قرر المدير كعادته كل عدة سنوات، إجراء تقييم لمعرفة مستويات الطلبة في مدرسته. اجتمع بالمعلمين، وأخبرهم بذلك. اجتمع المعلمون، ووضعوا أسس ومعايير التقييم، ووضعوا الاختبارات المناسبة، وحددوا موعد الاختبار، وأبلغوا الطلبة للاستعداد. قبيل موعد الاختبار، سرب المعلمون أسئلة الاختبار لعدد معين من الطلبة مقابل مبالغ مالية، ومجانا لأقربائهم، وفي يوم الاختبار، تغاضى المعلمون عن عدد آخر من الطلبة استخدموا أنواعا مختلفة من آليات الغش، مقابل مبالغ مالية، ومجانا لأقربائهم. انتهى الاختبار، وتم تصحيح الأوراق، ورفعت النتيجة إلى المدير. تصدر المراكزَ الأولى الطلبةُ الذين اشتروا الأسئلة، والطلبة الذين مارسوا الغش بشكل رسمي، وأولئك الذين يمتّون بصلة قرابة لأحد المعلمين. على أن القوائم لم تخل من بعض الطلبة الجادين المجدين الذين رفضوا شراء الأسئلة أو ممارسة الغش. الطريف في الأمر، أن الطلبة وأولياء أمورهم والمعلمين يعلمون أن المدير لديه علم بكافة تصرفات المعلمين اللاأخلاقية، لكنهم منقسمون، بين من يعتقد أن ما يتم من تصرفات هو بأمر من المدير، أم بعلمه فقط، أم أنه لا يقبل هذه التصرفات لكنه لا يستطيع منعهم؟. لا أحد من الطلبة يستطيع الاعتراض على النتيجة، فمصيره الحجز في «غرفة الفئران»، أو الطرد. والمدرسة هي الوحيدة في البلد. تجرأ أحد الموظفين يوما، ودخل على المدير، وقال له: يا سعادة المدير، أنت تعلم أن الاختبارات التي نجريها لمعرفة مستويات الطلبة، تتسرب لعدد معين منهم يتصدرون دائما القوائم، لماذا لا تختار أنت الطلبة المتفوقين، ونوفر على مدرستنا الوقت والمال؟. يا غبي، قال المدير، وأضاف: الوزارة تطلب منا عقد هذه الاختبارات، قلت لهم أكثر من مرة أنني أعرف طلابي، وأعرف من سيتصدر القوائم، لكنهم يقولون لي، لدينا اسس نلتزم بها، وإذا اردت مساعدات لمدرستك، وإذا أردت أن تكون مدرستك ضمن منظومة مدارسنا المنتشرة في بلدان عديدة، فعليك الالتزام بهذه الأسس، ومنها إجراء الاختبارات لمعرفة مستويات الطلبة لديك. قال الموظف: يا سعادة المدير، إذا كانوا يريدون ذلك، فلماذا لا نجري اختبارات حقيقية، ونعرف مستويات الطلبة الحقيقية، فأنت تعلم يا سعادة المدير، أن الطلبة الذين يتصدرون قوائم مدرستنا، لا يجلبون لنا سوى الفضائح والكوارث؟. رد المدير: أليس لك عيون، ألا ترى أننا نجري اختبارات؟ وهؤلاء يتصدرون، وهذا حقهم. استجمع الموظف قواه، وبلع ريقه الذي جف وقال: يا سعادة المدير، هل كذبت الكذبة وصدقتها؟. استشاط المدير غضبا، وصرخ في وجه الموظف: انقلع يا قليل الأدب. انقلع الموظف وهو يتحسس رأسه، وباله مشغول على مستقبل المدرسة، ويفكر، ما الحل إذا؟!.