مرة أخرى يخطئ العدو حساباته فيشن حربا مجنونة على قطاع غزة تحت حجة إسكات صواريخ المقاومة؛ إذ إن محاولة نتنياهو زيادة أسهمه عشية الانتخابات أوقعته في شر حساباته، وجعلته يفشل في لجم المقاومة ووضع حد لصواريخها التي تزداد دقة وتدفقا باتجاه أهداف العدو! يبدو أن حكومات الاحتلال لم تتعلم من تجارب غيرها، فقد تحطمت آمال رئيس الوزراء السابق إيهود اولمرت على صخرة غزة، فخسر هذا الانتخابات بعد أن ظن أن تصعيد حربه على غزة سيرفع أسهمه الانتخابية. فقد ظن أولمرت في نهايات 2008 أنه قادر على حسم المعركة، ووضع حد للصواريخ بسرعة، فكانت النتيجة فشلا مدويا لحربه وزيادة لصواريخ المقاومة وخسائر غير متوقعة لجيشه وصودا أسطوريا لفصائل المقاومة. وفي عام 2000 ظن شارون أنه بسياسة القبضة الحديدة يستطيع إخضاع الفلسطينيين وأن يحكم قبضته على القدس دونما ردة فعل من الفلسطينيين اليائسين من فشل عملية التسوية، فقام بتدنيس المسجد الأقصى هو وجنوده في 28 سبتمبر متسببا في انتفاضة عارمة كلفت مئات الشهداء دون أن تخضع المقاومة أو توقف العمليات الجهادية. وقبلها في 1987، حاول المستوطنون استفزاز الفلسطينيين، فيما عرف بحادثة المقطورة، متسببا بانتفاضة عارمة لم تهدأ إلا بمؤامرة مؤتمر مديد 1991 واتفاق أوسلو 2003. صحيح أن الشعب الفلسطيني متحفز ضد الاحتلال، ولكن الاستفزاز يعيد دائما التفكير بالاحتلال ومواجهته، ويطرح القضايا المرتبطة بالاحتلال من إذلال واستيطان وهدم ومصادرة وإهدار لكرامة الإنسان. واحتلال «إسرائيل» هو الأبشع والأطول في هذا العصر، ووعي الفلسطينيين بخطورته وضرورة إزالته في تزايد، كما أن استمرار سياسات القهر الإسرائيلية لم تفت في عضد الفلسطينيين كما يظن الاحتلال. وفوق هذا، فإن القوى الحية في الشعب ما تزال تعد العدة لمواجهة العدو وتحفيز الناس على استعادة حقوقهم المغتصبة. لقد ثبت الفلسطينيون على أرضهم على محاولات التهجير، وتمسكوا بمقدساتهم رغم محاولات التهويد، وواجهوا المحتل رغم سياسات القهر والعربدة الإسرائيلية، فاستمر الصراع حلقة إثر حلقة وموجة إثر موجة وانتفاضة تتبع انتفاضة. وخروجا عن هذا السياق، تخاذلت بعض القوى الفلسطينية فدخلت في عملية تسوية حاولت تجنيد فئة من الشعب ضد أخرى، وكان هذا الاختبار الأصعب للفلسطينيين حتى من الاحتلال ذاته، ولكن العدو لم يعط هذه الفئة أي فرصة ففشلت التسوية وضعف أتباعها، واستمر نفس المقاومة معبرا عن نفسه بأشكال متعددة. وهكذا، كان الاحتلال دائما كان العقدة، وممارساته هي المشكلة، إلا أن إصرار الشعب الفلسطيني على التمسك بحقوقه أفشل مخططات التركيع عسكريا وسياسيا وأمنيا واقتصاديا. ويأتي العدوان الإسرائيلي الأخير ليصب في مخطط التركيع؛ ذلك أن الفلسطينيين قرروا عدم الرضوخ للمحتلين وشرعوا بتسليح أنفسهم بأسلحة، وإن كانت بسيطة، إلا أنها عظيمة بمعنى الصمود وتركيزها على نقطة ضعف المحتل وهي الأمن. ولكل ذلك، فإن هزيمة هذا الشعب غير ممكنة، وإركاعه غير وارد؛ وبالتالي فإن العدوان الأخير إلى اندحار وهزيمة؛ لأنه لن يتمكن من تحقيق أهدافه، فضلا عن أنه كشف عن إمكانات كبيرة نسبيا للمقاومة، يبدو أنها ستجعل الفلسطينيين رابحين في لعبة عض الأصابع مع الاحتلال. والمقصود بالربح هنا هو الصمود في وجه آلة الاحتلال الحربية وليس هزيمتها؛ إذ إن هذا غير ممكن حاليا في ظل موازين القوى الحالية.