دخلت القضية اليمنية مفترق طرق جديد، مع توقف شبه كلي لجبهات القتال في الداخل، وغياب كامل لنشاط سلطات الحكومة الشرعية في الخارج. ويقابل ذلك تنامي الضغوط للاعبين الدوليين في الملف اليمني، وفي مقدمتهم حاملة القلم في هذا الملف لدي الأممالمتحدة "بريطانيا"، وانعدام أي أفق للحل السياسي، وسط مَيلان واضح للدور الأممي والموقف الدولي لصالح شرعنة الانقلاب، ودقّ المسمار الأخير في نعش الشرعية. وتفرّغت قيادة الشرعية ومسؤولوها لرغد العيش مع أسرهم في ساحات القصور والفنادق خارج البلاد. ونفس الصمت تواجه به الشرعية حالة الغليان الشعبي ضد ميليشيا الحوثي، وأبرز تجلياته تفجّر مقاومات شعبية بمجهود ذاتي في أكثر من منطقة، خلال الأسابيع الماضية، بعد توقف المواجهات بين الجيش الموالي لحلف هادي والإخوان، وميليشيا الحوثي، الذراع الإيرانية في اليمن. وفتحت قبائل عدة جبهات قتال مع ميليشيا الحوثي، في كل من حجور حجة، وقفلة عذر بعمران، والحشاء بالضالع، والقفر بإب، وصمودها لأسابيع دون تقديم أي دعم أو إسناد من قبل الشرعية وجيشها. وبالتوازي مع غياب النشاط الداخلي، غاب نشاط حكومة هادي ومسؤوليها ودبلوماسييها علي الساحة الدولية، وعلي وجه خاص في مراكز صناعة القرار الدولي في الولاياتالمتحدة ومنظمات الأممالمتحدة والعواصم الأوروبية والاتحاد الأوروبي. ووسط هذا الغياب فتحت أوروبا أبوابها، خلال الثلاثة الأيام الماضية، لتستقبل وفد ميليشيا الحوثي برئاسة المتحدث باسم الجماعة محمد عبدالسلام. وبحسب وسائل إعلام ميليشيا الحوثي، فإن زيارة الوفد الحوثي، جاءت بناءً علي دعوى رسمية من البرلمان الأوروبي، وتمكن خلالها الوفد من زيارة عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل وإطلاع المسؤولين والبرلمانيين الأوروبيين علي تفاصيل ما يجري في اليمن ومعاناته الإنسانية، فضلا عن اطلاعهم علي رؤية الانقلابيين الحوثيين للتصور المطلوب للحل السياسي الشامل في اليمن. وتشكل هذه الزيارة تطوراً خطيراً، بحسب المراقبين السياسيين، كونها تفتح المجال للاعتراف الدولي بسلطة الانقلاب، ليضاف ذلك لسلسلة من الخطوات والتحركات المشبوهة التي تدور علناً وخلف الكواليس للقوي الدولية المؤثرة في الملف اليمني، وفي الطليعة التحرك البريطاني والذي يصب في خانة شرعنة الانقلاب علي حساب شرعية الفنادق. وتأتي هذه التطورات متزامنة مع تحركات أممية عبر مبعوثها إلى اليمن مارتن غريفيث، وإسناد من بلده المملكة المتحدة تكرس للإبقاء علي مدينة الحديدة ومينائها الاستراتيجي في قبضة الانقلابيين، وذلك بعد أن نجحت تلك الجهود، في وقت سابق، في إيقاف ملف الحسم العسكري في الحديدة تحت ستار دواع إنسانية، واستصدرت قرارين من مجلس الأمن في هذا الخصوص. وبات هادي وحكومته بين خيارين: إما الالتحام بإرادة المقاومة الشعبية والوطنية وتوحيد الصفوف خلف التحالف العربي للتعجيل بالحسم العسكري والارتقاء بمستوي العمل الحكومي داخلياً وخارجياً، أو الاستعداد لدفن الشرعية وطي حقبتها.