إذا صح توصيف ما يدور في اليمن بأنه انقلاب الحوثيين "أنصار الله" على الشرعية، فإن الترجمة السياسية لهذه الخطوة تعني سقوط اليمن في قبضة إيران. ولهذا التطور المهم مفاعيله الاستراتيجية على معادلة الصراع الإقليمي في المنطقة. دول الخليج العربي، والسعودية على وجه التحديد، أكثر الأطراف تأثرا بهذا التحول. غير أن اللافت في ردود الفعل هو موقف السعودية وشقيقاتها في مجلس التعاون الخليجي من التطورات في اليمن. ففي اليومين الأخيرين اللذين شهدا تطورات دراماتيكية متسارعة في صنعاء، انتهت باستيلاء الحوثيين على القصر الرئاسي والمؤسسات السيادية، لم يصدر أي تعليق رسمي من العواصم الخليجية، يوحي بقلق حكوماتها من هذه التطورات (مساء أمس تداعى مجلس التعاون لاجتماع طارئ). بالنسبة للرياض، كانت اليمن خطاً أحمر، لا يمكنها أن تقبل بتحوله إلى ساحة نفوذ إيراني. وقبل سنوات قليلة، دخلت السعودية في مواجهة مسلحة مع الحوثيين، عندما اقتربوا من المناطق المحاذية لحدودها. اليوم، يدخل الحوثيون صنعاء ولا تحرك الرياض ساكنا، خلافا لما فعلت عندما شعرت بخطورة الموقف في البحرين قبل أكثر من ثلاث سنوات؛ فاستبقت التطورات بإرسال قواتها إلى شوارع المنامة. غموض الموقف الخليجي من التطورات في اليمن يثير أسئلة كثيرة، ولا يُعرف إن كان له صلة بالموقف الأميركي الذي يتسم بعدم المبالاة. فواشنطن اكتفت بإرسال بارجتين عسكريتين لمياه البحر الأحمر لنقل الدبلوماسيين الأميركيين في حال تعرضهم للخطر. الاهتمام الأميركي لا يتعدى هذا البعد الضيق، رغم معرفة واشنطن الأكيدة بأن التطورات الأخيرة في اليمن تصب في مصلحة طهران. هل يمكن اعتبار التجاهل الأميركي لأحداث اليمن جزءا من تفاهمات أوسع مع إيران؟ وإذا كان هذا التقدير صحيحا، فهل السعودية شريكة في هذه الترتيبات؟ من المستبعد أن يكون الأمر على هذا النحو، بالنسبة للسعودية على أقل تقدير. فسقوط اليمن في قبضة إيران، ودخول البلاد في حرب أهلية، وصولا إلى تفككها، يضرب نظرية الأمن القومي السعودي والخليجي في الصميم، ويجعل أمن المملكة مكشوفا من كل الاتجاهات. لكن ثمة رأي آخر يرى في الموقف الخليجي تجاه اليمن دليلا على عجز المنظومة الخليجية عن مجاراة التطورات المتسارعة. فالانشغالات المتعددة بأكثر من ملف داخلي وإقليمي، شلت قدرة الدبلوماسية الخليجية المتثاقلة والبطيئة أصلا، وحالت دون قدرتها على التحكم بالتطورات في اليمن، أو السيطرة على مخرجات الأزمة المتدحرجة منذ أشهر. بيد أن التخلف عن مواجهة الأزمة اليمنية في أطوارها الأولى، سيرتب على الأطراف المعنية؛ إقليميا ودوليا، كلفة أكبر في المستقبل. اليمن لن يستقر على هذه الحال، والمؤكد أن سيطرة الحوثيين على مقاليد السلطة ستعطي لتنظيم "القاعدة" دورا أكبر في المشهد اليمني، وربما تصبح هذه الجماعة المتطرفة هي ملاذ أوساط يمنية واسعة في مواجهة سلطة محسوبة على التيار الشيعي. ذلك يعني، ببساطة، تحول اليمن إلى ساحة جديدة من ساحات المواجهة مع التطرف. وقد لا يمر وقت طويل قبل أن نسمع عن ولادة فرع لتنظيم "داعش" في اليمن؛ فنكون أمام مشهد سوريالي بحق في المنطقة، تقبض فيه قوى التطرف على مفاصل العالم العربي من كل أطرافه، وتوصل حدوده المائية ببعضها، بعد أن فتحت من قبل حدوده البرية على مصراعيها. قريبا سنلتقي في حرب جديدة ضد الإرهاب في اليمن.