الشرطة الأمريكية تعتقل تمثال الحرية    مارب.. وقفة تضامنية مع سكان غزة الذين يتعرضون لحرب إبادة من قبل الاحتلال الصهيوني    البنتاجون: القوات الروسية تتمركز في نفس القاعدة الامريكية في النيجر    كارثة وشيكة ستجتاح اليمن خلال شهرين.. تحذيرات عاجلة لمنظمة أممية    تعز تشهد المباراة الحبية للاعب شعب حضرموت بامحيمود    وفاة امرأة عقب تعرضها لطعنات قاتلة على يد زوجها شمالي اليمن    مليشيا الحوثي تعمم صورة المطلوب (رقم 1) في صنعاء بعد اصطياد قيادي بارز    عاجل..وفد الحوثيين يفشل مفاوضات اطلاق الاسرى في الأردن ويختلق ذرائع واشتراطات    انتحار نجل قيادي بارز في حزب المؤتمر نتيجة الأوضاع المعيشية الصعبة (صورة)    إعلان عدن التاريخي.. بذرة العمل السياسي ونقطة التحول من إطار الثورة    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    تقرير: تدمير كلي وجزئي ل4,798 مأوى للنازحين في 8 محافظات خلال أبريل الماضي    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    يمكنك ترك هاتفك ومحفظتك على الطاولة.. شقيقة كريستيانو رونالدو تصف مدى الأمن والأمان في السعودية    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قطعُ الشرور، أم شرُّ الحدود..؟!
عقوبة «السرقة» بين دعاوى التجديد ومساوئ التقليد
نشر في الجمهورية يوم 28 - 03 - 2014


«2-1»
لم أتوان مطلقاً أن أنضم إلى صفوف الحُذّاق الرافضين لعقوبتي الردّة والرجم؛ كون الأولى صناعة سلطانية هدفها تصفية الخصوم ب«اسم الله» والثانية عقوبة تلمودية لا تنسجم مع توازن الشريعة، غير أن رفضي الشديد لهاتين العقوبتين يقابله رفض أشد لمحاولات التأويل لعقوبة السرقة وحملها على المنع بالسجن أو الجرح دون البتر اعتماداً على تفسير للنص بعيدٍ عن السياق العام والخاص، أو الدعوى إلى استبدالها بعقوبات أُخرى وفق تطبيق غير علمي لفقه الواقع أو فقه المقاصد، وموقفي في كلا الحالين رغم تباينهما نابع من خضوعي لصرامة المنهج الذي أتبعه في تفسير النصوص دون الالتفات إلى رضا معشر المجدّدين أو سخط عشيرة المقلّدين..
- أعلم أنه في ظل الهجمة المحمومة على الحدود والرفض غير الموضوعي لتطبيق الشريعة؛ فإن جمعاً من دعاة التجديد حريصون على أن يُظهروا سماحة ورحمة أحكام الإسلام انطلاقاً من الوصية النبوية «حتى تعلم يهود أن في ديننا فُسحة» ولا أنُكر أني أوافقهم في الغاية؛ غير أني أختلف معهم في الطريقة، فسماحة الإسلام عندي لابد أن يلازمها اتزانه وعقلانيته، ورحمة الإسلام لا تنفك عن عدالته وقطعه لأسباب الفساد، والحرص على الإقناع بصلاحية الشريعة لا يكون على حساب مصادرة بعض أحكامها المحقّقة لمصلحة المسلمين.
- لقد تتبعت مستقصياً حجج القائلين بتأويل عقوبة السرقة وحملهم معنى الآية «فاقطعوا أيديهما» على الجرح دون البتر أو المنع من السرقة بالسجن، كما تتبعت حجج القائلين باستبدال عقوبة القطع بعقوبة أُخرى أقرب إلى روح العصر، وأوفق بمقاصد الشرع، فوجدت حجج الفريقين هشّة لا تصمد أمام صلابة المنهج العلمي، غير أني بقدر ما دحضت رأي دعاة التجديد؛ دحضت تمسُّك دعاة التقليد بالشروط والحدود التي وضعها الفقهاء السابقون لتطبيق حد السرقة كونها حدوداً وشروطاً قائمة على اجتهادات بعضها ظرفية وأخرى أدلتها متناقضة في معناها أو ضعيفة في ثبوتها.
نسف تأويل روّاد التجديد
لم أجد أدنى مشقّة في نسف تأويل روّاد التجديد وتلمّست أسلحتي فوجدت أقواها السياق فصرعت به حُججهم، وذلك أنهم أولوا القطع في قوله تعالى: «وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ» (المائدة 38) الجرح وطاروا فرحاً بما وجدوه في سورة يوسف من قوله تعالى (فَلَمَّا رَأَيْنَهُ أَكْبَرْنَهُ وقَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ) (يوسف:31)، ويستحيل بحال من الأحوال في رأيهم أن يصل الذهول بالنسوة إلى بتر أيديهنّ، بل إنه في رأيهم الجرح فحسب، وحملوا القطع في عقوبة السرقة بمعنى القطع في حادثة النسوة؛ أي الجرح وحسب، غير أنهم لو تمهلوا قليلاً ونظروا في السياق العام والخاص للآية الخاصة بالسرقة الواردة في المائدة لوجدوا أن فرحتهم سراب، وأن الأمر مختلف عن حادثة النسوة، فالقطع في عقوبة السرقة لا يمكن أن يحمل دلالة غير البتر.
- لقد أذهلتني التعقيبات العنيفة الواردة عقب ذكر عقوبة السرقة «نكالاً من الله»، «والله عزيز حكيم» وتساءلت: هل غابت عن دعاة التجديد أم تعاموا عنها..؟!، لقد ذكر الله لفظ "النكال" بما يحمله من معنى العقوبة الشديدة المانعة من العودة إلى الجرم، ثم أردفه بذكر صفة العزّة بما تحمله من معنى الغلبة الإلهية لمرتكبي هذه الجناية، ثم زاد عليه صفة الحكمة ليدفع كل وسواس قد يساور النفوس في غِلظ هذه العقوبة، فهل كل هذه التعقيبات المتوالية بما تحمله من روح التأكيدات الحاسمة لمجرد عقوبة مخفّفة كالجرح، أم أنه ادعاء ننزه عنه كلام البشر البلغاء، فكيف نجرؤ على أن ننسبه إلى كلام الله..؟!.. وتزايد ذهولي حين أعدت قراءة الآية المتعلّقة بالعقوبة في سياق الآيات السابقة واللاحقة لها فوجدتها واردة بعد جرائم جسيمة وعقوبات مغلظة، أما الجرائم ف «القتل - والحرابة - والفساد في الأرض»، وأما العقوبات ف«الإعدام - وقطع الأطراف - والنفي - والصلب» وورود عقوبة السرقة في هذا السياق المشحون بأجواء التشديد والتغليظ يستوجب علينا دون أدنى تردُّد أن نحمل عبارة «فاقطعوا أيديهما» على البتر وليس غيره، ولم تقتصر أجواء التشديد على العقوبات الدنيوية بل امتدت لتشمل العقوبات الأخروية التي تخلّلت الحديث عن عقوبة السرقة، فقد سبقها الحديث عن قوم لن يقبل الله منهم الفداء عن كفرهم ولو بلغ جميع ما في الأرض ومثله معه، والحديث عن دوام العذاب دون التفات إلى مراد أصحاب النار في الخروج منها، وتبع الحديث عن عقوبة السرقة كسر لعادة القرآن في تقديم المغفرة على العذاب والتي لم تتخلّف قط إلا في هذا الموضع حيث قال الله تعالى هنا: «يعذب من يشاء ويغفر لمن يشاء» المائدة 40-.
- وبلغ ذهولي أقصاه حين تتبعت لفظ القطع في السياق العام للقرآن فوجدتها وردت في المعنويات والمحسوسات، أما في المعنويات فجاءت بمعنى الانتهاء والمنع، وأما في المحسوسات فلم ترد بغير معنى البتر باستثناء حادثة يوسف والنسوة لقرائن واضحة وضوح الشمس لم تتوافر لغيرها وبقي ما عداها على الأصل، وهذا ما زادني يقيناً أن القطع في عقوبة السرقة أمر تُقرّه كل السياقات في القرآن سواء أكان سياق الآية أم سياق الآيات أم سياق القرآن العام، والمساواة بين المعنويات والمحسوسات في معنى القطع أو عدم التسليم لكل هذه السياقات جرياً وراء احتمالات مرجوحة للفظ «القطع» سقوط علمي يرفضه أولا الألباب.
إذا عظُم الجرم عظُمت العقوبة
لقد أخرس الله الألسنة وألجم الأفواه حين قال عن عقوبة السارق والسارقة «جزاء بما كسبا» والجزاء يعني المجازاة ويتضمّن في تضاعيفه دلالة التكافؤ بين الجُرم والعقوبة، كما أن ورود هذا التعقيب بعد ذكر العقوبة يحمل في طياته دفع ما يمكن أن تتحرّك به نفوس السامعين من استنكار لعقوبة القطع بمعنى البتر، ولو كان المقصود مجرد الجرح لما احتاج الشارع الحكيم لهذا التأكيد والإيضاح بتكافؤ العقوبة مع الجرم.
- إن منطق الشرع يتوافق مع منطق العقل في تقرير العقوبة بقدر الجُرم، وجُرم التعدّي على الناس في أموالهم دون وجه حق جُرم عظيم في عُرف الشارع وقانون الحياة، وأكبر دليل على ذلك فوق ما ذكرناه سالفاً حديث القرآن عن التوبة في جملة من التأكيدات بعد حديثه عن عقوبة السرقة ووصفه لفعل السرقة بالظلم، قال الله تعالى: «فمن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم» المائدة 39-ووصف الفعل ب«الظلم» في لغة القرآن والمطالبة بالتوبة منه لا يكون إلا في كبائر الذنوب، ولو عُدنا خطوات إلى آيات الحرابة السابقة عليها لوجدنا أن الله قد قرنها بالتوبة كما قرن فعل السرقة بالتوبة فقال اله تعالى في الحرابة: «إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْل أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّه غَفُور رَحِيم» - المائدة 34-، واقترانهما بشيء واحد هو التوبة دليل تقاربهما في المفسدة والعقوبة.
- وهنا لابد أن أنبّه إلى أن جُرم السرقة الوارد في الآية لا ينطبق على من ارتكبه عن حاجة أو هفوة، وإنما يُقصد به من احترف السرقة ليغتني بها وقد انفتحت بين يديه أبواب الحلال، وهذا ما رمت إليه الآية في اختيارها صيغة اسم الفاعل «السارق» بما تدل عليه من معنى ثبوت ولزوم الصفة في حاملها في رأي جمهور النحاة، ووضع اللفظ في جملة اسمية يحسم دلالتها على الثبوت عند جميع النُحاة ويزيده، ولا شك أن احتراف الإجرام خطر جارف على حقوق الخلق لا يوقفه شيء كصرامة العقوبة، بخلاف من عثر في زلّة يأمل منا أن نهبه فرصة لينهض منها.
- ولا أنسى أن أنبّه هنا إلى تشويش قد يرد على البعض في جمع الأيدي في قوله تعالى: «فاقطعوا أيديهما» بالرغم من أن الحديث عن اثنين هما «السارق والسارقة» وأن القطع بمعنى البتر في رأيهم يستحيل لأنه سيؤدّي إلى قطع كلا اليدين لكل من السارق والسارق حتى تتحقّق دلالة الجمع، لأنه لو أراد بتر يدٍ واحدة لكلٍ منهما لقال «فاقطعوا يديهما» بالتثنية، ومن ثم فالأفضل في رأيهم حمل القطع على الجرح حتى تتحقّق دلالة الجمع، وغفل هؤلاء أن العرب لها أساليب في كلامها نزل على حذوها القرآن، ومنها أن العرب تستنكف في الغالب من كلامها أن تجمع بين تثنيتين هروباً من الاستثقال كقوله تعالى: «إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما» - التحريم - ولا حرج أن نذكر تخريج آخر لصاحب التحرير التنوير مفاده أن لفظ «أيديهما» جمعُ «الأيدي» فيه مراعاة للمعنى «أي كل سارق وسارقة» وضمير «هما» مراعاة للفظ «السارق والسارقة» والأخذ بهذه التوجيهات إضافة إلى وجاهتها يؤيدها السياق.
استبدال العقوبة مضادٌ لحكمة الله
في البداية لم أتوان عن المناقشة والتفكير في إمكانية البحث عن عقوبة بديلة لجناية السرقة مراعاة لاختلاف الحال وتغير الزمان، غير أنه سرعان ما اقشعر جلدي واهتزت أركاني عندما قرأت قوله تعالى بعد أمره بالقطع: «والله عزيز حكيم» فأدركت أن الله قد قال كلمته الأخيرة في السارق والسارقة بما لا متسع فيه للمراجعة، فأدرت تفكيري تجاه القائلين بانتهاء صلاحية العقوبة الواردة في القرآن لأكشف تهافت قولهم وانحراف رأيهم عن مسار الحكمة.
- لقد قالوا إن الغاية من الحد هي كف السارق عن السرقة، وهذا قد يتحقق بالسجن أو الغرامة دون القطع، ومالم يكن متاحاً في زمن النبوّة كالسجون صار متاحاً في زماننا، غير أنهم لم يحدثونا لماذا فرّق الشارع بين عقوبة الجنايات فنصّ على بعضها وترك بعضها لاجتهاد أولي الأمر فيما سمّاه الفقهاء بعد ذلك بالعقوبات التعزيرية، ولماذا فرّق الشارع بين العقوبات المنصوص عليها فحسم الخيار في قسم منها كعقوبة الزنى والقذف والسرقة، وفي قسم منها نصّ على أكثر من خيار كعقوبة القتل؛ حيث جعل لأولياء الأمر الخيار بين العفو والدّية والقصاص، وفي عقوبة الحرابة وضع لولي الأمر اختيار الأنسب بين القتل والصلب والنفي وقطع الأطراف..؟!.
- واستمراراً لمسلسل التساؤلات المحرجة لهم؛ نقول: ولماذا فرّق الشارع في نوع العقوبة المنصوص عليها فجعل في بعضها الجلد وفي بعضها القطع وفي بعضها القصاص وفي بعضها الغرامة، ولماذا فرّق الشارع في قدر العقوبات المنصوص عليها فجعل في الزنى مائة جلدة وفي القذف ثمانين، ولماذا اشترط الشارع في بعض العقوبات أن تكون على مشهد من المؤمنين ولم يشترط ذلك في البعض الآخر، ولماذا لم يكن النبي صلّى الله عليه وسلّم يحتجز السُراق في الأماكن التي كانت مخصّصة لاحتجاز الأسرى بدل قطع أيديهم، ولماذا لم يجتهد النبي صلّى الله عليه وسلّم في المبادلة بين العقوبات في بعض الأحوال فينفي السارق ويقطع يد الزاني ويُغرّم المحارب ويصلب القاتل، أم أنه حرام عليه بالأمس مع توفر الدواعي حلالٌ لنا اليوم..؟!.
- بمعنى آخر لو كان الأمر في العقوبات المقدّرة كماً ونوعاً خاضعاً للاجتهاد وتقلبات الزمان وتطورات الحياة لما نصّ الشارع عليها وجعلها مع العقوبات التعزيرية في سلّة واحدة ولما فرّق بينها في النوع والقدر وشكل التنفيذ، بل كان يكفي الشارع أن ينص على سلّة من العقوبات بعيداً عن ربطها بجنايات محدّدة ويترك لأهل كل زمان أن يربطوا بين نوع الجناية وبين نوع العقوبة وقدرها بما يتناسب مع متغيّرات زمانهم، كما أن هناك سؤالاً بريئاً لدعاة استبدال العقوبة مفاده: «هل يا تُرى ينسحب باب الاجتهاد في تغيير العقوبات المقدّرة على تغيير الكفارات المقدرة، أم أن هناك سراً خاصاً بالعقوبات مفقود في الكفارات، ويا تُرى ما هو السر..؟!».
أيادٍ مقطوعة خيرٌ من أيادٍ آثمة
عجبت من إشفاقهم على أيدي الجُناة وادعائهم أن البتر سيخلّف لنا مجتمعاً بأيادٍ مبتورة ونفوس موتورة، كما أنه سيحرم السُراق من القدرة على إعالة أسرهم ويجعلهم ومن يعولون عالة على المجتمع، وكل هذا في رأيهم ينافي رحمة الإسلام بالناس أفراداً وجماعات، وتناسى هؤلاء أن قانون الحياة لا يتم بالرحمة دون العقاب، وسلوك الإنسان لا يستقيم باللين دون الشدة، وميزان الشرع لا يعتدل بالترغيب دون الترهيب، والرفق بالأشقياء لا يقلّ خطراً عن القسوة بالأتقياء.
- إن إشباع البطون الجائعة وظيفة سامية لا تُحسنها الأيادي الآثمة، والسعي في الأرض لجمع القوت الحلال لا يهواه من ملأ بطنه من كد الناس وتعبهم، والشفقة بالمعتدين إجحافٌ صارخ بالمعتدى عليهم، والحرص على يد السارق من البتر تضييع لحقوق الخلق وتوسيع لدائرة الجريمة، وقطع يدٍ واحدة فيه كف آلاف الأيادي عن العدوان، وحفظ نفوس السُراق أن يكونوا ناقمين لا يكون بإتاحة الفرصة لهم ليكونوا معتدين، والدعوى لحماية أيدي السُراق يفتح الباب لحماية رؤوس القتلة، فوجود مجتمع برؤوس مقطوعة أعظم بكثير من وجود مجتمع بأيدٍ مبتورة، فهل نُلغي القصاص..؟!، لا والله، بل تحوُّل السُراق بعد بتر أيديهم إلى عالة خيرٌ من استمرارهم مجرمين، ووجود أيدٍ مقطوعة خيرٌ من بقائها أيادي آثمة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.