لا نكتب من باب التشفي أو الشماتة فذلك ليس من أخلاقنا ولا من شيمنا، فنحن بشر ونحب الخير لعموم الناس، ولكن حين تتعلق الأمور بالطبيعة والهجمات المباغتة التي قد تقوم بها هنا أو هناك، فليس في وسع الإنسان إلا أن يقول لا حول ولا قوة إلا بالله، لأنه وعلى الرغم من كل التقدم الذي وصلت إليه البشرية، إلا أنها لا تزال تقف عاجزة عن مواجهة بعض الأخطار التي قد تنجم عن الزلازل، والبراكين، والأعاصير وما يمكن أن تتركه خلفها من كوارث وأضرار ودمار. ثماني ولايات أمريكية تواجه في هذه الأوقات الهجمات التي يشنها عليها وعلى سواحلها وشواطئها الإعصار «ساندي» الذي أطلقوا عليه اسم «العاصفة الوحش»، وإذا كانت الأرقام لا تعني شيئا أمام شدة وقوة هذا الإعصار وما سينجم عنه من خسائر مادية وبشرية، إلا أن بعضها يحمل معاني ودلالات كثيرة وعميقة، وعلى الأخص حين يتعلق الأمر بالولاياتالمتحدة ومجتمعاتها، وما وصل إليه مواطنوها من مستوى متقدم للحياة والعيش. أكثر من خمسين مليون أمريكي سوف يعيشون ولو لبضعة أيام بلا كهرباء، وبلا مواصلات واتصالات، وبدون شبكة عنكبوتية؛ لأنهم بطبيعة الحال سيكونون في ملاجئ الحماية، أوسيفرون إلى مناطق بعيدة عن ساحة المعركة التي فرضتها عليهم العاصفة المتوحشة «ساندي»، وإلى جانب ذلك فإن «وول ستريت» سوف تضطر إلى إغلاق أبوابها، الأمر الذي لم يحدث منذ قرابة الثلاثين عاما، والحملة الانتخابية الرئاسية ستتوقف مؤقتا لأن الرئيس المرشح أوباما سيكون منشغلاً بمتابعة تطورات الأوضاع ومستجداتها، ناهيك عن التقديرات الاقتصادية للخسائر المادية التي قد تتجاوز العشرين مليار دولار. العدو هذه المرة ليس الإرهاب، وليسوا العرب أو المسلمين، وليست القاعدة والتنظيمات الأصولية المتطرفة كما يحلو لهم تسميتها، لأن اللذين يقودان الحملة والهجوم على ولايات الساحل الشرقي هما الهواء والماء، فالاضطراب في العلاقة الطبيعية الداخلية فيما بينهما يؤدي إلى تكون ظاهرة الإعصار أو «التسونامي» الذي قد يدمر كل ما يعترض طريقه إذا ما ثار وانفلت من عقاله. الإعصار «ساندي» هو «الكاندي» الذي قررت الطبيعة تقديمه لسكان الولايات الواقعة ضمن جبهة الاشتباك، والكاندي باللغة الأجنبية هي أصناف من السكاكر والحلويات التي غالباً ما تعطى للأطفال الصغار الذين اعتادوا الإستسلام أمام لذتها ومذاقها الحلو، بالمقابل فها هي القوة الأمريكية التي أرعبت العالم تستسلم هي الأخرى أمام «كاندي» الطبيعة، بل تقف عاجزة تماماً عن المواجهة بهدف الدفاع عن ولاياتها وسواحلها وعن من يسكن فيها. الشلل هو العنصر المسيطر على كل لقطات المشهد، وكل الأسلحة التقليدية وغير التقليدية التي تتباهى بامتلاكها أمريكا ها هي تتحول أمام غضب الطبيعة إلى دمى وألعاب صغيرة لا تقوى على فعل شيء، وجنود المارينز الذين لا يقهرون يتحولون إلى معبئين لأكياس الرمل لاستخدامها كسواتر للحماية على أمل أن تساعد في الحد من ضربات «ساندي» التي لا ترحم. في الماضي القريب وعلى زمن الراحل بوش الصغير تأخرت الأمطار في السقوط على العاصمة واشنطن، وعملا بالغطرسة والعنجهية والكبرياء الأمريكي الفارغ، فقد أرسل بوش الصغير رسالة تهديد إلى السماء محذراً إياها من خطورة ما سيحدث لها إن هي حبست الأمطار عن سماء العاصمة، وأبدى استعداده لشن الحرب عليها وقصفها بشتى أنواع الصواريخ، ما هو الطريق الذي سيسلكه أوباما الذي قد يرحل عن كرسي الرئاسة تاركاً اياه لمنافسه المرشح رومني؟ وإلى أين سوف تتجه أبصاره؟ نرجو له أن يكون متواضعا وأقل حماقة من سلفه المجنون الذي رحل! لكننا وبقلوب مؤمنة بكل قرارات السماء العادلة التي لا تهبط على الأرض جزافاً، ندعو ونبتهل إلى الله في علاه أن يلطف بالولايات المنكوبة وبسكانها، وأن يهون عليهم غضب الطبيعة التي لا تتحرك ولا تثور إلا بموجب أوامره ونواهيه، وبالكلام «المكتوم» في الصدور، والصمت «الناطق» على رؤوس الألسن، نسأل الله أن يساعد شعب الولايات لكي يستلهم من هذه المصائب والكوارث العبر والدروس. ونتأمل أيضا من هذا الشعب أن يستوعب ويدرك أن حكومات بلاده الحالية والسابقة ارتكبت وترتكب من خلال سياساتها الظالمة واللاإنسانية ما هو أكثر فضاعةً وأشد إجراماً بحق العديد من شعوب ودول العالم، كما أن عليه أن يعي بأن حكومات بلاده المتعاقبة قد أزهقت وقضت على أرواح الملايين من أبرياء وبسطاء هذا العالم والذين لهم كامل الحق في الحياة، والشواهد على ذلك هي أكثر من أن تعد أو تحصى، نقول ذلك ونحن نرجو أن يكون «كاندي» الطبيعة للولايات المتحدة أقل ضرراً في المرات القادمة، وعلى أمل أن تكون وحشية أمريكيا على الأرض قد رحلت مع رياح «ساندي»!