشكيل خلية من أبناء ردفان لمقاومة قوات الاحتلال في ردفان والضالع والحبيلين، ثم تم الإعلان عنها وهي خلية ليس لها قيادة في عدن، ولم يتم التنسيق مع جهة أو أفراد لتشكيل قيادة تقود الكفاح المسلح في جنوب الوطن. * عادت قبائل ردفان من شمال الوطن وعند وصولهم ظهر يوم 14 أكتوبر اشتبكوا مع جنود المستعمر في جبال ردفان، وتبادلوا معهم إطلاق النار، حيث كان بحوزتهم أسلحة وذخائر مكنتهم من الصمود حتى عصر اليوم نفسه، وسقط المناضل غالب بن راجح لبوزة شهيداً بعد أن تلقى وابلاً من الرصاص أطلقها جنود المستعمر المرابطين خلف أكمة ما بين الحبيلين وحبيل جبر، وبعد إسعاف الشهيد لبوزة الذي فارق الحياة في اليوم نفسه ثارت قبائل ردفان أثناء التشييع وأعلنوا هذا اليوم يوماً لقيام ثورة 14 أكتوبر 63م، وأصدروا بياناً بخط اليد أعلنوا فيه قيام ثورة 14 أكتوبر واعتبار غالب بن راجح لبوزة أول شهيد للثورة في جنوب الوطن، ثم أرسلوا البيان إلى عدن وعمم على وكالات الأنباء التي كانت متعطشة لمثل هذه الأخبار، إذ كانت فترة الستينات هي فترة الثورات في العالم العربي، وأذيع هذا البيان في نفس الليلة من إذاعة لندن وصوت العرب وبقية المحطات الإذاعية، وكان لإذاعة صنعاء دور كبير جداً في الترويج لهذا البيان ولثورة 14 أكتوبر 63م.. * وما أود قوله: إن ثورة 14 أكتوبر لم تكن لها عند التخطيط والتحضير قيادة مقرها (عدن) يتم التنسيق معها أو تصدر أوامر وتوجيهات للفدائيين إلى الريف والمحميات، ومن يقول عكس هذا فهو إجحاف للحقيقة وليس له أي دليل غير أن القيادة أصبح لها مقر في عدن بعد استشهاد لبوزة وإعلان ثورة 14 أكتوبر بأكثر من عام، وكان الدعم المادي والمعنوي يحصل عليه الثوار من شمال الوطن بالتنسيق مع القيادة الميدانية في ردفان، وكان الاخوان أحمد مهدي المنتصر وعلي السلامي - لا يزالان على قيد الحياة- مسؤولين عن تخزين السلاح والتموين وترتيب وصول الأسلحة من شمال الوطن إلى الجبهة العسكرية في ردفان ومن ثم إلى باقي المناطق في المحميات. وبهذه المناسبة نقول إن الأخوة قحطان محمد الشعبي، محمد علي الصماتي، طه احمد مقبل هؤلاء هم الرعيل الثاني لثورة 14 أكتوبر بعد قيادة لبوزة والشهيدة لطيفة الشوذري من نساء كريتر عدن، وهذه أول شهيدة سقطت قبل قيام الثورة "سبتمبر- أكتوبر" وتحديدا قبل قيام ثورة 26 سبتمبر ب24 ساعة، وكان استشهادها يوم الزحف على المجلس التشريعي بعدن وإحراقه، وقامت الشهيدة لطيفة بإنزال العلم البريطاني وإحراقه وتم إمطارها بوابل من الرصاص من قبل اثنين جنود كانا محصنين فوق أسطح "بنك أروى".. وللأسف أنه يتم تجاهل هذه الشهيدة عند ذكر تاريخ الثورة وبداياتها، وقد دفنت في مقبرة القطيع بكريتر وشيعت في موكب مهيب شارك فيه الآلاف.