أعتذر لأني أقحمت الاسم المبجل (القرآن) لكنها مقابلة مفروضة وفقا لقوانين الكتابة، وسأذكر نموذجا واحدا يكفي لطي الصحف وإقناع كل منصف حتى لا تضيع الأعمار في ترهات وأسمار. وأبدأ بنص من كلام الكاتب عن حد السرقة، قال: ( وجملة " والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما" جملة اسمية، استخدمت اسم الفاعل ( السارق والسارقة ) ولم تستخدم الجملة الفعلية (من يسرق فاقطعوا يده) كما جاءت في عقوبة القتل ( ومن يقتل ) وهناك فرق في الدلالة بين الجملتين، فمن يقتل ولو لمرة واحدة يُقتل، بينما في آية السرقة، جاء لفظ السارق بأل العهدية بمعنى أن السرقة صارت صفة ملازمة له حتى صار يسمى سارقا، ويمكن أن يعاقب بعقوبات أخرى كالسجن والغرامة في السرقات الأولى له). انتهى كلامه، ولا ينتهي العجب من طريقة استدلاله. أولا: مجمل المآخذ على الكاتب: 1- جرأته على القول في كتاب الله بغير علم. 2- جرأته على تخطئة رسول الله صلى الله عليه وسلم -حالا لا مقالا- في فهم الآية وبيانه لها، واستحقاره لفهم أئمة الدين وعلماء الإسلام من الصحابة فمن بعدهم. 3- اقتحامه سور المحكمات من الدين، المعصومة بإجماع الأمة قاطبة. 4- جهله الواضح باللغة العربية وقواعدها وطرق الاستدلال بها. 5- اختلال نظره في منهج البحث في الأدلة ومعرفة مراتبها، فضلا عن معرفة الصالح منها. 6- تأثره بالقُرّاء المعاصرين الذين ينادون بالتمرد على المنهج الأصولي؛ لأنه يقيدهم عن تحريف الأحكام لتنساب مع قناعاتهم وأهوائهم كيفما يشاؤون. 7- كلامه عن حد السرقة وما توصل إليه من نتيجة، مسبوقٌ إليه في مقال نُشر على صفحة في الفيس بوك، عنوانها: التفسير العصري للقرآن- روح القرآن بتاريخ 27 / 5 / 2011م. ثانيا: ملحوظات تفصيلية تثبت المآخذ الإجمالية: الكاتب – مع الأسف- لا يعرف الفرق بين الجملة الاسمية وبين الجملة الفعلية الذي لا يخفى على المبتدئ في علم اللغة.!! ولا يميز بين أل العهدية وأل الاستغراقية!! فكيف يسمح لنفسه بالخوض في كتاب الله والقول على الله بغير علم. فقول الكاتب: أن أل عهدية في قوله تعالى ( والسارق والسارقة ) ليس صحيحا، بل هي استغراقية لاستغراق الجنس تفيد العموم، حتى ولو كانت عهدية حسب زعمه فهي لا تدل على لزوم الصفة كما يتوهم، بل تدل على حصرها في سارق وسارقة مُعَيّنَيْن. وقوله أن آية ( ومن يقتل مؤمنا متعمدا ) جملية فعلية أيضا في منتهى الغرابة، والجملة التي اقترحها مثالا للجملة الفعلية ( من يسرق فاقطعوا يده)، قول عجيب لم يُخلق بعد من يقول به من أهل اللغة.!! بل الجملتان اسميتان مبدوءتان بالاسم الموصول الذي هو ( من ) بمعنى (الذي). وحتى لو حولها إلى جملة فعلية، فقال: اقطعوا يد كل سارق، فلن يختلف الحكم ولا المعنى، ولكن التعبير بالاسمية آكد وأقوى. فسقط بهذا ما بناه على هذه المقدمة الخاطئة. – أما كلامه عن جمع اليد في قوله تعالى: ( فاقطعوا أيديهما )، وأنه يلزم منه قطع اليدين للسارق أو السارقة، وأنه لا يحتاج إلى بيان من السنة المطهرة، فجوابه باختصار: أولا: حكم القطع يحتاج إلى بيان في الموضع الذي تقطع منه اليد؛ لأن مسمى اليد في لغة العرب يشملها من الكتف إلى الأصابع، فمن أين تقطع اليد من الكتف أم من العضد أم من المرفق أم من الساعد أم من الرسغ؟؟ وهل تقطع اليمنى أم اليسرى؟، وقد بين لنا النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن القطع من الرسغ في اليد اليمنى. ثانيا: زعمه أن ظاهر الآية يقتضي قطع اليدين كلها؛ لأنها جاءت بصيغة الجمع، فجوابه: أتراك وأنت بهذا الجهل في اللغة قد أتيت بما لم يتنبه له أحد قبلك، وخذ إشارة من الناحية اللغوية: جمع الأيدي في الآية جاء باعتبار أفراد نوع السارق، فالسراق كثيرون والسارقات كثيرات وستقطع أيدٍ كثيرة، وتثنية الضمير في ( أيديهما) باعتبار النوعين (الذكر والأنثى). بالإضافة إلى أن الجمع بين تثنيتين مكروه عند علماء اللغة، وشاهده قوله تعالى: (إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما)، وهما اثنتان وليس لهما إلا قلبان. والجواب على محاولته تحريف معنى القطع في الآية إلى الجرح!! أن غيره كان أذكى منه وأعلم، ولم يذهب إلى هذا الفهم أحد من الناس ممن له أدنى اطلاع أو فهم في اللغة، ومادة ( قطع ) وتصريفاتها في أصل اللغة تدل على البتر والإزالة والإبانة، وقد أشار لذلك الكاتب، فإذا كان هذا هو الأصل في معنى القطع فلا يجوز العدول عنه إلا بدليل، فكيف إذا كان الدليل القاطع يعضد الأصل ويقويه؟! وهو ما تواتر تواترا معنويا من تطبيق النبي صلى الله عليه وسلم لهذا الحد، فقد قطع يد سارق ويد سارقة، وقطع الخلفاء الراشدون من بعده أبو بكر وعمر وعثمان وعلي والأمة من بعدهم في وقائع متعددة لا حصر لها، ويستحيل أن تتواطأ الأمة على فهم وتطبيق خاطئ في أمر كهذا ولا في غيره، ولم يُنقل عن أحد منهم خلاف ذلك، أو أن أحدا أنكره حال تطبيقه مع توافر الدواعي القوية على ذلك، فأصبح من المحكمات المُسلّمة التي لا تقبل الخلاف والجدل، كالحقائق العلمية الثابتة والقوانين العلمية الراسخة التي يُصدر عنها ولا يورد عليها، ويُحتكَمُ إليها ولا تحاكم. هذا ولو فُتح باب التلاعب بمدلولات الألفاظ لما بقي لنا حكم ولا بقيت لنا شريعة. هذه إشارات بسيطة تدل على ما عداها، وسيطول الكلام جدا لو تصديت للجواب على كل خطأ أورده الكاتب في كلامه عن حد السرقة، وأختم بهذه اللفتة ليتأملها مليا فأقول: إذا لم تقتنع بصريح القرآن وبما ثبت في السنة الصحيحة وبما أجمعت عليه الأمة فهما وتطبيقا لحد السرقة، ولم تر فيه حجة كافية وافية، وأنكرت الشمس وهي طالعة والسماء صافية!!، فماذا تقول إذا كان أئمة المعتزلة وأساطينهم المشهورون (بتقديم العقل على النص) ومنهم إمام اللغة والبيان أبو عثمان الجاحظ، وإمام اللغة والأصول القاضي عبدالجبار المعتزلي وغيرهما لم يصدر عنهم مثل هذا الفهم في القرآن؟؟!! وكذلك أئمة الرافضة رغم ولعهم الشديد بمخالفة الأمة في كل شيء إذا وجدوا لذلك سبيلا ترتضيه عقولهم، فلم يجرؤوا أن يقولوا بمثل هذه الأقوال التي تبنيتها.!! فعدم ذهاب هؤلاء وغيرهم إلى هذا الطرح البعيد الذي ذهبت إليه ليس لغفلتهم عنه، وإنما له سبب بسيط وهو أن من بلغ شأوا ولو يسيرا في علم اللغة فضلاً عن المتعمق فيه، يستحيل أن يصدر عنه مثل هذا الهذيان الذي هو أقرب إلى اللعب وعبث الصبيان. والله المستعان.