الخطوة التي أقدم عليها الحوثيون في اليمن أول أمس (الجمعة) هي المكملة لانقلاب تام على الدولة والشرعية والسلطة القائمة المنبثقة عنها . هذا الانقلاب وإن تم بالتدريج والتقسيط المريح، فهو انقلاب كامل المواصفات يحمل كل صفات الانقلاب من سيطرة على الجيش والشرطة ومؤسسات الدولة وفرض الأمر الواقع بالقوة القهرية، وإعلان الاستيلاء على السلطة، وإصدار "البيان الأول"، وحل مصادر الشرعية القائمة وهي هنا الرئاسة والحكومة والبرلمان، وإنشاء شرعية جديدة . مجلس قيادة الانقلاب هو "اللجنة الثورية" لما يسمى "ثورة 21 سبتمبر"، التي آنست أن تصدر البيان الأول من القصر الرئاسي في شكل "إعلان دستوري" ينظم قواعد الحكم، من إنشاء مجلس وطني انتقالي، يحل محل البرلمان القائم، وينتخب مجلساً رئاسياً خماسياً يكلف من يشاء برئاسة الحكومة . الجديد في الأمر أن كل هذه الخطوات لا بد أن تحظى بموافقة ومصادقة اللجنة الثورية، التي تتفرع عنها لجان ثورية في المحافظات والمديريات اليمنية . والجديد في الأمر أيضاً أن الانقلاب الحوثي خرج متدثراً بلباس غامض للتعمية على نواياه الحقيقية. فهو لم يخرج على الناس ببزة الجنرال، أو عباءة وعمامة الإمام . ولا هو انقلاب عسكري ولا هو ثورة شعبية، وحقيقة أمره أنه سطو علني مسلح على السلطة، بالتواطؤ مع الرئيس السابق علي عبدالله صالح "الراقص على رؤوس الأفاعي" وبطانته السياسية والعسكرية والأمنية التي يسرت للحوثيين الحفاة الذين لم يتخرجوا في كليات عسكرية أن يستولوا على معسكرات الجيش وأن يديروا أسلحة مدرعة وصاروخية معقدة . المضحك – كما في كل بيان أول لانقلاب كلاسيكي في الدول المتخلفة – في الإعلان الدستوري الحوثي الحديث عن فترة انتقالية من عامين للعمل على إنجاز استحقاقاتها من مرجعيتي الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة . وكل ما أقدم عليه الحوثيون يتناقض مع هذه المرجعية . فالأولى ارتضت الحوار والتوافق، والثانية أكدت على مبدئي السلمية والشراكة، والانقلاب حرب عليهما وقطع للطريق عليهما . الحركة الحوثية هي جزء من كل، وتتساوى في الحصص مع غيرها ولا تزيد عليها، وليس من حقها إذا كانت تختلف مع غيرها حول قضايا مثل تعديل الدستور أو الفيدرالية، أن تأخذ الأمر بيدها وأن تقسر الآخرين على أن يتبنوا ما تراه بالقوة. الوضع السياسي والأمني في اليمن شديد الحساسية، وأية خطوة غير محسوبة فيه ستزيد الأمور تعقيداً، وتدفع بلد الحكمة نحو هاوية الانقسام والاستقطاب والانشطار والاقتتال وربما الحرب الأهلية . صحيح أن الوضع في اليمن لم يكن مثالياً، ولكن كان هناك توازن الفوضى، والانقلاب الحوثي من شأنه الإخلال بهذا التوازن الهش والعجيب، وقطع الشعرة الدقيقة بين العقل والجنون والحكمة والحماقة . الأمر مريب، واليد على القلب، خشية على بلد حبيب وأهله على النفس .