يركز هذا التقرير على إبراز دور القوى الدولية في عملية التحول السياسي في اليمن، حيث يرى أن هذا الدور "جاء بعيدا عن دعم خارطة الطريق المرسومة, كونه يحمل بوضوح التناقض المباشر مع عملية التحول الديمقراطي في اليمن". ويؤكد التقرير قيام القوى الدولية- اللاعبون الدوليون- في "دعم ورعاية عدد من المصالح الوطنية الخاصة عن طريق توفير الأمن والسلاح والدعم الخطابي لفصائل وتيارات مختلفة داخل اليمن". كما يؤكد أن "هذا التدخل لم يجلب سوى المزيد من الاضطرابات والعنف, وسواء كان سريا أو صريحا, إلا أنه ألهب الخطاب الطائفي وفكك سلطة الدولة, وساهم كثيرا في تعثر التحول السياسي". بعيدا عن دعم خارطة الطريق المرسومة تجاه الانتقال السياسي, اتخذت الجهات الدولية الفاعلة- اللاعبون الدوليون- خطوات واضحة حملت التناقض المباشر مع عملية التحول الديمقراطي في اليمن. ومن ضمن هذه الخطوات انغماس القوى الدولية الراعية للانتقال في دعم ورعاية عدد من المصالح الوطنية الخاصة عن طريق توفير الأمن والسلاح, والدعم الخطابي لفصائل وتيارات مختلفة داخل المجتمع اليمني. تعد اليمن واحدة بين العديد من الدول العربية التي تعاني من مرحلة انتقالية صعبة, تحاول العبور فيها من العقود الاستبدادية والاتجاه صوب الحكم الديمقراطي. ومن أجل مساعدة اليمن لعبور المرحلة الانتقالية بطريقة آمنة وبعيدا عن التوترات والصراعات، شاركت مجموعات دولية أكثر من أي وقت مضى, تصدرتها الأممالمتحدةوالولاياتالمتحدة ومجلس التعاون الخليجي من خلال مبادرة أدت إلى إزالة الرئيس علي عبد الله صالح من منصبه كرئيس للبلد والذي استمر فيه لأكثر من ثلاثة عقود. هذه المبادرة أدت إلى خلق خارطة طريق واضحة كان الهدف منها إنهاء التوترات والصراعات السياسية والتراكمات التاريخية والاتجاه نحو بناء يمن موحدة وديمقراطية. مع ذلك، وعلى الرغم من بعض النوايا الحسنة، إلا أن الإشراك الدولي أدى فقط إلى زيادة زعزعة الاستقرار في بلد يكافح بالفعل من أجل إنهاء الانقسامات المستعصية. بعض الجهات الدولية مثل أصدقاء اليمن، وبعض الجهات المانحة انضمت أيضا وقدمت تعهدات ومنح مالية تصل إلى 8 بلايين دولار, وقد جاءت في دعم الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية أثناء الفترة الزمنية للمرحلة الانتقالية. حتى الآن لم يقدم أصدقاء اليمن من جملة التعهدات سوى 1.8 مليار دولار منها أودع مليار دولار في البنك المركزي اليمني وهو تعهد المملكة العربية السعودية. السرعة في تقديم التعهدات هو جانب واحد فقط من مشكلة دولية مع التركيز على نتائج سطحية و"مبادرات صنعاء محورها". وهكذا بدا اندفاع المجتمع الدولي في التركيز بعيدا عن القضايا الداخلية, لعل أهمها "المناورات السياسية المستمرة للرئيس السابق صالح"، حسبما كتبت دانيا غرينفيلد نائب مدير مركز رفيق الحريري للشرق الأوسط في المجلس الأطلسي. وبعيدا عن دعم خارطة الطريق، اتخذت الجهات الدولية الفاعلة خطوات تحمل التناقض المباشر مع عملية التحول الديمقراطي في اليمن، والوقوف إلى جانب تحقيق المصالح الوطنية الخاصة من خلال توفير الأمن والسلاح والمال والدعم الخطابي لفصائل مختلفة من المواطنين اليمنيين. يسود اليمن اليوم الجو المشحون جدا بالحروب والصراعات المتفرقة, ويحتشد عدد من المقاتلين الحوثيين في محافظتي عمران والجوف, واللتين أضحتا ميدانا للقتال والتهجير القسري للمدنيين من سكان هاتين المحافظتين. تفاقمت مشكلة التمرد الحوثي شمال اليمن ثم استعصت المشكلة وتفاقمت الأزمة بسبب الإمعان والتقلب في الحلول التي تراها الدولة, والتي ركزت مع بداية التمرد على الحل العسكري, ثم انتقلت إلى الحل السياسي والمفاوضات. وبين هذه الحلول والإمعان استمرت المواجهات ومسلسلات العنف المشتعلة بين طرف الدولة والقبيلة, وطرف التمرد الحوثي, لكن ذلك أطال أمد الحرب من هدنة إلى هدنة, ومن مفاوضات إلى أخرى. كما جعل التمرد الحوثي يشعر بالقوة لاكتسابه الأرض على حساب تردد الدولة والنظام في اتخاذ تدابير وحلول سريعة وحاسمة لمثل هذا التمرد. لا شك أن اليمن واحدة من العديد من البلدان في الشرق الأوسط، التي تخضع للسباق الخارجي, حيث أصبحت إيران والمملكة العربية السعودية طرفا لتأجيج الأوضاع وزيادة التوترات الطائفية. ولأسباب داخلية وإقليمية، يحاول السعوديون نشر النسخة الوهابية للإسلام في جميع أنحاء اليمن. وبالمثل، ترى إيران نفسها على أنها حامية لجميع الشيعة وتسعى للتفرد بالهيمنة الإقليمية. إيران دعمت الحوثيين، وهي جماعة شيعية زيدية في اليمن. وقد أدى ذلك إلى اشتعال استمرار القتال الطائفي في دماج حيث قتل أكثر من 120 شخصا بالفعل. من جانب آخر يتهم المقاتلون الحوثيون السعودية بتزويد السلفيين بالسلاح والمقاتلين الأجانب في محاولة للقضاء على المذهب الشيعي الزيدي. وبالمثل، فإن السلفيين يتهمون إيران بدعم الحوثيين لمكافحة الهيمنة السنية في المنطقة. كجزء من مسابقة إقليمية بين إيران والمملكة العربية السعودية، تقدم هذه البلدان الدعم للجماعات الدينية والعرقية المختلفة وقد حرض ذلك في ظهور وتفشي التقسيم الطائفي الشديد في جميع أنحاء اليمن. أكثر من عامين من عمر الانتقال في اليمن وخلال هذه المدة الزمنية المليئة بالصراعات والحروب, لم تظهر سوى فقط قوى إقليمية تتنافس على النفوذ في اليمن. وقد أثبتت الولاياتالمتحدةوفرنساوالصينوروسيا الرغبة في تعزيز مصالحها الخاصة وتقديمها على مصلحة اليمنيين. وعلى الرغم من المبادرة الخليجية التي تكفلت بمهمة نقل السلطة سلميا, والتي تقودها دول مجلس التعاون الخليجي، إلا أن التركيز الأساسي للولايات المتحدة لا يزال يتمحور على جانب مكافحة الإرهاب. ويهدف البرنامج الأمريكي- طائرة بدون طيار- إلى تعطيل إمكانيات فرع تنظيم القاعدة في اليمن وشبه الجزيرة العربية, ولعل الدور الإضافي الذي نلمحه للولايات المتحدة في اليمن يتضمن الاهتمام بإصلاح وتحديث قطاع الأمن لما له من أهمية تتعلق بمكافحة الإرهاب أيضا. وعلاوة على ذلك، بالنسبة للسكان اليمنيين, فالغالبية منهم ترى أن برنامج طائرات بدون طيار الأمريكي, ينزع الشرعية فقط عن الرئيس عبد ربه منصور هادي ويقلل من شعبية الحكومة المؤقتة. وبعد الضربات الأخيرة للطائرة الأمريكية بدون طيار ساد البرلمان اليمني الشعور بالتذمر والإحباط ومن خلال تصويت غير ملزم أقر المجلس بالتصويت على ضرورة إنهاء هجمات الطائرات بدون طيار. مثل الولاياتالمتحدة، بدأت فرنسا السعي في الاستثمار التدريجي فيما يخص قطاع الأمن والجانب الأمني في اليمن . ويعتبر التدخل العسكري الفرنسي جزء من نمط أوسع نطاقا من محاولات الفرنسيين إعادة الارتباط في جميع أنحاء الشرق الأوسط. وقد شمل ذلك تقديم المساعدة والدعم للإطاحة بنظام معمر القذافي في ليبيا، ومساهمتها في حشد وإرسال عدد من القوات لدعم حكومة مالي ضد المتشددين الإسلاميين, بالإضافة إلى قيام فرنسا بتقديم الدعم العسكري للحكومة العراقية من أجل مكافحة ارتفاع الإرهاب. أما بالنسبة لليمن، فقد نسق خفر السواحل اليمنية مع القوات الفرنسية في إجراء مناورات عسكرية مشتركة في خليج عدن. وبالمثل، استثمرت الصين التحول الديمقراطي في اليمن كوسيلة لتعزيز وجودها في المنطقة. وتسعى الصين إلى التحرك سياسيا واقتصاديا بمحاذاة الدول الواقعة على البحر الأحمر وخليج عدن. الرئيس الصيني شي جين بينغ منح مؤخرا اليمن 100 مليون يوان صيني، بالإضافة إلى تقديم الحكومة الصينية 50 مليون لوزارة الدفاع اليمنية, وقرض آخر بدون فوائد بلغ 200 مليون دولار. وكان الرئيس هادي عقب زيارته إلى الصين، قد قدم خطة من شأنها توسيع موانئ عدن والمخا بتكلفة 508 ملايين دولار، وبناء العديد من محطات توليد الطاقة الكهربائية في جميع أنحاء البلاد. وأملا في ممارسة تأثير إقليمي أقوى، تصر روسيا على زيادة وجودها الدبلوماسي في اجتماعات رسمية مع كل من حكومة الرئيس هادي أو غير رسمية مع الحراك الجنوبي الانفصالي. ويبدو أن الطموح الروسي يسعى إلى ضمان عمل اتفاق مع جنوباليمن يسمح له بعبور الممرات المائية بشكل آمن من أجل نقل البضائع الروسية من دون الخوف من انعكاسات حالات العنف والصراعات الجارية بين الفصائل اليمنية. مع استمرار العنف مؤخرا بين الحوثيين وقوات الجيش والقبائل السلفية في الشمال, والتوسع المستمر لتنظيم القاعدة في جزيرة العرب في محافظاتجنوباليمن -على الرغم من جهود الولاياتالمتحدة في حربها ضد القاعدة- إلا أنه من الواضح أن معظم التدخل الدولي في المرحلة الانتقالية لم يجلب لليمن سوى المزيد من الاضطرابات في بلد مقسمة داخليا وتعاني أشد حالات فقر الدم الاقتصادي. التدخل الدولي، سواء كان سريا أو صريحا للغاية، إلا أنه ألهب الخطاب الطائفي وفكك سلطة الدولة، كما ساهم في تعثر التحول السياسي. ماذا يفيد الحديث عن المثل العليا والشروط الأخلاقية والإنسانية التي يجب أن تستند إليها القوى الدولية في دعم التحول الديمقراطي في اليمن؟ ماذا تبقى من هذه المساندة كفاعلية للتجديد, وكمركز ينبثق منه مشروع بناء الدولة الخالية من العنف والصراعات لضمان استقرار المنطقة والعالم؟ إن الدور الرائد الذي انتظره اليمنيون من القوى الدولية ربما نراه أخيرا في سبيله إلى استنفاد دوره وصلاحيته لأسباب لا حصر لها, ليس أقلها تأكيد التناقض المباشر بين الدور والهدف لنيل المصلحة الذاتية, وهو جانب يفقد "دور القوى الدولية" أي معنى منطقي كان لها في السابق. ومع ذلك فإن الحقائق التي عرضها التقرير تجعلنا في غاية الاعتقاد أن مشروع التحول الديمقراطي والدولة المدنية لم يعد موكولا لأي قوى دولية كانت أو إقليمية, بقدر ما هو موكل لليمنيين أنفسهم وإن لم يكن ذلك فسيكون أمر هذا التحول موكلا للتاريخ. كذلك يبقى الحديث بعيدا عن ما جاء في هذا التقرير – بصدق الدور الموكل إلى القوى الدولية إلى جانب اليمن- لا يزال يحمل قدرا من الآمال حتى وإن لم يعد يمكننا التعرف على حقيقة هذا الدور. ومن أجل تحقيق الأمن والسلام في اليمن، ينبغي على القوى الدولية إعادة تركيز أولوياتها لضمان التنفيذ الكامل لمخرجات الحوار الوطني, وتجنب مساندة مصالح طرف واحد, الذي سيؤدي حتما إلى منع نجاح عملية الانتقال السياسي.. هامش: غابرييلا نصيف- سيث دبليو بيندر /صحيفة ذي آتلانتك -غابرييلا نصيف مراسل صحيفة الأطلسي بوست، ومقرها في واشنطن، سيث دبليو بيندر, صحفي متدرب في مشروع السياسة في الشرق الأوسط ومركزه في واشنطن. *صحيفة الناس