"المشهد شائخ، كارثي وينذر بسنوات عجاف، وجب الدعاء للبلد ولهم بحسن الختام." *** استعدت العبارة السابقة التي كتبتها قبل نحو 15 شهرا، اليوم وأحدهم يخبرني بأن الدكتور عبدالكريم الإرياني (مستشار الرئيسين السابق والمؤقت، وربما مستشار أي رئيس مقبل) قدم وصلة ردح في الكتاب والصحفيين الذين حذروا مبكرا من مخاطر فضلات "موفنبيك" على البيئة اليمنية. المستشار الأثير للرئيس السابق يردد كالعادة مقولته الأثيرة ولكن للرئيس المؤقت: "كل شيء تمام يا فندم." *** يواصل فعل ما الف القيام به منذ مطلع السبعينات. كنت لأقلق لو أنني من مؤيدي الرئيس هادي. لست منهم والحمدلله. ولم أكن يوما معجبا بصمته ولا بجهامته التي انتشرت على جموع اليمنيين مؤخرا. إذا تحدث هذا الجهم الصموت سرت قشعريرة في جسد اليمن بأكمله. هذا البلد المحزون كان يستحق_ على الأقل_ رئيسا أفصح لسانا من الرئيس السابق صاحب الجولات والصولات في حلبات مصارعة قواعد اللغة العربية. ضربتان في رأس اليمن والعربية الفصحى "توجع" وتسبب صداعا لا ينتهي. كلما استمعت إلى هذا الرئيس المتبائس وهو يمثِل باللغة العربية ويسحلها جثتها في القاعات والمؤتمرات المحلية والعربية والدولية تصورت بلدا بأكمله متكوما على نفسه داخل خيمة عار. *** ما نفع طلاقة اللسان؟ فللرئيس هادي مستشاروه الأذكياء الدهاة العابرون للرؤساء والانقلابات والثورات و"الوحدات" والانفصالات" و"التمردات". ومن محاسن الصدف على "العربية السعيدة" و"العربية الفصحى"، أن من بين مستشاري الرئيس هادي وهم أنفسهم مستشارو الرئيس صالح، رجلا طليق اللسان متبحرا في السياسة والثقافة والتاريخ والتراث، وتوزيع السلطة والثروة. مستشار يحسن قراءة اللحظة كما فعل أمس عندما فاخر بمعجزته الحوارية بينما الحرائق تشتعل في غير مكان من اليمن، وتوشك ان تمتد بألسنتها إلى العاصمة ذاتها حيث كان الشيخ الارياني يلقي موعظته على حلقته مؤكدا أن الأمور كلها عال العال. هل تتذكرون ماذا كان يقول المستشار قبل 8 أعوام في الرئيس صالح؟ كان الارياني لا يقل حماسا في الترويج لمشاريع صالح، ويبز صالح حماسا في رفض الحكم المحلي. *** الدكتور الارياني هو احد اعضاء لجنة الأربعة التي شكلها صالح قبل رحيله بعامين، وأطلق عليها لاحقا وصف "العصابة،" لغرض التحضير للحوار السياسي (أو الوطني) بين الأحزاب. الثلاثة الأخرون هم عبدربه منصور هادي وياسين سعيد نعمان وعبدالوهاب الآنسي. عصابة الأربعة استمرت في عملها بعد تغييرات طفيفة في الأدوار والصفات. أطاحت الثورة الشعبية بالرئيس صالح، فصار رئيس اللجنة (العصابة) رئيسا مؤقتا ذهب إلى القصر صحبة الأعضاء ال3 الذين باتوا مستشاريه. تولى الأربعة التحضير لمؤتمر الحوار بالتنسيق مع المبعوث الدولي جمال بنعمر. باشتثناء بعض الخلافات العارضة فقد سارت الأمور جيدا حتى الجلسات الأخيرة في خريف "موفنبيك" عندما غادر الدكتور ياسين سعيد نعمان دار الرئاسة مغاضبا بسبب ما اعتبره التفافا على مشروع الاشتراكي من قبل تحالف حرب 94. *** هادي والارياني وعلي محسن وقادة الأحزاب لم يغادروا مع صالح، بل تقافزوا تباعا من المركب الغارق للحاق بموجة الثورة، وقد نجوا، وصار بعضهم ثائرا، بينما اقتنع الإرياني بدور المستشار الخارق الذي لا مناص لأي رئيس من الاستعانة به في صوغ سياساته ورسم استراتيجياته محليا ودوليا، وها هو يسوق اليمن برئيسها إلى جحيم الاقتتال والفوضى باسم تقاسم السلطة والثروة، بضاعته الجديدة التي ستبقيه فاعلا في سوق السياسة. *** الرجال الذين خربوا اليمن خلال ال30 سنة الماضية وجعلوا من صالح قائدا تاريخيا ورئيسا فذا لن تنجب الأمهات مثله، هم أنفسهم الذين يبنون "يمنا جديدا" متعاليا على تخرصات الناقدين والحاقدين، لا تمسسه نيران الحرائق المشتعلة في "اليمن" الذي نحيا فيه. يبمنون يمنا جديدا، يمنا موازيا، تزدهر فيه أعمالهم وأرصدتهم، يمنا يبنونه إلى أخر رمق فيهم وفي "يمن"نا! *** اليمن لن يتعافى مادام هؤلاء الذين بلغوا أرذل العمر يتحكمون بمصير اليمن وبرؤسائه وأحزابه وحركاته وحراكه.