صادف يوم الاثنين 28 سبتمبر 2009م الذكرى التاسعة والثلاثين لرحيل الرئيس جمال عبدالناصر أحد الضباط الأحرار الذين قادوا انقلاباً أبيض أطاح بالملكية الدستورية في مصر وملكها فاروق يوم 23 يوليو 1952م، وقد لمع نجم جمال عبدالناصر قبل أثناء عرش السلطة كرئيس لمجلس قيادة الثورة في انقلاب أبيض آخر في عام 1954م أطاح بالقائد الحقيقي لانقلاب 23 يوليو 1952م الرائد محمد نجيب، وهو أول رئيس للجمهورية الفتية في مصر حتى ان جمال عبدالناصر أشرف بنفسه على مراسيم وضع الرئيس المخلوع محمد نجيب في زنزانة انفرادية قرابة 15 عاماً خلت، ومصادرة تاريخه النضالي وبطولاته كسياسي وقائد لحركة الضباط الأحرار. عهد جمال بدأ برفع الشعارات البراقة عن العدالة والمساواة وحقوق الإنسان والوحدة العربية والقومية، وقام بتأميم قناة السويس والمرتفعات الاقتصادية في مصر وصادر أراضي البشوات والاقطاع وأصدر قانون الإصلاح الزراعي ووزع الأراضي والأطيان على الفلاحين، ورافقت خطواته هذه شعارات حماسية حنانة طنانة، ومطابخ صنع القرار مشكوك في وطنيتها وإخلاصها أعاقت تطبيق ولو النزر اليسير من شعاراته، التي كانت قفزاً على الواقع وهو ضابط صغير وعقد عسكري لا يحمل مشروعاً حضارياً لبناء دولة أو مشروع اقتصادي تنموي لبلد تعداد سكانه حينها 60 مليون نسمة، وترك الحبل على الغارب لأعوانه أمثال عبدالحكيم عامر وشعراوي جمعة وخالد محيي الدين وزكريا محيي الدين، وجمال لا يؤمن بالتداول السلمي للسلطة ولا بالتعددية السياسية والحزبية ولا حتى الصحفية حيث حل نشاط الأحزاب التي كانت تتمتع في ظل الملك بحرية تامة. وإذا جاز لنا السؤال نقول: أية وحدة عربية تحققت في عهد عبدالناصر وناصريته الوحدوية المزعومة مصر والسودان بلد واحد تفككت على يده مصر وسوريا توحدت وكان هو الرئيس في الجمهورية العربية المتحدة أول قرار اتخذه حل حزب البعث الوحدوي وحل التعددية الحزبية في سوريا وأفشل الوحدة في عام 61م وفي اليمن أعطى الضوء الأخضر لعزام بقبول جمهورية اليمن الجنوبية عضو في الجامعة العربية وتجاهل قرارات الجامعة التي تنص على مشروع الأثنى عشر مقعداً للجنوب في إطار الجمهورية العربية اليمنية. وإذا ما نظرنا إلى سياسة جمال عبدالناصر على مختلف الصعد نجد أن الخلل في البطانة التي كان يتبناها جمال حتى أن الهزائم والعدوان الثلاثي على مصر عام 56م تحولت إلى انتصار عظيم للشعب المصري بقدرة قادر، أما نكسة 5 حزيران فقد كانت بمثابة محاكمة علنية لعبدالناصر، وبطانة السوء أمثال عامر وآخرين من الناصريين كانوا عشية النكسة مع الراقصات في الكباريهات وفي الشقق المفروشة يتلقوا تعليماتهم من تحية "كاروكا".. والمذيع الألمعي أحمد سعيد الذي كان في قلب الكارثة صباح 5 حزيران يتغزل ويعدد مناقب عبدالناصر وملاحمه وبطولاته، وإسرائيل تقصف أحياء القاهرة وقناة السويس ومدارس ريف مصر وهيكل الجناح الأيمن لعبدالناصر الذي أنيطت به مهمة تلميع وتحسين وجه عبدالناصر أمام الشعب المصري والشعوب العربية، وأسدى لجمال بالنصيحة بأن يحاكم نفسه بنفسه على الشاشة الصغيرة ومن إذاعة "صوت العرب" يوم 9 يونيو ويتنحى عن السلطة ويتحمل مسؤولية الهزيمة في مسرحية هزلية مكشوفة، وأطلق مائة ألف من الأمن المركزي وأجهزة استخباراته لتجييش أبناء صعيد مصر والقاهرة للتظاهر بعودة جمال لسدة السلطة ورفع المتظاهرون شعارات مركزية كتبت مساء 8 يونيو في مطابخ وزارة الداخلية كتبت عليها هذه الشعارات: "لازم ترجع يا جمال".. "لا تتركنا نصف الطريق" وشعارات أخرى مثل "بالطول بالعرض حنجيب إسرائيل الأرض". في هذه الأثناء صرح وزير الدفاع الإسرائيلي موشى ديان أمام عدسات التلفزة والصحفيين: إننا قادرون على احتلال مصر في سويعات لكننا غير قادرين على إطعام 60 مليوناً (......) اعتذر عن ذكر الكلمة الأخيرة احتراماً للشعب المصري العظيم. إننا لسنا بصدد البحث والتنقيب عن أخطاء الناصريين في مصر لكن هذا وضع وهذا واقع ايضا، وإن الشعب اليمني يتذكر موقف مصر والقيادة المصرية ممثلة حينها ب"جمال عبدالناصر والشهيد محمد أنور السادات" بقرارهم التاريخي بمساندة ودعم ثورة 26 سبتمبر وتثبيت أركان الجمهورية الفتية في اليمن والشهداء من أبناء الشعب المصري، الذين رووا بدمائهم الطاهرة شجرة الحرية إلى جانب إخوانهم اليمنيين حتى تمكن الشعب اليمني من الانعتاق من أسرة حميد الدين الكهنوتي والدعم اللوجستي ايضا الذي قدمته مصر للثورة حتى انتصرت الجمهورية، لكن ما يعيب هذا أن جمال لم يكن جاداً في تأسيس جيش قوي وطني يدافع عنه كان يضر الجمهورية العربية اليمنية الوليدة في شمال الوطن ومعروف قراره الانهزامي بعد قمة السودان بسحب الجيش المصري من اليمن دون سابق إنذار واليمن في أحلك الظروف وصنعاء في عمق الحصار، حتى أن الرئيس الراحل عبدالرحمن الإرياني اتخذ من الحديدة عاصمة مؤقتة لليمن لأن صنعاء كانت على وشك السقوط تحت أقدام الملكيين لكن بفضل إرادة الشعب والمقاومة الشعبية شمالاً وجنوباً وتحت شعار "الجمهورية أو الموت" انتصرت إرادة الشعب وسقط ليل الطغيان. ونود الإشارة في الختام إلى مواقف الرئيس الراحل محمد أنور السادات الذي ورث تركة ثقيلة في مصر جراء حكم الناصريين لمصر تقدر ب 10% من الأراضي المصرية المحتلة حتى قناة السويس في عهد جمال وشعب مهزوماً مكسور الخاطر وبنية تحتية معطلة وبلداً يسير بالبركة الناصرية لم تكن لها خطط تنموية ولا سياسات استراتيجية تهتم بحياة الشعب المصري العظيم. لم يترك عبدالناصر للسادات إلا جيشاً محطماً ومخازن أسلحة خاوية وعلاقات دولية مفككة وجهازاً استخباراتياً قمعياً وكان الله في عون الرئيس أنور السادات الذي أعد خطط العبور وقاد حرب أكتوبر 73م وحرر قناة السيويس ولقن العدو الإسرائيلي درساً لم ينسوه، وواصل معركة السلام وحرر مصر كاملة مع رفيق دربه محمد حسني مبارك.