سيناريو آخر في مشهد غير متوقع، ما زالت تلفه الضبابية حتى اللحظة، ها هم الحوثيون يتلقون لطمة أخرى من حيث لا يحتسبون، ولا شك أن معنوياتهم تنهار لحظة تلو الأخرى، مع ما يحل بهم من كوارث قاصمة للظهر. مفكر عربي كتب بعد هروب هادي من صنعاء تجاه عدن، بعد أن تعددت الروايات التي تحكي طريقة هروب هادي من منزله الكائن في شارع الستين،قال كيف لجماعة متوحشة أن تؤمَن على بلاد ولم تستطع أن تحرس شخصاً واحد، وكان يومها يقصد الرئيس هادي، وبنفس الطريقة التي خرج بها هادي من صنعاء، هرب الصبيحي من تحت إمرة أشبال مران، ووصل إلى الصبيحة لحجمسقط رأسه ثم إلى عدن سالما غانما. "لا يلدغ المؤمن من جحر واحد مرتين"، هذا حديث شريف رواه أبو هريرة عن رسول الله، وهاهم من يسمون أنفسهم أحفاد رسول الله يلدغون مرتين من جحر واحد، وكما قلت لكم "أحفاد رسول الله"، فكيف لهم إذا أن يتلقون هذه الصفعات المؤلمة. هروب هادي، ثم هروب الصبيحي، في وقت متقارب ربما لا يزيد عن 18يوما، يعطي دلالة واضحة عن حجم التشتت القائم في الجانب الأمني لحركة المتمردين، ولا شك أن معنوياتهم بعد هذه الكارثة الأخرى ستثبط وسيحاولون جمع شتاتهم بكل إبراز لعضلاتهم الوهمية، ولكن سيكون هذا بلا جدوى، ولربما يقودهم إلى الوقوع في ذات الحفرة التي سقطوا فيها مرة ثم أخرى. العزلة التي يعيشها الحوثيون اليوم مع توجه المجتمع الدولي والخليجي صوب الرئيس هادي في عدن لن يكون من مصلحتهم على الإطلاق، وقد يهيج الرأي العام ضدهم في صنعاء بأي لحظة مع التنامي الملحوظ للاختلالات المختلفة في أكثر من جانب، ومع تحويل العاصمة من صنعاء إلى عدن "موقتا" ستبدأ التغيرات في صنعاء تتجه في منحى سلبي لا يبشر بالخير،،أضف على ذلك، وصول اللواء الصبيحي إلى عدن سيكون له أثر آخر خاصة وأنه من أكثر القادة العسكريين المشهود لهم بالنزاهة على المستوى الوطني. ليس أمام الحوثي اليوم إلا أن يقدم مزيد من التنازلات أولها الإفراج عن رئيس الحكومة خالد محفوظ بحاح والوزراء الذين ما زالوا يرزحون تحت الإقامة الجبرية، وعليه أيضا أن يحسن من علاقته مع مختلف الأطراف السياسية في البلاد ويحد من لهجة الخطاب الإعلامي الموجهة للرئيس هادي وكل معارضيه على الساحة الوطنية ثم يبدأ مرحلة من الحوار النزيه ويغير من روتينه الفاضح. إن لم يفرج الحوثيون على بحاح والوزراء الذين ما زالوا تحت الإقامة الجبرية، فبلا شك نحن نعيش مسألة وقت لا غير حتى يصلنا النبأ عن هروب بحاح صوب عدن وتتولى علينا من بعدها زخات من أنباء الهروب، فبما أن الحوثيون لم يستفيدوا من الدرس الأول "هروب هادي"، وجرهم ذلك التماهي مع الأمر لارتكاب حماقة أخرى كان نتاجها هروب الصبيحي من صنعاء، والغريب أنه هرب بنفس الطريقة التي هرب بها هادي. صحيح أن القوة على الأرض اليوم لصالح الحوثيين خاصة وأن 70% من سلاح الدولة قد صار بيدهم حسب التقارير الخارجية، لكن هذا لا يبرر أن الأمر الواقع صار في قبضتهم، فالمحافظة على الكيان وإبقاء التوازن على الأرض لا يحتاج لقوة السلاح بقدر ما يحتاج إلى إيجاد نوع من التواؤم الخلاق مع مختلف الأطياف المعارضة. نحن إذا أمام مشهد غامض لن يكشف عنه إلا الانتظار لمزيد من الوقت، ومع هذه المشاهد "الهوليدية"،التي تتكرر بي الفينة والأخرى، فإن الخوف الذي يؤرق كل اليمنيين هو أن يعود بناء التاريخ للوراء حتى تاريخ 1994م ليكرر لنا مشهد مأساوي لا يرغب أحد من اليمنيين في أن يتكرر.