التحرك السعودي غير المسبوق لوقف موجة المد الحوثي في اليمن، الذي تجاوز كل التوقعات، يجيء تعبيراعن مدى القلق الذي تعيشه الرياض منذ سقوط العاصمة اليمنية في يد خصومها الحوثيين، والذي كان بمثابه تتويج لاخفاقات الرياض في احتواء سياسة طهران التوسعية على حساب رصيدها ونفوذها في المنطقة.. اليوم تنظر الرياض لليمن باعتباره حلبة النزال التي تدور عليها رحى معركتها الكبرى مع طهران، وليس أمامها خيار آخر سوى النصر، لذلك رمت بكل أوراق القوة التي تمتلكها، بدءا من سياسة تخفيض أسعار النفط، وليس انتهاء بكسر جدار الصمت الاعلامي المضروب حول عدن، وجعلها عاصمة الصمود والشرعية، التي تحج اليها مواكب المؤيدين وحشود الرافضين لمنطق القوة، الذي تتكئ عليه جماعه الحوثي في فرض اجندتها على الآخرين. الملك سلمان وفي اول اختبار حقيقي لقدرته وحنكته، وجد مملكته على موعد مع الخطر المقبل من اليمن، الذي قد يشعل المناطق الشرقية في المملكة بنار الفتنة الطائفية، إذا ما ظل صامتا عما يجري في أرض اليمن السعيد، لذلك تحركت الرياض وحشدت خلفها الحلفاء والأصدقاء واستدعت كل ثقلها ونفوذها الإقليمي والدولي للانتصار في هذه المعركة المصيرية.. فمنذ اشتداد الخلاف بين الرياضوطهران على تصدر قيادة العالم العربي، بعد خروج بغداد من معادلة الصراع، كانت الرياض دائما تخوض حروبها الخفية مع طهران، عبر وكلائها، وهي في مأمن من ألسنة اللهب، لكن بعد ثورات الربيع العربي تغير الوضع، وللمرة الاولى كانت العواصم المحيطة بالرياض تضطرب وتتساقط في سلة الحصاد الايرانية، من بغداد الى دمشق والمنامة وليس انتهاء بصنعاء، التي غمرتها أمواج التمدد الايراني عبر جسور جماعة الحوثي، وقد خاضت معهم تجربة قاسية على حدودها الشرقية عام 2009. لقد وجدت الرياض بعد مرور ثلاثة أعوام على الثورة الشعبية التي اطاحت بنظام صالح، أن حلفاء ايران قد اجتاحوا العاصمة اليمنية واستولوا على المؤسسات الحكومية وأسلحة الجيش، بمساندة ودعم من صالح الذي انفقت عليه بسخاء وشاركته الحرب السادسة ضدهم، وفي ظنها انه يقوم بديلا عنها بالتصدي لهم، لكنها ادركت مؤخرا ان الأموال الطائلة التي قدمتها كان صالح يوظفها لخدمة نظامه وترسيخ سلطته بمعزل عن حساب مصالحها هناك. وعندما اقدم الحوثيون على اعلانهم الدستوري خارج سياق المبادرة الخليجية، مثّل ذلك بالنسبة للرياض انتكاسة جديدة ومحاوله لاقصائها عن الساحة اليمنية، ولم يعد لديها ما تملكة في مواجهتهم غير التمسك بتلك المبادرة وبشرعية هادي عبد ربه، الذي جاءت به المبادرة كرئيس توافقي بين الفرقاء اليمنيين، وسرعان ما وجدت في الرجل كل الشروط المطلوبه لتصنع منه خط دفاعها الاخير الذي يمكن الرهان عليه في معركتها الكبرى مع خصومها في صنعاءوطهران، لكن الجماعة ادركوا أن بقاء هادي وحيدا على قمة السلطة يمكن ان يجلب لهم المزيد من المصاعب والأعداء، فتمت محاصرته ووضعه تحت الاقامة الجبرية بعد ان قدم استقالته.. كانت الرياض في مأزق حقيقي بعد كل ما جرى وأصبحت ورقة الشرعية التي راهنت عليها في ايدي الحوثيين، عند ذلك استخدمت كل ما لديها من امكانيات وعلاقات لاقناع اصدقائها وحلفائها بغلق السفارات في العاصمة صنعاء، من اجل ضرب سياج من العزلة حول جماعة الحوثي وتقديمهم للعالم كجماعة انقلابية، في الوقت نفسه، كانت تحاول تمرير قرار دولي عبر مجلس الأمن يدين الجماعة ويطالبهم بالعودة الى طاولة الحوار، على اساس المبادرة الخليجية، ولم يحالفها النجاح الكامل نتيجة للموقف الروسي والصيني، في السياق نفسه كان الشارع اليمني الرافض لجماعة الحوثي يفيض بالمتظاهرين ويقدم للرياض ورقة اخرى يمكن استثمارها عبر الفضاء والسموات المفتوحة. خروج هادي من صنعاء وذهابه الى عدن لا يمكن فهمة خارج إطار تحرك الرياض لنزع الشرعية عن كل ما يقوم به الحوثيون. ومن المؤكد أن الرياض قامت بدور كبير في اختراق طوق الحصار المفروض حول هادي وحمله إلى عدن، سواء عبر وكلائها في اليمن أو عبر اصدقائها في الغرب، ومن عدن بدأت الأزمة اليمنية تأخذ طابعا آخر، وتكتسب أبعادا إقليمية ودولية، على ضوئها ستتشكل تحالفات جديدة في المنطقة.. ذهاب محمد بن نايف الى لندن وفي صدارة اهتماماته الاوضاع في اليمن.. عودة الدفء إلى العلاقة بين الدوحةوالرياض وانقرة... تصريح وزير الخارجية الامريكي عن دور ايراني في اسقاط الحكومة اليمنية. عودة سفراء مجلس التعاون الى عدن والترتيب لعودة بقية السفراء الى هناك وقبل ذلك وصول امين عام مجلس التعاون الى عدن لمقابلة الرئيس الشرعي، بحسب تصريحاته في عدن، كل ذلك يؤكد مدى الاهمية القصوى التي توليها الرياض لمعركتها الفاصلة مع ايران وحلفائها في اليمن، ولضمان بقائها لاعبا رئيسيا على الساحة اليمنية، وهذا بالتأكيد سوف يزيد من احتمالات ان تصبح اليمن ساحة للصراع وتصفيه الحسابات الاقليمية والدولية خلال الفترة المقبلة.