"حيص بيص" المعارضة حتى "عصد وعصيد" التطرف الإخواني! إذا قدرات دولة لم توفر حماية للرئيس فكيف تحمي حاشد "حميد"؟ من يسترجع ربما أشهر لقاء للشيخ حميد الأحمر في فضائية "الجزيرة" وقبل سنوات يفترض أن يتوقف عند سؤال للفضائية تمثل الخلاصة أو الاستخلاص عندما سئل بطريقة أو بما معناه: في ظل كل ما طرحت، وبهذه الحدة عن النظام وحين عودتك لبلدك ألا تقلق من أن يستهدفك النظام ومن يحميك بافتراض حدوث مثل هذا؟ لقد أجاب آنذاك تحميني قبيلتي "حاشد"، وهذه الإجابة حاول تحويرها مؤخراً في ظل ما يسمى الثورة السلمية كتكييف واقعي أو سياسي وذلك ليس الأهم ولا المهم. الشيخ حميد الأحمر كل ما في الأمر آنذاك هو أنه لا يريد الإجابة الواقعية والأصدق وهي أن النظام في اليمن وبوضوح وتميز عن بقية الأنظمة ومنذ انتهاء حرب 1994م لم يستهدف خصوم سياسيين مهما كانت حدة وعدائية حرصهم تجاه النظام ومن الداخل أو الخارج.. والمعتاد في البلدان الأخرى حين تصل الحدة والعدائية إلى مثل ذلك المستوى وفي فضائيات خارجية يصبح أصحاب هذه المواقف معارضة ومعارضون في الخارج لأنهم لا يستطيعون العودة إلى بلدانهم وقد يسجنوا أو يسحلوا إن عادوا. ولهذا فإنه حين مجيء ما تسمى الثورات السلمية لم يكن نظام وفي أي بلد عربي يتاح في واقعه نقد الصحف المعارضة للنظام بمستوى ماهو في اليمن، ولم توجد في أي بلد عربي فضائية معارضة تعد موادها وتبثها من اليمن وفي واقعها يتحرك ويعيش كل كوادرها كما فضائية "سهيل" باليمن. عندما تصبح مثل حقائق واقع ووقائع في أفعال وتفاعلات فهي تصبح حقائق أساسية سياسية للنظام، ومهما سعت المعارضة بمكر أو تنكر للإنكار فتحققها بات فوق أن ينكر. باتت مسلمة مثلاً بأنه لم يحدث للمرشح المنافس للرئيس صالح في انتخابات 2006م ما حدث للمرشح المنافس للرئيس مبارك في مصر في آخر انتخابات، بالرغم من أن المرشح المنافس في اليمن أقوى وحصل على نسبة أعلى من الأصوات مقارنة بالمنافس في مصر. الذي له اهتمامات بمتابعة تطورات اليمن الداخلية والخارجية منذ تحقق الوحدة 1990م سيصل إلى ماهي بداهات ومسلمات في خيارات النظام والمعارضة السياسية تفعيلاً في الواقع وتعاملاً مع الواقع. على سبيل المثال وبدون حاجة لاستقصاء حقائقي دقيق، فإنه لا يمكن في ظل ما تسمى ثورات سلمية أن يكون من خرجوا أو توجهوا مما تسمى أجهزة أو مؤسسات الإعلام الرسمية للاصطفاف مع ما تسمى ثورات سلمية بمستوى ما حدث في اليمن أكان التلفزيون أو الصحافة، والمعارضة وظفت ذلك بأقصى مستطاع كثورية وقوة ثورة، وذلك ما بات يقدم من الواقع بعد أزمة لأكثر من نصف عام.. ولكن هذا الاستثناء يحدث كحقائق واقع وأوضاع لا يتدخل النظام لا لفهمها ولا حتى للتأثير عليها بأي قدر وبأي أساليب مباشرة أو غير مباشرة. مشكلة المعارضة من قبل الأزمة ومنذ بدئها أنها ظلت تخادع ذاتها والواقع حتى تعرت، وانكشفت هي كمعارضة في أوضاع وتموضع خداع إلى درجة التعري في الجيوب والمخادع. استلام بن علي للحكم في تونس كان بمثابة تحصيل حاصل قياس بسن بورقيبه ووضعه، ولذلك فربما الناس في تونس ومصر التي لم تعرف فيها الانقلابات خلال أكثر من نصف قرن لا قلق لديهم من البديل إن جاء الرحيل أو جيء به من الأرضية الداخلية أو الخارجية لما تسمى ثورة أو كلاهما، ولهذا فالمتابع الحصيف سيحس بمستوى البداهة بأن خروج الناس وإن بقناعاتهم لاصطفاف استمرار نظام حكم قد يكون زخمها وحماسها واندفاعها مرشح لتراجع بأي قدر في ظل استمرار أزمة. على العكس من ذلك فخروج الناس بقناعاتهم للمطالبة بحوار وتوافق وانتخابات للبديل هو الخيار المرشح لازدياد وتضاعف الشعبية كلما طالت الأزمة كونه خيار واقع وواقعية وليس مجرد حاجية أو من أجل نظام. ولهذا فعلي عبدالله صالح ليس بطلاً وشجاعاً واقعياً لأنه قدم مشروع رحيله واستجاب لأقلية ترفع شعار "ارحل"، ولكن لأنه حافظ على استحقاق الواقع وهو الذي بات يصطف مع أغلبية شبه إجماع لتحقيق مطالب واعية وواقعية للشعب بمستوى شبه إجماع ولم يعد الاصطفاف لا معه ولا من أجله كحاكم وإنما مع الواقع ومن أجل الشعب. النظام في اليمن من هذا الوعي والواقعية ومن فلسفته المجسدة في التعامل مع المعارضة الداخلية والخارجية بتميز مثّل الاستثناء لم يسع كما تونس أو مصر أو الأخرى لمنع أو قمع الاعتصامات السلمية، وبالتالي فأي نظام لا يمانع في الرحيل وقضيته واقعية أو ديمقراطية البديل، يكون تجاوز في أفعاله واقعياً قبل الثورة السلمية وحين مجيئها أي حاجية لمنع أو قمع. هذا الموضوع في خيارات وسياسات الأطراف المتصارعة خلال الأزمة لم يكشف أو يعر هذه الأطراف في سياساتها وخياراتها السياسية فقط وإنما في فلسفيتها وخياراتها الواقعية أو اللا واقعية. لقد تابعت في فضائية "سهيل" ما يشبه الندوة كان فيمن شارك كما أتذكر الشيخ حميد الأحمر و د. محمد المتوكل ود. صالح سميع بعد ثورة تونس وقبل أحداث مصر وكان التركيز المقارني على التوظيف والإسقاط السياسي يمنيا فمارس إيقاعية وأغفل الواقعية أو تقاطع معها. المعارضة في ذلك الوقت وقبله وبعده إذا هي حقيقة بصدد ما تسمى ثورة سلمية للوصول للحكم فإنه كان عليها التعاطي مع ما أحدثته صراعات اليمن الاستثنائية من قلق البديل وأن تتعامل مع هذا المتراكم المؤثر بتقديم بديل يحوز ثقة شعبية. كل ما تعاطت به المعارضة مع الأزمة هو عقلية ما بعد الانقلابات وقبل النجاح في انقلابها فتحول الما قبل والما بعد إلى أوهام مميتة ووهمية قاتلة لأي عقلانية أو واقعية. ولهذا فالشيخ حميد الأحمر حين تحدث عن حاشد لتحميه لم يكن أصلاً مهما قال أو كال تجاه النظام، يعيش أو له مشكلة في الحماية كونه يثق أنه لن يستهدف مهما تطرف في طرحه حتى بذاءات تجاه الشعب كما حدث خلال الأزمة. إذا الرئيس صالح لم تستطع كل القدرات الأمنية كدولة أن تحميه من الاستهداف المتطرف إلى داخل دار الرئاسة وفي جامع وجمعة.. فالحديث عن حاشد أو غيرها بين بدائل الأوهام كما استعملت لاعتداء الشيخ ومن عدوانيته بأي قدر وليس للحماية كما طرح. إذاً فالبديل هو مشكلة في اليمن كما ليس في أي بلد آخر، ومع ذلك فالمشترك كمعارضة لا ينظر للشعب حين يشترط الحوار والتوافق والانتخابات للبديل إلا أنه حثالة سيمحوها أو قمامة سيكنسها ويرميها كزبالة ليزيح مشكلة تعترض وصوله للسلطة وبالتالي فهو لا يحترم الشعب ولا إرادته. لا يوجد نظام عربي حاور كل أنواع المعارضة ومن وقت مبكر وظل يحاورها ويشركها في الحكم حتى الوصول للتجربة الديمقراطية والتعددية العلنية كما حالة اليمن. الحوار مع هذا النظام الذي لم يوجد نظام محاور بمثله ليس استحقاقاً للنظام ولا من أجل النظام ولكنه استحقاقاً للشعب ومن أجل الواقع. إذا بات خياراً سياسياً مسبقاً ومحسوماً معارضياً بأن تقول أن النظام في اليمن هو الأسوأ أو الأكثر شمولية، فإننا نسألها عن أي نظام حاور المعارضات كما النظام باليمن، وعن أي نظام آخر مارس مستوى من الديمقراطية كما النظام في اليمن؟ في مسألة الحوار أو خطوات متقدمة ديمقراطياً لم يعد يحتاج إلى شهادة أو إقرار من المعارضة لأنها باتت حقائق راسخة وساطعة في الواقع، ولكن ما يستحق الالتفات إليه هو أن كل محطة أزماتية إنما تقدم ديمقراطية ومرونات ووعي واحترام كل طرف سياسي في الأزمة لواقعه ولشعبه، وبما يمكن من قراءة واستقراء ديمقراطية وتعامل كل طرف مع واقعه واحترامه لشعبه. فمحطة الأزمة حتى الآن أسوأ ما قدمته شمولية المشترك واستعلائه على الواقع واحتقاره وتحقيره وعدم احترامه للشعب. الأطراف الداخلية التي طالبت العالم بدك اليمن والنظام لأنه تابع للنظام العراقي والتي طالبت بتدمير اليمن والنظام بعد أحداث سبتمبر 2001م بسبب إرهاب الإخوان أو الإصلاح في اليمن، انضم إليها الإخوان "الإصلاح" فيما تسمى الثورة السلمية ليصبح الثقل القائد والمتصدر لتفعيل تدمير اليمن ومطالبة العالم بتدميره لإقصاء أو إسقاط نظام. هذا السياق يؤكد أن مستجد المعايير من جديد التطورات كسلمية أو شعبية تستعمل بلا واقعية لأن المشترك كطرف صراعي لا يمارسها بواقعية ولا من واقع وإنما يفرضها على الواقع شعاراتياً كما أممية أو أسلمة ونحوها. أطراف صراعية لا منطق في أفعالها وتفعيلها غير منطق الصراع، ولذلك فهي لم ولن تقبل بالحوار إلا حين يجبرها الواقع وتضطر من خلال الوقائع، وذلك ما نسير فيه وسنصل إليه، وكل ما بات لدى المشترك وتحديداً الإخوان هو مغامرة التصعيد لحرب ولن توصل لغير ولا أكثر من الحوار. الحد الأدنى من احترام أي معارضة لذاتها هو أن لا تسمح لأي أسباب أو أهداف بأن تظهر وتتعرى أمام العالم بأنها تعارض واقعها وشعبها، ولكن هذا معطى المشهد اليمني في أزمته التي طالت.. فإذا معارضة لا تحترم واقعها ولا شعبها إلى حد عدم القدرة على إظهار احترامها لذاتها فماذا يمكن تصور لديها من ديمقراطية أو سلمية أو غيرها؟ لقد بدأ الواقع العام وشبه الإجماع الشعب يضيق وينفذ صبره من هذا الصلف والتطرف المعارضي الأهوج والأعوج!.