حسناً.. لنفترض وجود تكفيريين في أرحب وهمدان وعمران والجوف، فهل محاربة أولئك الكفرة من مسؤولية الحوثي، أم من مسؤولية الدولة؟ ولماذا ينصب الحوثي نفسه بديلاً لمؤسسات الدولة يعاقب من يشاء ويعنف من يشاء، ومن أعطاه ذلك الحق ليمارس أبشع صور التنكيل والإرهاب بحق الآخرين. وإذا كان خلاف الحوثي مع القبائل في تلك المناطق سياسي -كما يصفه الناطق الرسمي باسم الجماعة- فهل طرق حل الخلاف السياسي يكون بهذا الشكل الدموي، وتلك الطريقة الشنيعة من الحروب التي تمتهنها الجماعة في مسيرتها الشيطانية؟ ففي كل الحروب والمواجهات التي قادتها هذه الجماعة في كل المناطق التي وصلت إليها بدا واضحا أن السلوك الإجرامي لها يعكس نزوعاً غرائزياً نحو العنف والدمار والفوضى. تتصرف الجماعة منذ الثورة الشعبية في العام 2011م وكأنها كانت محبوسة في مغارة، وكلما استطاعت أن تطل برأسها قليلاً من ذلك الكهف زاد مستوى نفورها ووحشيتها وطيشها. تشبه هذه الجماعة في تصرفاتها ذلك العجل الفطيم الذي يخرجه مالكه لأول مرة من الاصطبل الذي ولد فيه على الشمس، فيخرج منبهراً بضوء الشمس هائماً على وجهه في كل اتجاه، لا يفرق بين حفرة أو هاوية أو منزلق، ولا يبالي بحياته إذا سقط، فهو لم يعتد بعد على أضواء النهار والأماكن الواسعة. وليس أمام مالكه سوى ربطه من رقبته بحبل وثيق، والإمساك به بقوة، وجره إليه، وكلما حاول الإفلات أو الهرب أمسكه بالحبل وشده إليه، حتى يتعود على الوقوف بمفرده، ويدرك حجم الكارثة التي ستحل به، إن بقي طائشاً وهائماً، وتدريجياً يهدأ هيجانه وتنضج حيوانيته ويعتاد على الخرج إلى الهواء والشمس بمفرده دون مالكٍ يقوده. فلو كان مالكه متهوراً وتركه يخرج بمفرده لهام على وجهه، ورمى بنفسه من أي هاوية وقضى على حياته مبكراً، ولو كان مالكه ضعيفاً ولم يحكم وثاقه لجره خلفه وسقطا معاً، ولو لم يحسن مالكه تعويده وسياسته بحكمة لتربى على الهيجان والشرود والعدوانية، ولو أبقاه في الاصطبل فسوف يظل عجلاً وحشياً لا فائدة منه ولا نفع ويصبح كلاً على مالكه. ذلك العجل هو الحوثي الذي خرج إلى الحياة بعد الثورة الشعبية من كهوف مران طائشاً متوحشاً وهائماً على وجهه في كل اتجاه، يركض في كل ناحية غير مبال بحياته وحياة الأخرين، ولا يضع اهتماماً لأحد ويظن أنه بذلك يمارس حقاً من حقوقه، وأن من يعترض على ركضه ورفسه فهو عدو له. يحتاج الحوثي إلى سائس حكيم يحسن تربيته وتعويده على الحياة، وإمساكه من رقبته بقوة، وتعليمه الصح والخطأ، وتعريفه بالضواحي والحفر والشواهق والمطبات، حتى يهدأ ويعقل وتنضج رجولته ومواطنته ويعتاد على الحياة الطبيعية ويندمج فيها بهدوء وانسجام. أما لو كان سائسه ضعيفا فسيورده المهالك، وكلما لاحظ ضعفه ازداد نفوره، فالتهاون تجاه هذه الجماعة، وعدم التعامل معها بحزم من قبل الدولة، يزيد من عنفها وتعطشها للدماء، وليس مطلوباً من الدولة سوى ممارسة صلاحياتها المخولة لها بموجب قوانين ودستور البلاد، ومن غير المعقول أن يظل الحوثي وجماعته يعيثان في الأرض فساداً وإفساداً بمبررات ومغالطات واهية ومكشوفة. وإذا كان الحوثي يرى أن من حقه أن ينشر مذهبه ويعرضه على الآخر بالقوة، فمن حق الآخرين أن يعلنوا رفضهم لتلك الأفكار بذات القوة، لكن النتيجة هي دخول البلاد في حالة تمزق وحروب واقتتال، وهنا تفرض المسؤولية نفسها على الدولة والنظام الحاكم أن يتصدى لكل المحاولات الرامية لجر البلاد إلى دوامة العنف والحروب، وأن يتعامل بحزم مع كل الأطراف التي تعمل على تقويض أمن البلاد سواء كان الحوثي أم غيره. اليوم نحن أمام موجة عنف وكراهية تتنامى داخل المجتمع بصورة بغيضة، فكل حروب الحوثي العبثية أفرزت انقساما مذهبيا تتجمع خلفه كل الضغائن والأحقاد، وتنذر بتفكك اجتماعي غير مسبوق في حياة اليمنيين. فنيران الحروب الست وما لحقها من مواجهات ومعارك شنها الحوثيون هنا وهناك، فتحت شهيتهم على العنف، وباتوا يتكئون على تلك الانتصارات الوهمية في تقديم أنفسهم للمجتمع بتباهي وتفاخر وكأنها إنجازات تستحق الاحتفاء والاستمرار. اصبح الأشخاص المنتمون لهذه الجماعة مصابون بعدوانية شديدة وكراهية مقيتة تجاه من ينتقدهم أو يختلف معهم، وليس سوى السلاح لرفعه في وجوه الآخرين، أو التهديد والوعيد بمعاقبته، وإطلاق مختلف التهم الماجنة بحق من يخالفهم أو ينتقدهم، سواء حدث هذا في السوق أو داخل باص أو في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها. ينبغي على الحوثي وأنصاره أن يعلموا أن عدم تقبل المجتمع لهم، ليس كراهية لأشخاصهم أو مذهبهم، ولكن للعنف الذي يتعاملون به، وللإرهاب الذي يمارسونه، والدمار الذي يخلفونه في كل مكان وطئت فيه أقدامهم، تحت يافطات ومبررات سخيفة. فطوال السنوات التي سبقت الحروب الست، عاش الجميع بتناغم وتوافق بعيدا عن التعصب المذهبي والطائفي، وكانت صعدة كغيرها من مدن اليمن مدينة سلام ووئام، وبعد أن تحرك الحوثي صارخا بشعاره المميت، ومحاربا لاستعادة مجد آبائه، ظهرت معه كل الأوساخ والعلل التي أصابت اليمن. ليمارس الحوثي طقوسه ومذهبه كيفما شاء، لكن ليس عليه إلزام الآخرين باعتناق مذهبه، أو محاربتهم وقتلهم لأنهم ليسوا من شيعته. [email protected]