بعد أسابيع من التوترات الطائفية التي تفجرت في العراق، بدأت الأصوات تعلو من اليمن واليسار انتقاداً لسياسة إدارة اوباما في العراق او انعدام مثل هذه السياسة، ولكن بعض هذه الانتقادات بُنيت على حقائق فبركها المنتقدون خدمة لأهدافهم. فانظر الى التعليق الذي كتبه مساعد الرئيس جورج بوش السابق، اليوت ابرامز في مجلة «بوليتيكو» في الأسبوع الماضي، بعنوان «الرجل الذي مزّق الشرق الأوسط»، زاعماً ان «الشرق الأوسط الذي ورثه أوباما كان هادئاً الى حدّ كبير، وكان العراق مستقراً وكانت إيران في حالة احتواء وكانت علاقاتنا مع حلفائنا الاقليميين ممتازة». فالوضع شبه المثالي الذي يقول ابرامز ان اوباما بدّده بسبب غطرسة الرئيس واخفاقه في فهم دور القوة الاميركية باعتبارها العنصر الرئيسي في تعزيز الاستقرار و«الدفاع عن حلفائنا ومصالحنا». مظهر خادع.. ومحاصصة طائفية ويتجاهل ابرامز اثناء خلق هذا العالم الوهمي، حقيقة ان المسرح الذي اعدته ادارته كان شديد الاختلاف عن ذاك الذي يتحدث عنه. ففي 2009 كان السلام في العراق زائفاً، فقد عصفت الحرب بأرواح الكثيرين وقوَّضت النسيج الاجتماعي للبلاد، وبلغت المصادمات الطائفية ذروتها. وكان خُمس العراقيين إما لاجئين في الخارج او مشرّدين في الداخل.. وفرضت الولاياتالمتحدة نظام محاصصة طائفية كالنظام المعمول به في لبنان، لكن العلاقات بين مختلف مكونات الشعب العراقي شابها التوتر الشديد. لقد تمزق العراق على يد الولاياتالمتحدة التي تحاول الآن – عبثاً – الحفاظ على وحدة البلاد. فربما بدا العراق هادئاً لابرامز، ولكن هذا المظهر كان خادعاً. فإذا كان العراق يترنح جرّاء الضرر الذي وقع ابان ولاية بوش، فكذا هو موقع الولاياتالمتحدة، فبدخولها حربين فاشلتين لعرض القوة وضمان الهيمنة الأميركية، أنجزت ادارة بوش ما هو عكس ذلك تماما. فالثمن الذي دفعناه في الارواح والمال كان باهظاً، فضلا عن الآلاف من الجنود الذين مازالوا يعانون بدنيا ونفسيا من هاتين الحربين، فقد اشارت تقارير نشرت مؤخرا ان اكثر من عشرين جنديا ممن شاركوا في الحرب يقدمون على الانتحار يوميا. أثر مدمر.. وتعزيز لقدرات ايران وتركيا وروسيا ان دخولنا في هاتين الحربين وسلوكنا خلالهما كان له اثر مدمر على مصداقيتنا وقيمنا وموقفنا في العالم. فقد اظهرت استطلاعاتنا اثناء ادارة بوش، ان شعبية الولاياتالمتحدة وصلت الى الحضيض، وكذا الزعماء الذين تدعمهم واشنطن في المنطقة. وبدلا من ضمان هيمنة الولاياتالمتحدة، اضعفت حربا العراق وافغانستان موقفنا، وقوت شوكة قوى اقليمية مثل ايران وتركيا وقوى اخرى مثل روسيا والصين. وبزعمه ان الشرق الاوسط كان ينعم بالسلام عام 2009، يتجاهل ابرامز حرب 2009/2008 بين اسرائيل وغزة. وفي عهد بوش، وحين كان ابرامز مسؤولا عن الملف الاسرائيلي – الفلسطيني، ارتكبت واشنطن خطأ في التعاطي مع هذا الملف، فقد تجاهلت الادارة، آنذاك، تقرير جورج ميتشيل ولم تدعم جهود مبعوثيها للسلام، فقد اصرت الادارة على اجراء الانتخابات التي ادت الى فوز حركة حماس، وايدت ارئيل شارون في كل خطوة كان يتخذها ودافعت عن كل سلوك سيئ سلكته اسرائيل قبل توسيع المستوطنات والانسحاب الاحادي ومن ثم فرض الحصار على غزة وحروبها في لبنان 2006 وغزة 2006 و2008. محاولة لتضميد الجروح لقد كان لسياسات جورج بوش خلال سنوات حكمه الثماني في البيت الابيض، اثرها المدمر في معظم انحاء العالم العربي، ولذلك كان خطاب الرئيس اوباما في جامعة القاهرة محاولة لتضميد الجروح التي احدثها بوش في العلاقات العربية الاميركية. فما وصفه ابرامز بالغطرسة عند اوباما، لم يكن كذلك ابدا على اعتبار ان اوباما طرح مبادرة لبداية جديدة تقوم على اساس التفاهم المتبادل والمسؤولية المشتركة والشراكة. واذا القينا نظرة على السنوات الخمس الماضية، يمكننا ملاحظة عرقلة المحافظين لسياسات اوباما الشرق اوسطية في الوقت الذي سعت فيه لاحداث التغيير المطلوب وفوتت الادارة الفرصة لممارسة دور قيادي حقيقي والذي كان من شأنه ان يحدث الفارق، كما انها قللت من شأن التشاور مع الحلفاء والاصدقاء في الداخل والخارج، بل انها بدت ضائعة احيانا وتفتقد الى الرؤية الواضحة. واخيرا، ربما تكون بعض الانتقادات لسياسة اوباما، صحيحة ومنصفة وتستحق المناقشة، لكن ما فعله ابرامز ليس منصفا ولا يستحق الالتفات اليه، فضلا عن كونه شديد الغرابة. * رئيس المعهد العربي الاميركي في واشنطن