تابعت خطاب عبدالملك الحوثي الليلة بسقف منخفض من التوقعات وخرجت بالملاحظات التالية، واغلبها توقعته تماما قبل الخطاب: انتقال واضح للحوثيين من خطاب "الثورة" إلى خطاب "الاحتلال". فهم لم يعودوا يقدمون نفسهم كحركة ثورية وإنما حركة معارضة للاحتلال، وهذه نقلة مهمة تكشف انتقالاً مهماً من خطاب القوة إلى خطاب المظلومية مرة اخرى! تتخفف العنجهية الحوثية وتتحول إلى خطاب متواضع جل همه إدانة العدوان والاحتلال. – نصر عدن كان حاضراً جداً كشوكة في الحلق، ولم يستطع الحوثي في خطابه إلا التقليل من أهمية هذا الانتصار واعتباره حدثاً عابراً ومؤقتاً. لكنه في الحقيقة ليس حدثاً عابراً أبداً، إنه نقطة تحول تنقل الحوثيين من خانة الهجوم إلى خانة الدفاع. – حاول الحوثي إقامة نوع من التشابه بين التدخل الأمريكي في فيتنام والتدخل الإسرائيلي في لبنان وبين التدخل الإماراتي السعودي في عدن، لكنه يتناسى حقيقة مهمة أن التدخل السعودي الإماراتي في الجنوب يحظى بحاضنة شعبية واسعة وأنه مطلب شعبي واسع سبق التدخل بشهور.. بل إنه يتناسى النقطة الأهم وهو أن اليمنيين قي الجنوب وفي تعز مثلاً ينظرون للحوثي على أنه المحتل والوجه المحلي لإسرائيل وأمريكا في اليمن! – من الأشياء الظريفة أن عبد الملك الحوثي يتحدث عن فيتنام وتجربتها التحررية، ربما يحتاج فريقه الإعلامي إلى إعطائه معلومات أكثر عن التجربة الفيتنامية التي تتقاطع إلى حد ما مع المقاومة الشعبية ضده في ماربوعدنوتعز أكثر من تفاطعها مع تجربته الاكتساحية الأقرب إلى تجربة طالبان أفغانستان. ربما في الخطاب القادم الأفضل أن يتحدث عن تجربة أفغانستان الطالبانية في مواجهة أمريكا وتدمير البلد. – لا زال يتحدث عن "شعبنا العظيم" بإحساس طاغي بملكيته الشخصية للشعب وقراره. – خطابات الحوثي ليست خطابات سياسية وإنما خطابات حشد وتعبئة تتوجه لنفس الجمهور الجاهز: الحاضنة الشعبية للحركة الحوثية في مناطق الشمال.. لهذا لا يحب أن نتوقع منها أي آفاق أو توجهات سياسية، لكنها المرة الأولى التي يتحدث فيها بوضوح وتكرار عن إمكانية "الحل السياسي" وهذه نتيجة من نتائج انتصار عدن. – لم يتحدث في خطابه عن تعز لكن التراجع الميداني السريع لجماعته هناك كان موجوداً وواضحاً في نغمة الاعتراف بالهزيمة واستدعاء هزيمة "معركة أحد" من ناحية والتلويح أكثر من مرة بإمكانية الحل السياسي من جهة أخرى. – كما توقعت لم يتحدث عن الجرعة التي أضافتها اللجنة الثورية "للثورة" التي قامت أساساً ضد الجرعة. وأتوقع أنهم سيغيرون كافة أدبياتهم عن الحديث عن 21 سبتمبر متجنبين قدر الإمكان أي إشارة إلى الجرعة السعرية! إنها إعادة للتاريخ بنفس طريقة (جورج أوريل) في رواية 1984 "إعادة صياغة الماضي من جديد مع كل تحول في سياسة الحركة يتناقض مع شعاراتها المعلنة". – الطول المبالغ فيه لخطابات عبد الملك، و "اللت والعجن" أمر مقصود الغرض منه تأسيس الحوثي كسلطة رمزية فوق النقاش، وكزعيم تجلس الجماهير لساعات أمام التلفزيون لسماع توجيهاته. – كما توقعت أيضاً، لم يحدد ما هي "الخيارات الاستراتيجية"، ربما يحتاج إلى الاستعانة بالجمهور (ما تبقي منهم حيا على الأقل!). باختصار إنه خطاب التلويح بالهزيمة والسياسة معاً.