من اختلاف الثورة والحراك إلى خلاف حول سلمية الإرهاب كثورة سلمية الأسلمة والسلمية ثورات معاكسة من الغرب والرجعية للشرق! في زمان وفي ظل ثورات الشرق ضد الاستعمار والأنظمة الاستبدادية كقومية وأممية ونحوها، كان خلاف المسميات النظرية بين تنصيص "ثورة" أو "حركة" أو "انقلاب"، ولهذا اختلف بعد أكثر من عقد من الثورات ما إذا كان ما حدث عام 1948م هو حركة أم انقلاب. الرئيس إبراهيم الحمدي وصف ما قام به أو نصص عليه عنوان الحركة "حركة 13 يونيو التصحيحية... ربما مما عرف عنه بعد وصوله إلى الحكم بالانتماء الناصري كان من الصعب تسمية ما قام به ثورة، لأن ثورة سبتمبر سارت في محاكاة الناصرية في الخطاب السياسي الإعلامي، وذلك ما حدث في عهد الحمدي وإن بعد رحيل عبدالناصر. ومع ذلك فالقدوة ناصرياً بات بعد رحيل ناصر هو قذافي ليبيا وكان الداعم للحمدي، ولكن لاستمراره في الحكم وبمسمى "قائد الثورة" حتى محطة الثورة السلمية فهو أسوأ ديكتاتور وشهد أسوأ نهاية، فيما الحمدي غير ذلك لوفاته مبكراً وللظروف الغامضة في نهايته. كل محطة لها معايير يفرضها الأقوياء ولها وقع للتعبير والمعيارية يفرض "حكواتية" ودراويش كل محطة كأبواق لكثير من التلفيق وكثير من النفاق. ما دام القذافي هو الحاكم وهو المستهدف من المحطة كثورات سلمية فلا ناصريته ولا الأحزاب الناصرية كما في اليمن تفيده، وفي ذات المحطة فأي طرف يصطف مع الثورة حتى لو كان الإرهاب أو يقحم كما حالة الحمدي، فهو إن لم يشرك في أدوار البطولة كثورة يصلح للإشراك بين أدوار "الكومبارس". في محطة ما تسمى "ثورات سلمية" لم يعد الاختلاف حول مسميات ثورة وحركة وانقلاب، وإنما بين مسميات ثورة وأزمة وانقلاب، وهذا يأتي من محورية سياسية للمحطة هي عنوان السلمية، ومن التملص والخداع في معيار السلمية كواقعية أو كشعبية. فأميركا كانت تحتاج لشرعية دولية وغطاء عربي لتحرير الكويت، ولشرعية دولية لغزو أفغانستان، فيما لم تعد بحاجة لشرعية دولية ولا غطاء عربي لغزو العراق في ظل تململ أو رفض الاتحاد الأوربي كغرب لفرض أحادية مصالحية لثقل وزعامة الغرب "أميركا".. بتسوية هذا التململ والتباين في غزو العراق حتى محطة الثورات السلمية، فلم يعد يحتاج لشرعية دولية للتدخلات والغزو المباشر، وإنما للدعم غير المباشر "ثورة سلمية" أو تدخل من بعد كما حالة ليبيا. بات كل ما يحتاج إليه هو خروج عشرات أو حتى مئات الآلاف من أبناء شعب لاعتصامات ومظاهرات من السهل تقديمهم كملايين، وسيناريو المحطة والخط الدولي الداعم سيكمل الباقي سياسياً وإعلامياً لإسقاط أو إقصاء نظام، وبالتالي فاستعمال الدماء المسفوكة التي تنسب للنظام هي ثورة داخل الثورة أو تثوير للثورة. إذا مليون افتراضاً من شعب تعدداه 25 مليون نسمة خرجوا إلى الشارع فيما خرج في الاصطفاف المقابل خمسة ملايين، فلا إرادة المليون تفرض على خمسة ملايين، فضلاً عن أن غالبية الفئة الصامتة غالبها من اصطفاف الخمسة ملايين إن فعلت جهود حشدها واحتشادها. ليسوا مليوناً بل عشرات الآلاف تجمع، وطرحهم بعد قرابة العام من الأزمة أنهم ثورة سلمية ولا بد من إخضاع الواقع وملايين أبناء الشعب لإرادتهم ولما يريدون، والمسألة أن المحطة والسيناريو الخارجي للثورات السلمية يعطينا هذا الحق، وليس كونه حقاً أعطاه الواقع أو فوضى فيه أو استحقاقا جاء وتحقق من خلال واقع. ربما نحن نخطئ في مثل هذه المحطة حين التركيز على السيناريو الخارجي الغربي للثورات، وحتى حين اختصار الألعاب البينية العربية في خضوع الأنظمة العربية كجامعة عربية لضغوط الغرب وتوجيه قراراتها أو حتى لما هو واضح كدور قطر. فلعل الخافي وما يخفى في الألعاب البينية العربية هو الأخطر على مستوى كل الحالات وعلى مستوى كل حالة، فدور القوات المسلحة المصرية خلال أحداث الثورة كبديل مرتب في المشهد يعيد تقديم أنظمة التأثير كأجنحة وأطراف أو مواقف للظاهر كإعلام وسياسة، وربما آخر كواقع للسلوك والممارسة. لو أن خطر المحطة كان مفتوحاً لاستهداف كل الأنظمة كثورات سلمية ما كان العرب وعبر الجامعة العربية سيعطون غطاءً للتدخل الدولي في ليبيا، مهما كانت خطايا وقمع وعنف نظام القذافي، أو تسير في الخطوات والقرارات التي تمت تجاه سوريا. فالمحطة أصلا تحتاج لإعطاء تطمينات بل ضمانات لأنظمة بأنها لن تستهدف في هذه المحطة، ومقابل ذلك يضغط عليها للسير في دفع خطوات وقرارات الجامعة العربية، ولكن الأهم أن لأنظمة الضمانات والتطمينات ألعابها وحساباتها البينية، والمحطة باتت توفر قدرات وتأثير عاليين للعب الخفاء غير الظاهر والظواهر التي أصبحت مجرد غطاء كما الغطاء العربي لشرعية دولية. فالغرب ظل يعتمد الشاه في دور الوكيل أو شرطي المنطقة حتى محطة رحيله بثورة سلمية، وظل يعتمد بشيء من ذلك مع مبارك في مصر حتى محطة الرحيل كثورة سلمية.. والأسلمة والثورات السلمية هي مد وفكر الغرب كسيناريو أو ثقافة وليس الثورة الإيرانية هي فقط السلمية كأسلمة، ولكن الجهاد في أفغانستان تحت سقف الحرب الباردة والرعب النووي ومعاييرها هو بمثابة ثورة سلمية. إذا كنا نسلم بأن الدور الذي تقوم به قطر هو من ارتباط بأثقال وألعاب عالمية كدور ظاهر، فذلك يعني أن آخرين لا يمارسون مثل هذا ظاهرياً يمارسون أدواراً غير ظاهرة، والبينيات العربية عادة ما تغذى بأكبر تأثير من تباينات داخل الأنظمة، تصل في حالات إلى وضوح لا تخطئه تلقائية فهم متابع متتبع. إنني لا أدافع عن أنظمة أو نظام عربي أو النظام في اليمن، ولكنني أتصور أن محطة الثورات السلمية جاءت في ظل أخطاء أو خطايا تختلف لكل نظام في واقعه. إنني في الأساس وكخيار أساسي مع استخدام المحطة للضغط على الأنظمة لتصلح الأخطاء وتتجاوز الخطايا بواقعية وفي الواقع، وليس بالاستخدام التكتيكي المخادع وغير الواقعي، وهو السائد في تفعيل ومشاهد "سيناريو" مسبق. حين المد الثوري الشرقي القومي والأممي كأنما لم تعنه شعوب الخليج العربي إلا في التحرر من أنظمتها الرجعية والإمبريالية، والذي يمارس كأنما شعوب الثورات والجمهوريات لا تعني أنظمة الخليج إلا في التحرر من أنظمتها الاستبدادية كتصدير عكسي للثورات فحسب. عندما طرحت أميركا بعد تحرير الكويت ضرورة الديمقراطية في بلدان المنطقة بما في ذلك دول الخليج، فسقف ما أنجز خلال عقدين انتخابات بلدية هزيلة أو برلمان بالتعيين أو السماح للمرأة بخروج وقيادة السيارة مع تردد ومراوحة. إذاً وبهذه الواقعية المطاطية فبلد مثل سوريا كواقعية منطاطية يحتاج نصف عقد على الأقل ليصل إلى اكتمال ديمقراطية أو ديمقراطية كاملة، وغير ذلك هو التعجيز لاستهداف وإقصاء نظام فحسب كقرار مسبق يحتاج تنفيذه إلى مثل التكتيك الممارس في الإخراج والتخريجات باستثناءات تمثل أحقاداً وضغائن ومسالك الحقد ورغبات الانتقام، فلا أحد يختلف والكل يجمع بأن النظام في اليمن وشخصية الرئيس صالح أدار الأزمة بحنكة عالية وحكمة كبيرة، والكل يجمع على الجهود المشكورة للأشقاء في الخليج ومبادرتهم كأرضية للحل، ومع ذلك فلولا توافر واقع مساند وإرادة واعية شعبيا ما كانت حنكة وحكمة الرئيس ولا جهود الأشقاء أن تنجح. ربما أكثر من عامل أو عدد من العوامل وراء هذا الاستثناء في اليمن في الموقف، ولكن أهمها الصراعات الاستثنائية ومتراكم الصراعات في اليمن، وبالتالي الخوف من الصراعات كمتراكم محطات وتجارب مهولة. فالشعب اليمني بأغلبيته المطلقة أولويته تجنب الصراعات، ولذلك فهو أرضية وقوة الوصول إلى حكومة وفاق وطني، وذلك ما لم يستوعبه اصطفاف "المشترك" تحت عنوان المحطة "ثورة سلمية"، حتى اضطراره لمساره والسير فيه تحت ضغط الواقع. إذا الشيخ حميد الأحمر وفضائيته "سهيل" أو مجاميع إرهاب و"القاعدة" أو أي أثقال في تصميم على استمرار التثوير والثورة ومصارعة الثيرار والرقص والبرع على المزمار، فذلك ما سيستوعب في إطار الحريات، وإن بات أو بيت لاستمرار العنف فيستوعبه واقع وواقعية الصراعات في اليمن. الحل السياسي هو المخرج الوحيد ويختزل في المبادرة الخليجية، وذلك لا يمنع حق أقلية في الاعتراض أو المعارضة للمبادرة الخليجية والقرار الدولي، ما دام هؤلاء لا يفعلون إرهاباً ولا يمارسون عنفاً. أما من يسير في إرهاب أو عنف فإنهم لن يواجهوا بأوضاع ومعايير المحطة وأزمة قرابة العام في اليمن، ولكن بمعايير ما بعد المحطة كانتقال لدولة النظام والقانون على طريق الوصول إلى الدولة المدنية، التي يتبنونها شعاراتياً، ونسير في بنائها واقعيةً وتطلعاً وطموحاً. إننا لم نعد نختلف أيضا بين "الأزمة" و"الثورة" ولكننا نختلف حول ثورات العنف والسلمية، ونختلف بين الإرهاب والثورة السلمية، والاختلاف هو من شمولية طرف في محطة يصل في زهو وخيلاء الاستقواء إلى اعتقاد أن اللون الأسود القاتم هو لون أبيض وناصع البياض!!..