يخطئ من يظن أننا قد أنقذنا( أم الدنيا) من الضياع ونحن غارقون جميعا تحت سيول من الفكر لا يمثل فكرنا, فمن يقرأ المشهد المصري قراءة واعية لابد وأن نتفض رعبا ورهبا…!!وأرجو أن أكون مخطئا في قراءة هذا المشهد بهذه الصورة, إلا أنني أري هذه السيول قد أثمرت صراعات فكرية أراها نذير شؤم لأولي الأبصار, فرأينا اولئك النفر الذين يراهم عموم الناس روادا للتنوير جلبتهم الفضائيات فأكثروا فيها الصياح حتي أصيب المشاهد بالاكتئاب والحيرة..! فلا يختلف عاقلان أننا أمام فئات اشتهرت ظاهريا- بأنها فئات الفكر والرأي والمشورة, لكن حقيقة الأمر أننا أمام فئة منهم تحسبهم أيقاظا وهم رقود اكتفت بمتابعة الأخبار العالمية فاقتبسوا لنا مما صممه أعداء المحروسة والعرب, وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا, وفئة أخري تود أن يأتي الخلاص علي أيدي من يوجهون دفة البلاد من الخارج باعتبارهم عمليا- الأقدر علي صناعة المجتمع المصري المثالي, وفئة أخري استحوذ عليهم اليأس وارتحل عنهم الأمل في الاصلاح والتغيير, وفئة أخري تجيد فن الجدل و معسول الكلام قد يراهم المشاهد من باب التسلية أو الطرائف..!! وهكذا ازدحم فضاء المحروسة ازدحاما كثيفا لا طائل منه يرتجي, سوي أنه حجب أصحاب الرؤي الصالحة و الشرفاء من أبناء المحروسة قد غيبتهم منذ عشرات السنين سياسات المسئولين فبات المشهد وكأنه خاليا من المخلصين الأوفياء لأم الدنيا, وربما توارت هذه الفئة الصالحة طوعا أو كرها لا فرق بعد ما أعجزها الإحباط واليأس فلم تجد لها موضع قدم للبناء الحقيقي…!! فبات المشهد ميئوسا منه أو أشبه بالمأتم الذي لا نعلم متي ينفض.. فتاهت أجيال استحسنت التغريب والتشويه, ولم تعد القوي الأمنية للمحروسة قادرة علي استئصال الجريمة في غيبة هيبة القانون ورعونة أحكامه وصدقت قولة العامة إن القانون في مصر( حبر علي ورق) لا يطبق إلا علي العامة…! ثم رأينا من يتطاول علي رجال الأمن كبيرهم قبل صغيرهم…! فماذا أصاب( أم الدنيا)؟! إن الإجابة تقتضي ألا نتحدث عن مصر منفردة بعيدا عن جسدها العربي الكبير أو الوطن العربي الكبير كما كان يعرف قديما, لأن الجائزة الكبري في نظر الانتهازيين والطامعين تدميرها أو تفتيتها علي أقل تقدير, لا لأنها وطنيي المقدس ككل المصريين, وإنما لكونها زعيمة العالمين العربي و الإسلامي بحكم الجغرافيا أو عبقرية المكان و ريادتها لتاريخ التاريخ عندما عرفت الإنسانية النور من خلال فجر المصريين الأقدمين… استطاعت القوي الكبري أن تصنع انهيارا في التماسك العربي فاختلت الموازين العربية بضربات خارجية و داخلية, فسقطت بلاد الرافدين( عراق الرشيد) واعدموا رئيسها تحت أعين الحكام العرب وجامعة قالوا: إنها عربية ولم يتحرك أحد ولو من باب الاعتراض فحسب… تلك كانت أول خطوة لتدشين مشروع تفتيت العالم العربي ثم انصراف العرب إلي وجهة غير وجهة الصراع السرمدي العربي الإسرائيلي… ثم اتجهت معاول التقسيم بزعامة العم سام وبني صهيون نحو تقسيم السودان التقسيم الأول الذي لن يكون الأخير.. ثم بدأت صحوة جماهيرية عربية ضد الحكام المعمرين فالعرب منذ أمد بعيد لا يعرفون( الرئيس السابق أو المنتخب انتخابا بتداول السلطة).. فلاح في سماء العالم العربي ما اشتهر باسم الربيع العربي الذي أراه لغزا سوف يجيب عنه أو يفك شفرته التاريخ في مستقبل الأيام إن شاء الله.. إذ بعد أن انتهت الشعوب العربية من مجاهدة المستعمر الأوروبي وجدت نفسها بعد عشرات السنين أمام استعمار الحكام و استبدادهم.. فانفجرت تقاوم من أجل إسقاط هذه الأنظمة السرمدية..! لكن سرعان ما سقط قناع الثورة الشعبية في بلاد ما عرفناه بالربيع العربي لتغرق هذه البلدان في صراعات طائفية ومذهبية و أحزاب متصارعة و تفجيرات وارهاب وكل أنواع هلهلة الأمن.. ثم تعالت صيحات التقسيم ثم أصبح اليمن السعيد أو الذي كان سعيدا أصبح مستنسخا فسمعنا عن كيانات مقسمة وصلت إلي ستة كيانات ومن لم يحن أوان تقسيمه جغرافيا تم تقسيمه سكانيا فأصبح البلد الواحد يعاني من صراعات سنية شيعية إلحادية بهائية وكل أطياف التقطيع الوجداني الوطني…!! وهكذا نجحت القوي الكبري في إغلاق باب الصراع العربي الإسرائيلي الذي استمر قرابة القرن من السنين..!! والأهم من ذلك ضمنت هذه القوي الحصول علي خيرات العالم العربي خاصة النفط والغاز وبأسعار رمزية أو بمقابل خدمات..!! وهكذا بدأت صفحة من تاريخ العالم العربي أظنها الأخطر والأصعب أمام من سيتولي قيادة( أم الدنيا) باعتبار المكائد والأخطار المحاصرة بها( المحروسة) بمقصد اسقاطها كما أسلفنا حتي يصبح العرب جميعهم طوع بنان الصهيونية العالمية.. فمصر أمامهم هي عقبة العقبات..!! وليعلم الرئيس القادم لأم الدنيا أن الدهر ذو صروف والأيام ذات نوائب علي الشاهد والغائب.. وليكن نصب عينيه أن القوي الكبري قد أوشكت أن تطمئن إلي أن غالبية العرب قد أيقنوا أنهم لا مكان لهم تحت الشمس وبالتالي فهم ينظرون إلي القوي الكبري علي أنها طوق النجاة فاستكانوا وتركوا الجهد و الجهد..!! ورحم القائل: ومازالت الشكوي تعرب عن لسان البلوي ومن اختلت حالته كان في الصمت هلكته. (ولنا عودة إن كان في العمر بقية)