الكل ينادي بالتغيير إلى مجتمع مثالي وسلطة مثالية والالتزام بالنظام والقانون والعدل والمساواة بين افراد المجتمع وكبح جماح الفساد المستشري سواء في السلطة أو المعارضة، ولا ندري بيد مَنْ مفاتيح الحلول حتى اصبح الحليم حيران وآخر ما اتحفتنا به قناة "الجزيرة" ومطبخها الاعلامي هو الحوار المباشر مع الشيخ حميد الأحمر في برنامج "بلا حدود" المعد في مادته ومضمونه وحواره حسب رغبة المخرج وتوجهات القناة حسب الطقس السياسي والاعلامي للدولة الراعية والممولة لها، وقد كان ذلك الحوار بلا حدود وبلا كوابح تفرمل الشطحات القبلية لنائب رئيس الكتلة البرلمانية لحزب التجمع اليمني للاصلاح وقائد ما يسمى ب"اللقاء التشاوري" للمعارضة والذي تولى رفع شعار "التغيير والمساواة ورفع راية النضال ضد السلطة"!!. وحول هذه الشعارات دندن الشيخ حميد الأحمر حاملاً شعلة النضال المزعوم من ورائه القبيلة، والذي اكن له ولها كل احترام وتقدير ولكن ما أعارضه فيه واشير إليه هو ان من ينادي إلى التغيير والمدنية والعدل والمساواة ورفع الظلم عن المجتمع، عليه ان يكون أول المبادرين إلى التغيير من الداخل والنزول إلى مستوى الشعب كما فعلها الكثير ممن تركوا بصمات نضالية متجذرة في أعماق التاريخ. أنا لا أتطاول على شخصية الشيخ حميد والنيل منها ولكن من باب رحم الله من أسدى إليَّ عيوبي.. ونصحاً أقول ان من ينشد المدنية يؤسس للعدل والمساواة، فهي سمة ديمقراطية وفلسفة افلاطونية تؤسس لمجتمع مثالي وجمهورية فاضلة، وهذا جزء من رزمة التغيير والتحديث، ولكن يفترض ان تنبع من شخصية لا تتمنطق بالقبيلة فمنهج التغيير والتحديث لا ينسجم مع منهج القبيلة واعرافها المستحدثة، والتي لا تكرس الا التخلف والمساس بالنظام والقانون، والتي تجعل من نفسها نداً آخر للسلطة ولا تستظل تحت انظمتها وقوانينها بقدر ما تحاول ان تكون دولة في مواجهة دولة، لأن المفهوم الجديد للقبيلة ونظامها قاصر ومغلوط، وبناء عليه فإن من العيب على القبيلي ان يخضع للنظام والقانون وان تكون عليه واجبات كما له حقوق، ولكنهم اخذوا بالحقوق وعضوا عليها بالنواجذ ترهيباً وترغيباً وتنكرت القبيلة لواجباتها في احترام الدستور والقانون. إذاً فهل يستطيع الشيخ حميد ان يتنكر لذاته ويتجرد من كنية "شيخ"؟!.. أما ان ينادي بالمدنية ويقدم نفسه للمشاهد كشيخ فهذا مفهوم غير طبيعي، وهل يستطيع أيضا ان يخرج من جلباب القبيلة المتمنطق بها والرأسمالية الاقطاعية التي منحته القوة والسلاح الذي جهز به القبيلة لكون المال والسلاح الطريق إلى سلطة الحكم وليدخل الشعب بعد ذلك في نفق قبلي، مع أن هذا النظام قدم منجزات وحدوية وديمقراطية غفرت له العديد من السلبيات ابرزها عدم ضبط الفاسدين العابثين بمصالح الشعب، والذين عاثوا فسادا وحكموا بما يتوافق مع مصالحهم لا مع مصالح الشعب.. الأمر يستدعي وقفة جادة من السلطة بزعيمها الوحدوي لتدارك الأمور حتى لا ينفرط العقد وتجد القبيلة المتعطشة للسلطة طريقها لتحكم بطريقة مناطقية تقليدية ذات اهواء مذهبية، وإذا كان هذا هو التغيير فنحن منه براء أما إذا كان التغيير الذي تنشده المعارضة يحمل مشروعاً حضارياً يرتقي بالمجتمع إلى صفوف الدول المتقدمة، فالكل مع التغيير عبر مؤسسات دستورية وديمقراطية وتداول سلمي للسلطة، والتي هي الوجه الآخر لمجتمع مدني حديث لا يخضع ل "فيد" القبيلة وتسلطها والتي ستعيدنا إلى الزمن الغابر والمجتمع الجاهلي يقتل بعضه بعضا، وما هو حاصل الآن بين قبائل حاشد وبكيل من احتراب ومواجهات يجسد المستقبل القاتم لدولة "القبيلة".. هذه المعركة التي لم يحسمها الحكماء والعقلاء من دعاة التغيير باصلاح ذات البين القبلي.