بدأت ثورة الربيع العربي في اليمن عام 2011 من خلال نواة من الشباب والشابات، وهم مزيج من الاشتراكيين والعلمانيين والإسلاميين المعتدلين. وفي "ساحة التغيير" في العاصمة، أطلق هؤلاء اعتصامهم الاحتجاجي، والذي كان حركة رومانسية، وحالمة، تسعى لإنهاء حكم المستبد علي عبد الله صالح لمدة 33 عاماً، وتحويل أفقر دولة عربية إلى مجتمع ديمقراطي حديث. لكن، وبعد ما يقرب من أربع سنوات، اليمن في فوضى. لقد سيطر المتمردون الشيعة على العاصمة. صالح هو خارج السلطة، ولكنه لا يزال قوياً مع غرسه للموالين له في المشهد السياسي والعسكري. فرع تنظيم القاعدة في البلاد يشن هجمات قاتلة في صنعاء. ومحاولات الإصلاح الحقيقي في حالة من الفوضى. نشطاء الانتفاضة الأولى ينظرون إلى الوراء في محاولة لتحديد ما حدث من خطأ، وكثير منهم يشير إلى سلسلة من الأخطاء، بدءاً بسيطرة فرع جماعة الإخوان المسلمين في البلاد، حزب الإصلاح، على حركة الاحتجاج، وهو ما حول الثورة إلى صراع على السلطة بين صالح والإسلاميين المحافظين والأقوياء. والآن، يقول المتمردون الحوثيون الشيعة الذين وصلوا إلى صنعاء الشهر الماضي إنهم فعلوا ذلك لكسر احتكار التجمع اليمني للإصلاح للسلطة. وقال ماجد مذحجي ، وهو ناشط شارك في الانتفاضة مبكراً والآن محلل سياسي: "لقد أخذت الثورة في اتجاه مختلف، واستخدمت من قبل حزب الإصلاح للتفاوض مع صالح على حساب التطلعات الأساسية". ويضيف: "كان هناك فرصة لتصحيح الخطاب السياسي في اليمن، وتحقيق الانتعاش على المدى الطويل، ولكن تم أخذ هذه الفرصة بعيداً. وانظر أين نحن الآن". وهذا الموضوع يسمع في كثير من البلدان التي شهدت انتفاضات مؤيدة للديمقراطية ضد المستبدين في 2011. في معظم هذه الانتفاضات، انضم الإسلاميون إلى الثورات التي قادها نشطاء لم يكن لديهم قضية مشتركة معهم. وبسبب أن تنظيماتهم أقوى، سيطر الإسلاميون على هذه الحركات، وبرزوا كأقوى اللاعبين بعد سقوط الحكام المستبدين، وهو ما خلق فقط ردود أفعال معاكسة وسريعة، رمت بهذه البلدان إلى مزيد من الاضطراب. وفي اليمن في عام 2011، الأيام "البريئة" لانتفاضة الناشطين الشباب استمرت أقل من شهر قبل أن ينضم إليها التجمع اليمني للإصلاح، وحليفه الجنرال علي محسن الأحمر، قائد فرقة مدرعة النخبة، والذي لديه صلات قديمة مع المتطرفين الإسلاميين المسلحين. وطغى مال الإسلاميين وجبروت الجنود بسرعة على النشطاء الأصليين. وزاد عدد المتظاهرين، وأصبحت الخيام أكبر، وأصبح هناك شبكة توزيع معقدة للغذاء والماء، وقام الجنود المسلحون بحراسة الاعتصام. وبعد فترة وجيزة، أصبحت الانتفاضة السلمية حرب شوارع بين الموالين لصالح وجنود الأحمر، حيث بدأت المعارك بالصواريخ وقذائف المورتر والمدافع الرشاشة في صنعاء. وانتهت الانتفاضة في أواخر عام 2011 مع اتفاق بوساطة دول الخليج، وبرعاية المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، أجبر صالح على التنحي، ولكن ضمن له الحصانة من الملاحقة القضائية. وأعطي حزبه الحاكم نصف مقاعد مجلس الوزراء الجديد، تقاسمها مع حزب الإصلاح، وبقيادة نائب الرئيس السابق، عبد ربه منصور هادي. ويسمح الاتفاق أيضاً لأعضاء أسرة صالح بالاحتفاظ بمناصب رئيسة في الجيش وقوات الأمن، وهو ما أدى بفعالية إلى إدامة قبضة القوى التقليدية في اليمن، وهي صالح، التجمع اليمني للإصلاح والميليشيات المسلحة المتحالفة معه، وزعماء القبائل القوية والجيش. وعاد الثوار الشباب إلى منازلهم مع حقيقة أن التغيير الحقيقي لا يزال حلماً، وليس واقعاً. وقال المحلل البارز منصور هايل: "تمتد جذور مشاكل اليمن الراهنة إلى فقدان الخطاب الشامل والوطني من قبل القوى التي ظهرت بعد ثورة عام 2011، مثل التجمع اليمني للإصلاح". وأضاف: "لقد أخذت السياسة المقعد الخلفي وحلت محلها الميليشيات المسلحة. نحن ننظر إلى مستقبل من الفوضى الدموية". ومنذ ذلك الحين، لعب صالح دور المفسد في صنعاء، وذلك باستخدام الموالين له لتقويض هادي والعملية الانتقالية. بينما قام الإصلاح بالاستيلاء على المزيد والمزيد من المناصب الرئيسة في المؤسسات الحكومية والخدمة المدنية والدولة، والاستمرار في بناء الميليشيات المسلحة. وفي الوقت نفسه، تم تهميش فصيل رئيس، وهو المتمردون الشيعة الحوثيون، ولم يعط وظيفة واحدة في مجلس وزراء هادي. اشتبكت هذه القوة المتمردة مع حكومة صالح ست مرات في معاقلها شمال البلاد منذ منتصف العقد الأول من الألفية الثانية. ومنذ عام 2011، كانت تقاتل أساساً كبار منافسيها في ميليشيات حزب الإصلاح ورجال القبائل المتحالفة معها. وحتى بينما كان يتقاتلون، كان الحوثيون والتجمع اليمني للإصلاح يجلسون على طاولة واحدة مع الفصائل الأخرى في "الحوار الوطني" بزعامة هادي، بهدف رسم مستقبل البلاد. الحوثيون كانوا نشطين بشكل خاص في الحوار، وضغطوا لإقامة نظام علماني. وقالت سارة جمال، وهي ناشطة بارزة ورمز لانتفاضة عام 2011: "جلس الحوثيون مع الإصلاح على طاولة واحدة في فندق خمس نجوم لمناقشة مستقبل اليمن، بينما كان مؤيدوهم يقاتلون بعضهم البعض". وأضافت: "غالباً ما بدى الحوار غافلاً عما يجري حوله في البلاد، وعن الأشياء التي كانت تغيير على الأرض". وأخيراً، وبعد سنة من العمل، أعلن الحوار خطته، وسوق لها في حملة وطنية من الإعلانات التلفزيونية واللوحات الإعلانية في الشوارع، معتبراً أنها بمثابة خارطة طريق لمستقبل اليمن وازدهاره، حيث ستعم المشاركة السياسية، والمساواة الاجتماعية والاقتصادية. ويقول الحوثيون إن المقصود من استيلائهم على صنعاء في 21 سبتمبر هو إنقاذ تلك الخطة، التي لا ينوي الإصلاح تنفيذها. مقاتلو الحوثي هزموا مقاتلي حزب الإصلاح بعد أسابيع من القتال، واستولوا على جزء كبير من شمال البلاد أيضاً. ولكن جمال، ونشطاء آخرن، يخشون من أن استيلاء الحوثيين ليس سوى بداية لمزيد من العنف بين المتمردين والإصلاح. وقالت سارة: "هزيمة الحوثيين للتجمع اليمني للإصلاح وميليشياته لا تعني نهاية التجمع اليمني للإصلاح. هناك قاعدة شعبية ضخمة موالية لهذا الحزب، وهي تنتظر عودته إلى الكفاح".