خرج الطفل ذي العشر سنوات من مدرسته وهو ينادي لزملائه الذين سبقوه بالخروج من المدرسة بعد أن أكملوا اختبار مادة ذلك اليوم من أيام امتحان نصف العام الدراسي الطفل كانت السعادة كبيرة على محياه وهو ينادي زملاءه ويقول لهم «الاستاذ غششنا» هذه العبارة استوقفتني كثيراً واصلت السير في طريقي وأنا أفكر ببراءة التلميذ وبعظم الجرم الذي صنعه ذلك المدرس الذي دمر حياة الطفل من الآن وهو مايزال في مراحل التعليم الأولى. الطفل ببراءة يردد بملء فيه في الشارع «الأستاذ غششنا» بمعنى أن الأستاذ سهل له عملية الاجابة على الاختبار فأجاب عنه وكأنه في مسابقة عامة يمكن للتلميذ أن يستعين بصديق على غرار مسابقة من سيربح المليون،المدرس الذي يؤسف لتصرفه ذلك لم يدر أنه بذر بذرة الشر التي لن تمنحى من عقل ذلك الطفل إلا بعد أن يتم إجراء غسيل مخ له وتعريفه بخطر الغش ونبذ ديننا له في كل شيء حتى لو كان في الاجابة على جملة واحدة فمن يغش في الاختبار سهل عليه أن يغش في أشياء كثيرة. قضية «الغش»أصبحت قضية شائكة اليوم حيث تحول «الغش»من موضوع مرفوض شكلاً وموضوعاً إلى قضية ضرورية الكل يناضل من أجل استخدام الغش لتحقيق كثير من المصالح بل وأصبح له جنود وأعوان ومنفذون من المعلمين والمعلمات والمدراء والوكلاء والشخصيات والوجاهات وصار هدفاً الكل يلهث وراءه لتحقيق مارب شخصية سواء في واقع الطلاب أو واقع المجتمع. وبالتالي فقد صار مستعصياً كثيراً على المختصين الغيورين على مصلحة البلد والجيل بأكمله أن ينهوا الظاهرة ويعالجوها بطرق سريعة مالم تكن هناك أهم وسيلة للقضاء على الغش وهو أن تستشعر الأسرة خطر الغش على الطالب وهو يؤدي الامتحان وبالتالي توضيح الخطر الذي ينتظره بعد أن ينهي دراسته حيث سيكشف أمره في الواقع وسيعريه المجتمع بما لديه من هشاشة في التفكير وضحالة في العقل لأن أساسه الذي قام عليه كان كله «غش في غش» فالأسرة هنا ينبغي أن يتجلى دورها حتى لو خسر ولدها أو ابنتها النجاح المهم انه قد غرست في عقولهم فكرة سليمة أن «الغش» مدمر لكيان وبنية المجتمع فعندما يعرف ذلك الجميع نتوقع أن تكون النتائج إيجابية على أرض الواقع حيث سيحارب الجميع «الغش» ولن يسمحوا بالغش أن يكون معياراً للنجاح والتفوق بل سيصبح أمام الجميع أن يبادروا إلى الجد والاجتهاد والعمل الجاد من أجل تحقيق النجاح والتفوق بطرق مشروعة ومقبولة ديناً وعرفاً. «الأستاذ غششنا» لاتزال تحز في النفس كلما تذكرتها وأتساءل هل هناك من سيحاسب مثل هذا المدرس لو عراه الطفل أكثر وكشفه أمام زائر أو موجه يزور تلك المدرسة أو حتى لو سمعت إدارة تلك المدرسة ذلك الكلام من الطالب هل سيتخذ بحقه شيئاً؟ هذه مشكلة أخرى يعاني منها التعليم وهي أنه لايحاسب من يسيء إلى التعليم ولايحاسب من يرتكب مثل تلك الحماقات بحق الطلاب وبحق المجتمع كله بل وبحق الوطن فكم من معلم اليوم يجاهر بممارسة الغش أمام الطلاب وكم من مدير مدرسة اليوم أيضاً يجاهد ويجري من أجل طلاب مدرسته تكون نتائجهم كلها نجاح بل ومتفوقين أوائل حتى لو كان ذلك على حساب القيم والمبادئ والأعراف والدين المهم أن يصل إلى الهدف حتى ولو بالغش. وماقضايا الاعتداءات التي يتعرض لها كثير من الشرفاء الرافضين لممارسة الغش في الامتحانات إلا دليل واضح على الفجوة اليوم بين التعليم والمدرسة والأسرة والمجتمع فمن يقاوم الغش ومستخدموه يجابه بالضرب واللعن والسب وربما تصل إلى القتل في بعض المدارس وكله لأن المجني عليه حاول منع الغش في القاعة أو سحب برشام على ابن الشيخ الفلاني أو الفتوة العلاني من الطلاب. «الأستاذ غششنا» أي أستاذ هذا الذي قتل روح الابداعي ورح السعي نحو التفوق بجهد وعرق ذلك الطفل وأي جريمة ارتكبها بحق براءة الطفل الذي ينظر إلى الحياة أنها نظيفة خالية من الشوائب والسلوكيات الحسنة؟ أي أستاذ هذا الذي دمر عقل الطفل وجعله لايفكر بأن الغد يحتاج إلى تفكير وتخطيط لتجاوز عقباته بنجاح صحيح الخطى وليس بالغش؟أي أستاذ هذا الذي سيواجه الطفل في اليوم التالي ويقابله على انه معلم وقد اهتزت شخصيته في عقل الطالب الذي ساعده على الغش وهل سينظر إليه الطفل على انه معلم صحيح أم سيجعله في خانة المعلم «الغشاش»؟ ختاماً الغش ظاهرة خطيرة استفحلت في المجتمع وصار رماد نارها كثيف فمن سيزيحه عن عيوننا لنرى جيل صحيح العقل يفكر باليمن ويفكر بأمته ويبنى مجده بناء سليم قائم على أسس وأعمدة صحيحة فوق أرض صلبة قوية؟ ورسالة قصيرة للأسرة أن تتنبه لبعض الممارسات التي يتعلمها الطالب من بعض المعلمين الذين لاتزال ضمائرهم نائمة ولن تصحو إلا يوم أن يقع السقف عليهم وتباغتهم يد الحساب والعقاب،وليكن خير للطالب الرسوب بشرف بدلاً من النجاح بغش. وااااااااااأسفاااااااااااه على وجود مثل «الأستاذ غششنا» وياحسرتنا على جيل ينظر إلى الغش انه سلوك مشروع.