خسائر في صفوف قوات العمالقة عقب هجوم حوثي مباغت في مارب.. واندلاع اشتباكات شرسة    من هو اليمني؟    الكشف عن حجم المبالغ التي نهبها الحوثيين من ارصدة مسئولين وتجار مناهضين للانقلاب    نهائي دوري ابطال افريقيا .. التعادل يحسم لقاء الذهاب بين الاهلي المصري والترجي التونسي    هاري كاين يحقق الحذاء الذهبي    نافاس .. إشبيلية يرفض تجديد عقدي    صحيفة إماراتية تكشف عن "مؤامرة خبيثة" لضرب قبائل طوق صنعاء    نهائي نارى: الترجي والأهلي يتعادلان سلباً في مباراة الذهاب - من سيُتوج بطلاً؟    دعاء يريح الأعصاب.. ردده يطمئن بالك ويُشرح صدرك    بعضها تزرع في اليمن...الكشف عن 5 أعشاب تنشط الدورة الدموية وتمنع تجلط الدم    توقف الصرافات الآلية بصنعاء يُضاعف معاناة المواطنين في ظل ارتفاع الأسعار وشح السلع    فرع الهجرة والجوازات بالحديدة يعلن عن طباعة الدفعة الجديدة من الجوازات    صحفي: صفقة من خلف الظهر لتمكين الحوثي في اليمن خطيئة كبرى وما حدث اليوم كارثة!    الكشف عن أكثر من 200 مليون دولار يجنيها "الانتقالي الجنوبي" سنويًا من مثلث الجبايات بطرق "غير قانونية"    دعوات تحريضية للاصطياد في الماء العكر .. تحذيرات للشرعية من تداعيات تفاقم الأوضاع بعدن !    لحوثي يجبر أبناء الحديدة على القتال في حرب لا ناقة لهم فيها ولا جمل    جريمة لا تُغتفر: أب يزهق روح ابنه في إب بوحشية مستخدما الفأس!    تقرير برلماني يكشف تنصل وزارة المالية بصنعاء عن توفير الاعتمادات المالية لطباعة الكتاب المدرسي    القبائل تُرسل رسالة قوية للحوثيين: مقتل قيادي بارز في عملية نوعية بالجوف    "لا ميراث تحت حكم الحوثيين": قصة ناشطة تُجسد معاناة اليمنيين تحت سيطرة المليشيا.    التفاؤل رغم كآبة الواقع    اسعار الفضة تصل الى أعلى مستوياتها منذ 2013    حملة رقابية على المطاعم بمدينة مأرب تضبط 156 مخالفة غذائية وصحية    الاستاذة جوهرة حمود تعزي رئيس اللجنة المركزية برحيل شقيقة    صحة غزة: ارتفاع حصيلة شهداء الحرب إلى 35 ألفا و386 منذ 7 أكتوبر    وزارة الحج والعمرة السعودية تطلق حملة دولية لتوعية الحجاج    وفد اليمن يبحث مع الوكالة اليابانية تعزيز الشراكة التنموية والاقتصادية مميز    الإرياني: مليشيا الحوثي استخدمت المواقع الأثرية كمواقع عسكرية ومخازن أسلحة ومعتقلات للسياسيين    الجيش الأمريكي: لا إصابات باستهداف سفينة يونانية بصاروخ حوثي    الهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد تصدر توضيحًا بشأن تحليق طائرة في سماء عدن    بمشاركة 110 دول.. أبو ظبي تحتضن غداً النسخة 37 لبطولة العالم للجودو    طائرة مدنية تحلق في اجواء عدن وتثير رعب السكان    توقيع اتفاقية بشأن تفويج الحجاج اليمنيين إلى السعودية عبر مطار صنعاء ومحافظات أخرى    أمريكا تمدد حالة الطوارئ المتعلقة باليمن للعام الثاني عشر بسبب استمرار اضطراب الأوضاع الداخلية مميز    فنانة خليجية ثريّة تدفع 8 ملايين دولار مقابل التقاط صورة مع بطل مسلسل ''المؤسس عثمان''    أثناء حفل زفاف.. حريق يلتهم منزل مواطن في إب وسط غياب أي دور للدفاع المدني    منذ أكثر من 40 يوما.. سائقو النقل الثقيل يواصلون اعتصامهم بالحديدة رفضا لممارسات المليشيات    في عيد ميلاده ال84.. فنانة مصرية تتذكر مشهدها المثير مع ''عادل إمام'' : كلت وشربت وحضنت وبوست!    حصانة القاضي عبد الوهاب قطران بين الانتهاك والتحليل    نادية يحيى تعتصم للمطالبة بحصتها من ورث والدها بعد ان اعيتها المطالبة والمتابعة    اكتشف قوة الذكر: سلاحك السري لتحقيق النجاح والسعادة    الهلال يُحافظ على سجله خالياً من الهزائم بتعادل مثير أمام النصر!    مدرب نادي رياضي بتعز يتعرض للاعتداء بعد مباراة    منظمة الشهيد جارالله عمر بصنعاء تنعي الرفيق المناضل رشاد ابوأصبع    تستضيفها باريس غداً بمشاركة 28 لاعباً ولاعبة من 15 دولة نجوم العالم يعلنون التحدي في أبوظبي إكستريم "4"    وباء يجتاح اليمن وإصابة 40 ألف شخص ووفاة المئات.. الأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر    تدشيين بازار تسويقي لمنتجات معيلات الأسر ضمن برنامج "استلحاق تعليم الفتاة"0    اختتام التدريب المشترك على مستوى المحافظة لأعضاء اللجان المجتمعية بالعاصمة عدن    اليونسكو تطلق دعوة لجمع البيانات بشأن الممتلكات الثقافية اليمنية المنهوبة والمهربة الى الخارج مميز    وصول دفعة الأمل العاشرة من مرضى سرطان الغدة الدرقية الى مصر للعلاج    ياراعيات الغنم ..في زمن الانتر نت و بالخير!.    تسجيل مئات الحالات يومياً بالكوليرا وتوقعات أممية بإصابة ربع مليون يمني    لماذا منعت مسرحيات الكاتب المصري الشرقاوي "الحسين ثائرآ"    افتتاح مسجد السيدة زينب يعيد للقاهرة مكانتها التاريخية    الامم المتحدة: 30 ألف حالة كوليرا في اليمن وتوقعات ان تصل الى ربع مليون بحلول سبتمبر مميز    في افتتاح مسجد السيدة زينب.. السيسي: أهل بيت الرسول وجدوا الأمن والأمان بمصر(صور)    دموع "صنعاء القديمة"    هناك في العرب هشام بن عمرو !    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكويت .. جذور الأزمة السياسية وسيناريوهات الحل
نشر في الخبر يوم 11 - 11 - 2012

تصاعدت حدة الأزمة السياسية في الكويت خلال الأسابيع الأخيرة، بدءاً من المرسوم الأميري بتعديل قانون الانتخاب وتقليص عدد أصوات الناخب من أربعة أصوات إلى صوت واحد، مروراً بدعوة المعارضة لمقاطعة الانتخابات البرلمانية المقررة في أول ديسمبر/كانون الأول وتظاهرات 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، واعتقال عدد من النواب المعارضين قبل الإفراج عنهم ومظاهرات 4 و11 نوفمبر/تشرين الثاني، انتهاء بتأكيد أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح في 6 نوفمبر أن الخيار حالياً بين دولة القانون والفوضى في التشديد على رفض طلبات المعارضة بإلغاء تعديلات قانون الانتخابات.
وفي ظل تفاعلات الأزمة الكويتية المتواترة تعددت التحليلات بشأن توصيف الوضع السياسي الحالي في الدولة الخليجية الغنية، وطرح طرق لتجاوزها المعضلة السياسية الراهنة التي اقتربت من نقطة "اللعبة الصفرية" التي تقلل من فرص الوصول إلى حلول توافقية بين الحكومة والمعارضة.
ويسعى الباحث السياسي أكرم ألفي، عبر هذه الورقة البحثية، إلى إلقاء الضوء على تطورات المشهد السياسي الكويتي وأطرافه المتنازعة عبر تبنى منظور إدارة الأزمات السياسية، معتبراً أن الحكومة والمعارضة مازالا في منطقة خيار "المواجهة القابلة للحل".
وينتهي الباحث إلى توقع "تصفية" الأزمة قبل الأول من ديسمبر موعد الانتخابات المقبلة عبر تنازلات مفاجئة للطرفين، محذراً من الوقت نفسه من أن تدحرج "كرة الأزمة" نحو "النقطة الصفرية" قد يدفع الدولة الخليجية إلى "هاوية" الفوضى أو المواجهة التي لا يرحب بها أي من طرفي الأزمة.
أصل المشكلة : البرلمان والسياسة في الكويت:
اعتمدت الأسرة الحاكمة في الكويت (آل الصباح) طوال تاريخ قيادتها للقبائل في الكويت منذ نحو 400 عام استراتيجية الحلول الوسط ونادراً ما لجأت إلى خيار "المواجهة" في التفاعل مع الأزمات. وقاد تراكم الخبرات السياسية لدى أسرة آل الصباح إلى الحفاظ على بقاء واستقرار النظام رغم مروره بهزات هي الاعنف في منطقة الخليج والتي بلغت ذروتها مع الغزو العراقي في 2 أغسطس 1990.
ويمكن القول إن الشيخ عبد الله السالم الصباح (1895 – 1965) وضع حجر الأساس لنموذج الديمقراطية التوافقية في الدولة الخليجية الحديثة عبر دستور 11 نوفمبر 1962، حيث قام بمنح الحراك السياسي امتيازات برلمانية حديثة ومتقدمة (بناء على تفاعلات تلك الفترة الزمنية عربياً) مقابل تثبيت حكم أسرة آل الصباح. وقد صيغ الدستور على قاعدة حق القبائل والتجار، من خلال الانتخابات، المشاركة في الحكم ومراقبة الحكومات مقابل منح الأسرة الحاكمة الشرعية واختيار الحكومة.
وعزز هذه الصيغة قيام الشيخ عبد الله السالم الصباح بأداء القسم الأميري أمام مجلس الأمة في 1963 رغم مرور 13 عاماً من توليه السلطة.
ونجحت هذه الصيغة "التوافقية" في إضفاء خصوصية سياسية على الكويت التي كانت تتقم بخطوات "ديمقراطياً" على دول عربية قديمة وعريقة سياسية في المقابل رفع سقف طموحات التجار والقبائل في المشاركة بالحكم.
وقد ما ترجمته ثلاثة استجوابات للحكومة في عمر البرلمان الأول احدهما كان لأحد افراد الأسرة الحاكمة وهو جابر العلي السالم الصباح وزير الكهرباء والماء في ذلك الوقت.
وخلال انتخابات 1967 رفضت عدد من الشخصيات القبلية والتجارية محاولة النظام بعد وفاة الشيخ عبد الله السالم الصباح (1965) تزوير الانتخابات وهي الأزمة التي قامت الحكومة بحلها من خلال تفريغها وصياغة تحالفات متشابكة تحول دون انتقال المعارضة إلى قواعد قبلية واقتصادية مؤثرة وهو ما يسمى باستراتيجية "تفريغ الأزمة".
وجاء عام 1976 ليحمل ملامح كافة الأزمات السياسية في تاريخ الإمارة الحديث، حيث قام الأمير صباح السالم الصباح بحل مجلس الأمة لأول مرة بسبب ما اعتبرته السلطة محاولة "البعض" استغلال الديمقراطية والدستور لتحقيق مكاسب شخصية واثارة الأحقاد وتضليل الناس.
وظلت الكويت دون برلمان لنحو خمس سنوات قبل إجراء انتخابات 1981 والتي تمت بناء على تعديل للدوائر الانتخابية من 10 إلى 25 دائرة لتقليل نفوذ المعارضين في ذلك الوقت لصالح القبائل والشخصيات المتحالفة مع النظام.
وفي مجلس 1985، بدا أن قوة النواب في مجلس الأمد قد تدفع الاسرة الحاكمة إلى دخول ازمات داخلية كانت تعتبرها الأخطر من مواجهة النواب والمصالح المتشابكة بين القبائل والتجار، حيث تم في هذا المجلس استجواب وزير العدل سلمان الدعيج الصباح الذي بادر بالاستقالة ثم استجواز وزير النفط علي الخليفة الصباح ومعه ثلاثة وزراء اخرين هم وزراء المالية والإعلام والتربية في مواجهة هي الاقوى بين النواب والحكومة انتهت بقرار حل مجلس الأمة للمرة الثانية.
ودشنت ازمة 1986 خيار حل مجلس الأمة لانهاء الأزمة بين النواب والحكومة في تفضيل لخيار "عزل الأزمة" عبر تبني آلية فض البرلمان بحثاً عن برلمان جديد أكثر تعاوناً مع الحكومة بعد وقت طويل من انعدام الحياة البرلمانية. وهنا تبقي الكويت مجدداً دون برلمان لنحو 6 سنوات تخللها ازمة الغزو العراقي الذي منح شرعية جديدة لأسرة آل صباح وبالتوازي اعطى القبائل والتجار والنواب قدر كبير من الشرعية السياسية لطرف ثاني في معادلة السلطة بالدولة الخليجية الغنية.
وهي الوضعية التي تبلورت خلال انتخابات 1992 التي اسفرت عن برلمان كان بمثابة مجلس إعادة تأسيس للدولة الخليجية وبرز نوع من التوافق العام مع استفادة كافة الكتل من شرعية "التحرير" عبر دور الأسرة الحاكمة في حشد التحالف الدولي بغرض التدخل لهزيمة الجيش العراقي.
بالتوازي كانت ادوار القبائل والتجار والمثقفين في رفع المعنويات وسط الكويتيين في الداخل والخارج وخلق نوع من الحشد العام والالتفاف حول أسرة آل الصباح من أجل تحرير البلاد من الاحتلال.
وهو ما انعكس بشكل مباشر في عمل مجلس الأمة العائد بعد غياب، فخلال الفترة من 1992 إلى 1996 لم يجري مجلس الأمة سوى استجواب واحد فقط لأحمد الربعي وزير التربية والتعليم.
وانتهت مرحلة "هدنة التحرير" مع انتخابات 1996، حيث فاز عدد من المعارضين بمقاعد في مجلس الأمة رغم استمرار نظام ال25 دائرة الانتخابي.
وبحسب العديد من المراقبين فإن هذه الانتخابات مثلت نقطة تحول في مسيرة الديمقراطية النيابية، حيث تغيرت نحو 50٪ من الوجوه البرلمانية وتداول شعارات سياسية خلال المعركة الانتخابية بشأن الاصلاح السياسي والحديث بشكل واضح عن دور البرلمان في التشريع والرقابة الحكومية. وفي هذه الانتخابات حصل ممثلي الاسلام السياسي (السني والشيعي) على 16 مقعداً من أصل 50 بقيادة السلفيين الذين فازوا ب9 مقاعد مقابل 3 فقط في انتخابات 1992 فيما حصدت الحركة الدستورية الإسلامية (الممثل السياسي لجماعة الإخوان المسلمين) على مقعدين فقط مقابل 3 في برلمان 1992 وخمس مقاعد للائتلاف الإسلامي الوطني (الشيعي). بالتوازي تحمل المنبر الديمقراطي مهمة تمثيل التيار الليبرالي بثلث نواب.
وانعكست تركيبة مجلس الأمة "المسيسة" علي التفاعلات البرلمانية، حيث شهد عدة استجواب ابرزها استجواب وزير الإعلام (في ذلك الوقت) سعود الناصر الصباح بشأن كتب في معرض الكتاب ووزير الداخلية محمد الخالد الصباح. وجاء استجواب وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية أحمد الكليب بشأن وجود أخطأ في طباعة المصحف ونوقش هذا الاستجواب خلال شهري أبريل ومايو وانتهى بطرح الثقة بالوزير وقبل الدخول في أزمة طرح ثقة صعبة تهدد تماسك الحكومة كان قرار الشيخ جابر الأحمد الصباح بحل مجلس الأمة في منتصف عام 1999، ليصبح ثالث برلمان يتم حله في تاريخ الكويت السياسي الحديث.
وخلال انتخابات 1999، نجح النظام الكويتي في إدارة العملية عبر سياسية "العزل" لقوى الاسلام السياسي والليبراليين في الشارع الكوتي من خلال خطاب التهديد السياسي لاستقرار الاقتصاد ولمجمل المكاسب الاقتصادية والاجتماعية للكويتيين.
ويشير إسلاميون كويتيون – عند مراجعة تجربة هذه الانتخابات – إلى أن الحكومة تمكنت من إدارة اللعبة السياسية بدرجة عالية من الكفاءة والحنكة حيث قامت بتحييد القضايا الخلافية مع مجلس الأمة وترك البت فيها للمجلس اللاحق وهو ما نجح في تفويت الفرصة علي الإسلاميين وغيرهم من مرشحي المعارضة في تسخين الأجواء الانتخابية، وخسر الإسلاميون في هذه الانتخابات مقاعد بارزة متمثلة في النواب خالد السلطان وإسماعيل الشطي.
ومن هنا جاء مجلس 1999 ليعكس نوعاً من التوافق بين البرلمان والحكومة، حيث لم يحدث في عمر هذا المجلس اي استجواب لأحد أفراد أسرة آل الصباح . في المقابل شهد مواجهة "لفظية" ساخنة بين النواب المنتمين للتيار الإسلامي والحكومة والتي اصطف معها أغلب النواب القبليين والتيار الليبرالي.
وكان برلمان 2003 على موعد مع تحولات تاريخية في الحياة السياسية الكويتية، يمكن وصفها بمرحلة "الانتقال الأصعب"، حيث شهد هذا المجلس نقل السلطات الأميرية إلى مجلس الوزراء بسبب مرض الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح في 24 يناير 2006، والذي تولى السلطة بعد وفاة الشيخ جابر الأحمد الصباح في 15 من نفس الشهر، ومن ثم مبايعة الأمير صباح الأحمد الجابر الصباح في 29 يناير.
وهكذا تمت عملية نقل السلطة بنجاح، فيما كان يخشى المراقبون أن تزعزع من استقرار الدولة الخليجية الغنية وتدفعها نحو صراعات داخل الأسرة الحاكمة، ولكن قدرة "آل الصباح" على التماسك وتعاون مجلس الأمة قاد الدفة نحو انتقال سلس ودون تداعيات خطيرة. وبالتوازي كان هذا البرلمان هو الذي اقر حق المرأة في التصويت والانتخاب في مايو 2005 .
وفي المقابل، كان مجلس الأمة (2003- 2006) ساحة صراع بين الحكومة والمعارضة والمتحالفين معها بشأن قانون الدوائر الانتخابية، وهي الصراعات التي قادت ثلاث نواب من المعارضة للقيام بخطوة تعد هي الأولى في تاريخ البرلمان الكوتي بتقديم طلب استجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الأحمد، وهو ما كان بمثابة خط أحمر بالنسبة للأسرة الحاكمة والحكومة، مما دفع أمير البلاد إلى إصدار قرار حل مجلس الأمة في 21 مايو 2006 والدعوة لانتخابات جديدة.
وكان هذا القرار هو الرابع بحل مجلس الأمة، وبمثابة "فتح هاويس" الصراع السياسي في الكويت التي شهدت خلال الأعوام الستة (2006 -2012) حل خمسة مجالس نيابية واستقالة الحكومة سبع مرات.
وجرت انتخابات 2006 وسط صراع حاد في الشارع السياسي الكويتي بين الحكومة والمعارضة وكانت الدوائر الانتخابة والإصلاح السياسي ودور مجلس الأمة محاور هذا الانقسام والتي توازت مع بروز خريطة اجتماعية جديدة بصعود لقوة القبائل التي تدعم رموز المعارضة وانحياز كتلة من طبقة التجار للمعارضة وتذمر الموظفين الكويتين في المؤسسات الحكومية والذين يمثلون 90٪ من قوة العمل الكويتية من عدم الحصول على رواتب وامتيازات مناسبة في ظل ارتفاع سقف الطموحات والتوقعات مع ارتفاع أسعار النفط عقب الغزو الأمريكي للعراق.
وجاءت نتيجة الانتخابات بمثابة "صدمة"، حيث لم ينجح تيار الحكومة في بسط نفوذه على المجلس الجديد فيما تقدم الإسلاميون بقوة، وفشلت المرأة في الحصول على أي مقعد في أول انتخابات تشارك فيها. وحصدت المعارضة الكويتية على 33 مقعداً من أصل 50، وفاز الإسلاميون بمفردهم ب 21 مقعداً (17 للسنة و4 للشيعة) في مقابل 18 في المجلس السابق. وتراجع عدد النواب الموالين للحكومة من 19 نائباً إلى 13 فقط وحصل الليبراليون على 6 مقاعد.
وخلال دورة هذا المجلس تم تمرير قانون تقليص الدوائر الانتخابية من 25 دائرة إلى خمس دوائر. واستغلت المعارضة الأغلبية في استجواب وزير الصحة حينذاك أحمد عبد الله المبارك الصباح والذي دفع الحكومة للاستقالة ولكن الأزمة الأشد جاءت في مارس 2008 مع طلب طرح الثقة في وزير النفط علي الجراح الصباح وشعور الحكومة بأن المعارضة تعرقل خططها للاصلاح وتشجيع الاستثمار الأجنبي في البلاد ليقوم أمير الكويت بحلس المجلس في نفس الشهر من 2008 للمرة الخامسة.
وهكذا أجريت انتخابات مايو 2008 وفقاً لقانون الدوائر الخمس، وهو القانون الذي صب بشكل مباشر لصالح التيار الإسلامي والقبائل، فقد ظهر بوضوح أن تقليص عدد الدوائر يزيد قدرة التيار الإسلامي المنظم والقبائل الكبيرة على الحشد لمرشحيها في مواجهة المرشحين المستقلين والليبراليين رغم أن التغييرات كانت تهدف بالأساس لمنع شراء الاصوات وحمل المرشحين على التركيز على سياسة طويلة الأجل بدلاً من مطالب محلية لقلة من الناخبين مثلة بناء مسجد في حي ما.
واعتبر المقربون من السلطة في الكويت وقتها أن القانون الجديد للدوائر بمثابة "قفزة للمجهول".
وبالفعل دشنت الانتخابات مرحلة هيمنة الإسلاميين على مجلس الأمة، حيث ارتفع نصيب الاسلاميين السنة إلى 22 مقعداً مقابل 17 في برلمان 2006 وخمس مقاعد للإسلاميين الشيعة، فيما تراجع تمثيل "الإخوان" ممثلة في الحركة الدستورية الإسلامية إلى ثلاثة مقاعد مقابل ستة في مجلس 2006. ولم تنجح أي سيدة في دخول مجلس الأمة للمرة الثانية على التوالي.
وكان من المنطقي أن يتحول مجلس 2008 إلى برلمان أزمة، فقد شهد موجة استجوابات صعبة من المعارضة الإسلامية بدءاً من طلب وليد الطبطائي واخرين لاستجواب رئيس الوزراء الشيخ ناصر المحمد الصباح بذريعة تردي الخدمات واستشراء الفساد الإداري وتردد الحكومة في قراراتها.
وتكرر طلب استجواب رئيس الوزراء في مارس 2009 من النائب فيصل المسلم وثالثاً من نواب الحركة الدستورية الإسلامية في 2 مارس 2009 بعد اعادة تشكيل الحكومة بنفس تشكيلها، ليصبح جلياً أن الصراع بين المجلس بتشكيلته الجديدة والحكومة وصل إلى الذروة، وأن التناقضات أصبحت عصية على الحل التوافقي.
وفي ظل وضعية "اللعبة الصفرية" داخل مجلس الأمة بدا ان حل البرلمان للمرة السادسة أصبح هو الخيار المتاح، وعجل استجواب رابع للشيخ ناصر المحمد الصباح في 9 مارس بالقرار ليتم حل المجلس في 18 مارس 2009 بعد اقل من 9 أشهر من انتخابه.
ودشن الحل السادس لمجلس الأمة مرحلة " استعراض القوة" في الكويت، التي قامت على قوة انتخابية للإسلاميين والقبليين المتحالفين معهم والقوى الليبرالية الغاضية من تهميشها مقابل حكومة مصممة على الحفاظ على تركيبتها وقيادتها وغير قادرة على حشد الأصوات في الانتخابات لصالح مواليها الذين تحولوا إلى عبء أكثر منهم داعم داخل البرلمان.
وفي ظل استمرار الصيغة التوافقية لدستور 1962 التي منحت أسرة آل الصباح الشرعية التأسيسية والسيطرة على الحكومة التنفيذية والتي تجددت بشرعية التحرير في 1991 رفضت الحكومة تقديم التنازلات في مواجهة معارضة تسعى بشكل كبير إلى ممارسة النفوذ على السلطة مدعومة بقدراتها على حشد الأصوات والتمثيل البرلماني ومستخدمة سلاح الاستجواب التي منحها اياه توافق الاستقلال.
إرهاصات الأزمه السياسية الراهنه :
عندما أجريت انتخابات 2009، كان قد تم حل مجلس الأمة ثلاث مرات واجبرت خمس حكومات على الاستقالة خلال 3 سنوات.
وظن البعض أن اللعبة ستصل لنهايتها في 2009 عبر البحث عن النقاط المشتركة واستعادة صيغة جديدة من توافق 1962. صيغة تعيد الشرعية عبر توافق بين القبائل التي غيرت انحيازاتها من الحكومة في الستينيات والسبعينيات إلى المعارضة والتيار الإسلامي في التسعينيات عبر تشكيلاته الاخوانيد "الحركة الاسلامية الدستورية" والسلفية "التحالف الإسلامي السلفي" و"التجمع السلفي"، كما ظهر اقتراب الممثلين السياسيين للشيعة الذي يمثلون نحو 30% من السكان تقريباً ( التحالف الإسلامي الوطني والميثاق الإسلامي الوطني) من الحكومة على حساب المعارضة.
وجاءت نتيجة الانتخابات لتظهر إمكانية اعادة تأسيس للتوافق، حيث انتهت بانضمام 20 نائباً جديداً لمجلس الأمة ووصل اربع سيدات مرة واحدة إلى البرلمان بعد "خصام" دام ثلاث سنوات منذ اقرار قانون تصويت وترشيح النساء وارتفاع التمثيل الشيعي من خمسة نواب إلى تسعة أغلبهم كانوا يرفعون شعارات وخطاباً غير طائفي ومتصالح مع السلطة.
في المقابل،اصبح لحركة الدستورية الإسلامية (الإخوان) ممثلاً وحيداً وتراجع تمثيل السلفيين إلى 11 نائباً فقط ليتقلص نفوذ التيار الإسلامي إلى 12 نائباً مقابل 22 خلال مجلس 2008. في المقابل عاد "التكتل الشعبي" المعارض من خلال أحمد السعدون ومسلم البراك. وعزز الليبراليون حضورهم بثمانية نواب. بالتوازي فاز مرشحو القبائل بنصف المقاعد (25 مقعداً من أصل 50) وهو التمثيل الذي جاء على حساب التيارات الإسلامية من خلال قيام القبائل بانتخابات فرعية لاختيار مرشحيها.
لقد أفرزت انتخابات 2009 مجلساً أكثر توافقا مع السلطة "نظرياً" ولكنه كان مجلساً "قلقاً"، حيث حامت حول اعماله شبح الأزمات السياسية من خلال استغلال المعارضين بقوة لأداة الاستحواب بعد اضعاف تمثيلهم عبر الانتخابات.
وفي المقابل، سعت الحكومة لتأكيد انتصارها وسيطرتها قاد هذان المعاملان إلى إفشال القدرة على صياغة "ديمقراطية توافقية" جديدة تحول دون استمرار التأزيم في الساحة السياسية الكويتية.
وبدأت المواجهة سريعاً بتقديم مسلم البراك استجواباً لوزير الداخلية جابر الخالد الصباح وطلب طرح الثقة في الوزير والذي سقط امام تشكيل الحكومة لجبهة واسعة من النواب تحول دون تمرير محاولات طرح الثقة واجبارها على الاستقالات المتتالية. وتلاه طلب فيصل المسلم في نوفمبر 2009 استجواب رئيس الوزراء واعقبه طلب استجواب جديد لوزير الداخلية من مسلم البراك واخر من النائب ضيف الله بورمية لوزير الدفاع جابر مبارك الحمد الصباح على خلفية انفحار الاديرع.
وانتهى استجواب رئيس الحكومة في ديسمبر 2009 بتقديم 10 نواب بطلب عدم إمكان التعاون في سياق 4 استجوابات للحكومة خلال شهر واحد قامت بالتعامل معها من خلال المواجهة داخل المجلس وعدم الهروب إلى خيار حل البرلمان متحصنة بالأغلبية المتوفرة لها، حيث تم رفض طلب عدم التعاون مع رئيس الوزراء في 16 ديسمبر 2009 بأغلبية 35 نائباً مقابل تأييد 13.
وفي ظل تحصن الحكومة بالأغلبية الجديدة التي راهنت أنها ستمنحها قدراُ من الستقرار وفرض قواعد جديدة للعبة السياسية، هبت رياح "الثورات" العربية في تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا وتصاعد حركة الاحتجاجات في البحرين. وهو ما تم ترجمته كويتياً في تظاهرات غير مسبوقة للمعارضين نقلت بها ساحة الصراع من داخل مجلس الأمة إلى الشارع في استعراض لقوتها الشعبية وقدراتها على تغيير "المعادلة" التي فرضتها انتخابات 2009.
وشهد شهر نوفمبر 2011 ذروة الصدام بين الحكومة والمعارضة التي لجأت إلى الشارع، حيث مثل شطب الاستجواب المقدم من المعارضة لرئيس الحكومة الشيخ ناصر المحمد في 15 نوفمبر، بشأن قضية الاشتباه في تقديم الحكومة رشاوي لعدد من نواب مجلس الأمة ثمناً لمواقفهم المؤيدة لرئيس الوزراء، بداية تدحرج كرة الثلج التي تدحرجت وتضخمت بسرعة بفعل التأثر بالمحيط العربي "الثوري" وبحث المعارضة عن فرصة للعودة بقوة للمشهد بعد اخراجها من البرلمان وفي ظل تعنت حكومي بفعل الثقة في الأغلبية بمجلس الأمة.
وجاء وأد استجواب رئيس الحكومة ليمنح المعارضة الفرصة لاستعراض العضلات ونقل المعركة إلى الشارع في سابقة غير معهودة بدولة تجمل تراثاً طويلاً من المعارضة والحريات السياسية والإعلامية. ففي مساء 15 نوفمبر حشد 20 نائباً من المعارضة لتظاهرة في ساحة الأرادة. وهي التظاهرة التي قادت نحو مئة من الشباب وعدد من النواب لاقتحام مجلس الأمة وقاعة عبد الله السالم، في حادثة وصفها أمير الكويت ب"الأربعاء الأسود".
ومثل "الأربعاء الأسود" نقطة التحول لساحة الأزمة من داخل البرلمان إلى الشارع، ليسارع النظام باستخدام نفس الساحة عبر حشد تجمع مضاد رفع شعار "الله يحفظ يا كويت". ولتشهد الكويت العاصمة مشاهد غير مألوفة من اعتصامات أمام قصر العدل للمطالبة بالإفراج عن المعتقلين في احداث 16 نوفمبر.
ودفعت الحكومة ثمن احتدام الصراع، حيث بحثت الأسرة الحاكمة عن حل سريع لنزع فتيل الأزمة وكان في استقالة جديدة لحكومة الشيخ ناصر المحمد في 28 نوفمبر والتي تكررت 7 مرات منذ توليه المنصب لاول مرة في 2006.
ولكن هذه المرة ليخلفه جابر مبارك الحمد الصباح في 30 نوفمبر 2011 بعد اقل من اسبوعين من أزمة اقتحام مجلس الأمة وبعد أيام من تأكيد أمير الكويت أنه لن يقيل رئيس الحكومة. وهنا شعرت المعارضة انها انتصرت باللجوء إلى الشارع واقحامه في السجال، بينما همس البعض بدور الخلافات داخل اسرة آل الصباح في انهاء حكومة الشيخ ناصر المحمد وهو الهمس الذي منح المعارضة تصميماً اكبر لاستغلال ما يشاع عن خلافات في الأسرة المتماسكة ظاهرياً لتحقيق مزيد من المكاسب. وبالفعل تم حل البرلمان في 6 ديسمبر 2011.
في هذه الأجواء التي تميل للمعارضة، جاءت انتخابات 2 فبراير 2012 والتي افرزت برلماناً تهيمن عليه المعارضة التي حصدت 34 مقعداً (68%) وفازت الاسلاميون من الإخوان المسلمين والتيار السلفي ب23 مقعداً (46%). في المقابل خرجت المرأة خالية الوفاض بعد ان سجلت دخولاً تاريخياً في انتخابات 2009 وتراجع نصيب الليبراليين إلى مقعدين فقط. وهكذا خرج برلمان معارض إسلامي من رحم الاحتكام للشارع ولم تنجح محاولات إدارة الأزمة عبر التغييرات الداخلية برئاسة الشيخ جابر مبارك الحمد الصباح في استمالة الشارع الذي تعاطف بشكل واضح مع مطالب المعارضة في تغيير قواعد "اللعبة السياسية".
وكما كان متوقعاً لم يستمر برلمان المعارضة طويلاً والذي شهد 8 استجوابات للحكومة خلال أربعة أشهر بمعدل استجواب كل أسبوعين. وهذه المرة لجأت السلطة إلى القضاء في استخدام ورقة جديدة في الصراع السياسي، ليصبح القضاء والشارع جناحي الأزمة الجديدة، حيث أصدرت المحكمة الدستورية في 20 يونيو 2012 حكماً ببطلان حل مجلس 2009 وإجراءات الدعوة لانتخابات 2012 بسبب أن طلب حل برلمان 2009 جاء من وزارة زالت عنها الصفة باستقالاتها مما يخالف المادة 107 من الدستور.
ونتيجة استخدام الأوراق الجديدة (الشارع والقضاء)، شهدت الكويت حالة استثنائية في تاريخها السياسي بقيام المحكمة الدستورية بحل برلمان للمرة الأولى وعودة برلمان منحل، فيما فشل الأخير وسط الزخم السياسي والجماهيري في البقاء بحيث تم حله للمرة الثانية في 7 أكتوبر 2012 والدعوة لانتخابات في أول ديسمبر 2012.
الأزمة الراهنة : مواجهة قابلة للحل :
مع حل برلمان 2009 خلال أكتوبر 2012، صعدت المعارضة الكويتية من الاعتصامات والتظاهرات احتجاجاً على مرسوم الضرورة بتعديل النظام الانتخابي (صدر في 19 أكتوبر) وتقليص عدد أصوات الناخب من أربعة أصوات إلى صوت واحد فقط، والتي سعت من خلاله الحكومة الكويتية الحيلولة دون تكرار تجربة انتخابات فبراير 2012 والتي جاءت بأغلبية مطلقة للمعارضة. وفي ظل قدرة المعارضة على حشد عشرات الألاف ورفض الحكومة في تقديم تنازلات دخلت الكويت أزمة سياسية هي الأعنف منذ كتابة دستور 1962.
ويبدو للوهلة الأولى أن الأزمة تتجه إلى مرحلة الصدام المباشر واجراء انتخابات مجلس الأمة في اول ديسمبر دون المعارضة التي تقاطعها وفي ظل اصرار الحكومة على اجراءها.
وهو الأمر الذي وضح في كلمة أمير الكويت يوم 10 نوفمبر بدعوته للكويتيين إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة من أجل "تعزيز الديمقراطية"، محذراً من تعريض البلاد للفوضى. في المقابل اعلنت المعارضة استمرار التظاهرات كل يوم أحد ورفضها المطلق للمشاركة في الانتخابات المقبلة التي من المقرر اجرائها بعد ثلاثة أسابيع فقط.
ويقول محللون إن المصالحة أصبحت ضرباً من الوهم في ظل استخدام الحكومة لسياسة العصى والقوة باعتقال عدد من النواب من بينهم النائب الشهير مسلم البراك (عقب تظاهرة 21 أكتوبر) قبل الإفراج عنهم بكفالة.
وبالتوازي رفع المعارضة لسقف الخطاب السياسي من خلال توجيه خطاباً مباشراً لأمير البلاد والذي قال فيه البراك "لن نسمح لك – يا صاحب السمو- أن تسحب الكويت إلى جحيم الأوتوقراطية (حكم الفرد).. لم نعد نخاف سجونك وهراواتك".
ولكن في المقابل، فإن الأزمات السياسية في الكويت خلال العقدين الماضيين تدلل على بحث الأطراف عن حل "حافة الهاوية"، عبر تقديم التنازلات قبل بلوغ الصدام مرحلة اللاعودة. وهو ما وضح في استقالة الشيخ ناصر المحمد في نهاية نوفمبر 2011 عقب تأكيد أمير الكويت أنه لا نية على الإطلاق لاستقالة الحكومة والرضوخ لطلبات المعارضة.
في المقابل مازالت المعارضة الكويتية تحافظ على "شعرة معاوية" مع النظام والأسرة الحاكمة، حيث أكد ممثلوها (في 6 -11) أنها لا تسعى لاسقاط الننظتم وانما تسعى فقط لحكومة منتخبة، معتبرة أن الإساءة للأمير هي اساءة لكل أبناء الكويت. وهو ما يدلل على إمكانية الحل لهذه المواجهة. ولفهم هذه الوضعية علينا قراءة التحالفات الحالية لطرفي الأزمة وحجم الخسائر التي ستنجم عن عدم حلها في الوقت المناسب.
الطرف الأول:
الأسرة الحاكمة (آل الصباح) والتي تدرك جيداً أن قيادتها للبلاد قبل الاستقلال جاء على قاعدة العقد الاجتماعي مع طبقة التجار القادمة من شرق شبه الجزيرة والتي سعت للتفرغ لمصالحها من خلال هذا العقد مع الأسرة الأكثر دراية بالحكم وشؤونه ودشن هذا الاتفاق دستور 1962 الذي منح النواب حق استجواب الحكومة ومراقبة اعمالها. وبالتوازي فإن الاسرة الحاكمة تخشى أن تتم عملية انتقال للسطة ممكنة في المستقبل القريب في ظل صراع سياسي مما يهدد تماسكها على عكس عملية انتقال السلطة في 2006. وكذلك فإن الأسرة الحاكمة غير قادرة على تحقيق اختراقات نوعية في صفوف المعارضة وهو ما دللت عليه النتائج الضعيفة لاجتماع أمير البلاد مع شيوخ العشائر في 22 أكتوبر الماضي. في المقابل، فإن الاسرة الحاكمة تعتمد بشكل رئيسي على شرعيتها التاريخية ورفض الأغلبية لسيناريو الفوضى او محاولات زعزعة اسس حكم الأسرة.
الطرف الثاني:
المعارضة والتي تعرف أن استمرار الارتكان على الشارع صعب للغاية، حيث إن الكويتيين يعتبرون تاريخياً أن مكان المعارضة هو البرلمان. وهي تعتمد حالياً على تحالف ما بين التجار والقبائل التي تقف بجانبها. ولعل جزء من ضعف المعارضة هو تنوع مشاربها، حيث تتشكل من قلب إسلامي من الحركة الدستورية الإسلامية "حدس"واجهة الإخوان المسلمين والتيار السلفي والذي يتشكل من "التجمع السلفي" ممثل "جمعية إحياء التراث" و"الحركة السلفية" المنشقة عن "التجمع السلفي" في 1996 و"حزب الأمة".
وهناك التيار الليبرالي الممثل في "المنبر الديمقراطي" و"التحالف الوطتي الديقراطي" والذي يضم اغلبية القوميين العرب و"التيار التقدمي" و"كتلة العمل الشعبي". وهناك أيضاً الحركات الشبابية مثل "كافي" و"نهج" و"السور الخامس". والكتلتان الإسلامية والليبرالية القومية لهما تحالفات مع القبائل وطبقة التجار.
ويدرك كل من الطرفين أن عدم حل الأزمة سيقود إلى خسائر للجانبين، فعلى صعيد الحكومة فإن مقاطعة المعارضة للانتخابات قد يقود لبرلمان فاقد الشرعية وفي نفس الوقت يفتح الباب للمعارضة لخيار التصعيد في الشارع السياسي وما يستتبعه من أزمات مع القبائل والفئات الابرز في المجتمع الذي لا يقبل تاريخياً سياسة القمع للمعارضين.
بالتوازي، فإن المعارضة تدرك أن الشارع السياسي لن يقبل حراكاً بلا نهاية وفي نفس الوقت تخشى انفضاض جزء من التحالف عبر اغراء السلطة للتجار بصفقات حكومية جديدة في سياق الخطة الخمسية الجديدة.
ويمكننا إجمال المشهد السياسي الكويتي في ضرورة اعادة صياغة العلاقة التعاقدية بين الشعب الكويتي والأسرة الحاكمة لتجاوز حالة "نصف الديمقراطية" بحسب وصف الكاتب الكبير الأستاذ عبد الرحمن الراشد (30 – 10-2012)، حيث سيكون من المفيد للمعارضة والحكومة ادراك سقف القوة المتاح. فالكويتيون لن يقبلوا بمحاولات رفع سقف المطالب للاطاحة بأسرة الصباح ولكنها في المقابل لن تقبل فرض الوصاية على شعب يتعاطى مع الديمقراطية وحرية التعبير كخبز يومي.
فيجب أن تسعى المعارضة لحوار وايجاد مشتركات مع الحكومة تحمي الكويت من حالة الجمود السياسي خلال السنوات المقبلة. وفي المقابل، فإن الحكومة يجب أن تدرك ان خبرة سنوات تعطيل السياسة قبل الغزو العراقي (1986-1990) لا يمكن تكرارها اليوم.
ولكن رهان الطرفين على انتصار كامل في اللحظة الأخيرة قد يقود إلى الفوضى وزعزعة استقرار منطقة الخليج في لحظة إقليمية فارقة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.