محطة 2011م جاءت بثورات سلمية كما تسمى في خمس دول عربية ثلاث منها في أفريقيا واثنتان في آسيا. أيهما الأهم قراءة هذه الثورات بقناعة أو إقناع الأسباب كأرضية داخلية أم كحاجية للمحطة أو أرضية خارجية؟ ما دمنا نتحدث عن محطة هي في إطار المتغيرات والتغييرات العالمية وفي ظل تموضع التدويل والمواقف داخل مجلس الأمن، فحاجية المحطة تتقدم في الأهمية، فلو أن أول ثورة كانت في سوريا التي يتداول بشأنها في مجلس الأمن أو في ليبيا التي حسمت بالتدخل الغربي تحت عنوان أو غطاء حماية المدنيين، فذلك كان الفشل للثورات كمحطة وكفشل لأرضية التثوير والإسناد الخارجية... استعداد حاكم تونس "بن علي" للهروب كمشروع أعده كما كشف وعرف منذ 1989م يجعل تونس المرشحة لأول ثورة مضمونة النجاح كبروفة ستستعمل في التالي وعلى التوالي. إذا فتونس اختيرت لنجاح أو إنجاح بروفة ترتكز على استعداد الرئيس بن علي للهروب والطبيعي أن مجيء ذلك من معرفته أو قياسه لأخطائه. ولذلك فلا الاحتجاجات أو المظاهرات التي ظلت قرابة الشهر أعلنت ثورة، ولكن تحقق هروب بن علي هو الذي أعلنها كثورة. أقوى وأوسع تأثير على الشعوب العربية لا يكون من خلال بلد كتونس ولا من خلال مشروع هروب مبكر لحاكمها وأقوى وأوسع تأثير يكون من خلال بلد ثقل كما مصر وتلك الحاجية الأهم للمحطة كنجاح وللإنجاح. إذا التدخل الغربي لاحقاً في ليبيا لحماية المدنيين هو الذي دك وأنهى النظام في ليبيا ففي مصر كان المقدر أن اصطدام أجهزة الأمن بالشعب سيشل قدراتها في أسبوع ودخول القوات المسلحة لحماية المعتصمين هو بمثابة التنحية للرئيس مبارك وتكون القوات المسلحة هي البديل الانتقالي. لم يعد يحتاج تنفيذ هذا السيناريو غير خروج شعبية تتصاعد ضد الحاكم وعدم خروج شعبية موازية كاصطفاف مع الحاكم. لعل ذلك ما تم ومثل ذروة النجاح للمحطة وللثورات مع أن كل ما نفذ هو ترتيبات لحل سياسي ولم يمارس حسم ثوري أو نحوه. هذا النجاح إلى حد الإبهار في مصر هو الذي مهد للطريقة التي تم التعامل بها مع الحالة الليبية. عدم معارضة روسيا والصين "الفيتو" تجاه القرار الدولي بالتدخل لحماية المدنيين أتاح للناتو الحسم عسكرياً في واقع ليبيا، ولو أن هذا حدث قبل الحالة المصرية فمثل ذلك ليس لصالح نجاح المحطة أو إنجاح الثورات. عندما نصل إلى اليمن لنا التقاط ثلاث قضايا أو محاور حدثت فيها تباينات أو تقاطعات وخلافات للنظام مع الولاياتالمتحدة الأميركية، فهي مثلا لم توافق على إدراج الحوثيين في قائمة الإرهاب وظلت تطرح أو تلح على أولوية القاعدة. وزيرة الخارجية الأميركية قبل تأجيل انتخابات 2008م صعدت موقف إسناد أو مساندة المشترك كمعارضة بما استفز علي عبدالله صالح- الرئيس حينها- والوصول إلى مشادة كلامية. فالمشترك في اليمن ظل يمارس التثوير بأعلى مستطاع وقبل تأجيل انتخابات 2008م بسنوات، ومجيء مثل هذه المحطة وإن قبل 2011م كانت ستدفع إلى ذات ما شاهدناه كتثوير أو كأزمة. اليمن لا تنفع لتكون الأولى للمحطة ولا تفيد لتكون الثانية. الهروب هو الذي رحل بن علي في تونس والقوات المسلحة في مصر هي التي نحت مبارك في مصر فيما ضغوط الغرب للرحيل الفوري هي عامل مساعد وليست العامل الحاسم، وفي الحالة السورية باتت الجامعة العربية والدول الخليجية هي واجهة أو ثقل الضغوط. الذي أكد حقيقة شعبية النظام أو أنها شعبية حقيقية هو سماح النظام للشعبية المناوئة أن تتجمع وأن تتظاهر والسماح للإعلام الداخلي والخارجي المناوئ الحضور والتغطية والنقل. ربما النظام في اليمن كان الأضعف أمام ضغوط الرحيل الفوري إذا صعد إلى أي مستوى من العقوبات ولذلك فإنه لا يكفيه رفض هذه الضغوط. النظام دافع ثم ظل يطور موقفه إلى هجوم بأي قدر من خلال القبول بالرحيل وليس من خلال رفضه. اشتراط البديل السلمي والتوافقي والديمقراطي هو ينقل تأثير الضغوط وإقناع الحجة من محورية الرحيل إلى محور البديل، ولعل مثل هذا هو ما يطلب من بشار الأسد في سوريا مع اختلاف الأوضاع كما أشرنا لصالح النظام في اليمن. نلاحظ في الحالة السورية أو غيرها أنه لا يطرح كحل ومخرج سلمي أنموذج الهروب في تونس أو أنموج الترتيبات في مصر وإنما أنموذج الحل اليمني. إن ذلك يؤكد مدى الجهد والاجتهاد الذي بذله ومارسه النظام في اليمن وارتكازه على رؤية أبعد أو أشمل. في ظل انغماس النظام في حروب صعدة فالطبيعي تهدئة وتعليق القاعدة لعملياتها لأن حروب صعدة لصالحها وتضعف أو تنهك طرفيه لها مع كليهما خصومه وعداء. محطة 2011م وبغض النظر عن صعود أطراف إسلامية للحكم في إطار الحرب المستمرة والتي ستستمر ضد الإرهاب. ولهذا فحروب صعدة لم تكن لصالح النظام في محطة 2011م وكان لصالحه أن يسبق هذه المحطة وتأتي في أجوائه حروب مع القاعدة كإرهاب. عندما تأتي محطة 2011م والطاغي كذروة التثوير السياسي المعارضي فيرجح تفعيل الثورة السلمية كتغيير ورحيل، فيما لو جاءت هذه المحطة والطاغية ذروة أخرى كأفعال إرهاب والحرب ضد الإرهاب فذلك أدعى لتأجيل الثورة السلمية من تعجيلها. بغض النظر عما هو طبيعي فيما تطرحه الثورات كطموحات وكتنظير فالهدف الحاسم كما تقدمه المحطة هو رحيل الحاكم، والذي أفاد النظام كعنصر حاسم هو استعداد الحاكم للرحيل. علي عبدالله صالح بغض النظر عن مواقف اتفاق أو اختلاف معه عرف بحكمة وحنكة ومراس ودهاء لا يتوفر مثله لدى أي حاكم عربي وأن وزن أو وضع اليمن لم يكن ليقدم ذلك. كل المحطات التي ارتبطت بالغرب في المنطقة منذ آخر الحروب مع إسرائيل كانت في المنطقة محطة تغييرات سياسية لأهداف ومصالح سياسية.. ولذلك فالذي يقصم أو يحسم لأي طرف هو الصواب والتصويبات السياسية أو الأخطاء والخطايا السياسية مهما استعملت أي جوانب أخرى في أفعال وتفعيل المحطة. علي عبدالله صالح نجح وبامتياز في العمل والتعامل السياسي مع المحطة برمتها كأرضية داخلية وكتفاعلات اقليمية ودولية ومن أسس الصائبات والتصويبات وكعمل وتعامل سياسي. من الملاحظات التي يسهل التقاطها هو ان طرف أو اصطفاف ما تسمى الثورة في اليمن ضرب الأرقام القياسية في مسافات تسيير المظاهرات واستهداف وزارات ومؤسسات لاستفزاز النظام ودفعه للعنف اضطراراً، فلماذا؟. لأن النظام سمح بالاعتصامات والمظاهرات السلمية وبالتالي فالمعارضة كاصطفاف للثورة هي التي باتت أحوج للعنف ضدها غير حقيقة ان عنف المعارضة في اليمن ضرب الأرقام القياسية ووصل إلى مستوى الحروب على المعسكرات. النظام السوري لم يسمح بأي سقف لاعتصامات أو مظاهرات سلمية ولا للفضائيات بحرية الحضور والنقل، ومع ذلك وفي ظل عدم التمكن من السير في قرار تدخل دولي كما ليبيا فيبقى الحل السلمي وعبر الحوار هو الأرجح وبين المرجح. إذا ذلك يكون وهو بين احتمالات الوصول لحل الأزمة في سوريا فهو في اليمن يصبح حقاً واستحقاقاً للواقع بمعايير الثورة كشعبية أو بمعايير السلمية أو بمعايير الديمقراطية. لعل هذا يقدم لنا وعي علي عبدالله صالح في التعامل مع المحطة وهو وعي استقراء وتفكيك لأرضيتها العالمية كايقاع وصراع وكما هو كذلك مع الأرضية الداخلية.. خمس ثورات لا تكفي لتجسد عنوان محطة ثورات سلمية أو عنوان الربيع العربي. بالنسبة لي لا اتفق مع المفهومين بمعايير الواقع والوقائع ولكن العنوانين فيهما ما يحمل حتمية المزيد من الثورات قادمة، فكيف وأين؟. هل سيكون عام الانتخابات الامريكية 2012م استراحة أو فترة توقف لمراجعة ما تم وكيف تم التعامل معها من وضع المنطقة والعالم؟ وهل يرتبط مثل هذا بنتائج الانتخابات الامريكية ونجاح اوباما أو منافسه؟. هل يوجد بلد يحكم بملكية مرشح لثورة وماذا تعني ثورة وديمقراطية في بلد كالأردن ربطاً بصراعات وتطورات المنطقة؟!.