بقيت أسعار برميل النفط دون حاجز 50 دولارا مع استمرار العوامل الضاغطة ومنها تخمة المعروض جراء ثورة الوقود الصخري في الولاياتالمتحدة الأميركية وزيادة الإنتاج من الدول الأعضاء داخل أوبك ومن الدول المنتجة خارجها والعودة الوشيكة لإيران بعد تسوية ملفها النووي المثير للجدل. يقابل ذلك انكماش الطلب نتيجة لتباطؤ النمو في الاقتصاد العالمي، لا سيما الاقتصادات الآسيوية ومنطقة اليورو. ولعل أهم المستجدات التي شهدتها أسواق النفط في الآونة الأخيرة هي؛ أولا: دخول السوق حالة ال"contango" وهي الحالة التي تكون فيها الأسعار المستقبلية (futures) أعلى من الأسعار الآنية (spot)، ما يدفع المتعاملين في السوق للاحتفاظ بالمخزون (بخلاف حالة التراجع "backwardation" التي طبعت الأسواق سابقا والتي تكون فيها الأسعار في السوق الآنية أعلى منها في السوق المستقبلية، ما يدفع المتعاملين إلى بيع ما لديهم من مخزونات بدلا من الاحتفاظ بها) والذي وصل أقصاه لدى الدول الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية؛ إذ تفيد البيانات أن المخزون التجاري قد تجاوز 3 مليارات برميل وهو يقدر في الولاياتالمتحدة عند مركز تجميع الإمدادات في (cushing) في ولاية أوكلاهوما عند 488 مليون برميل، وهو الأعلى له منذ ثلاثينيات القرن الماضي. ثانيا: عودة إندونيسيا إلى عضوية المنظمة؛ بعد تعليق لعضويتها لمدة 7 سنوات، قررت الالتحاق بالركب النفطي من جديد والذي سيعلن عنه رسميا في اجتماع أوبك في كانون الأول(ديسمبر) المقبل باعتبارها الوافد الثالث عشر في المنظمة. وأثار هذا القرار دهشة المراقبين، لا سيما وأن إنتاجها يبلغ في المتوسط 850 ألف برميل يوميا؛ أي أقل بحوالي 780 ألف برميل يوميا من استهلاكها العام الماضي. ووصلت فاتورة النفط المستورد لديها العام 2014 إلى 13 مليار دولار. وتعد هذه سابقة في أن تقبل المنظمة عضوا فيها رغم كونه صافيا مستوردا للنفط بخلاف لوائح المنظمة التي تشترط لقبول العضوية أن تكون الدولة المنضوية مصدر صاف. بيد أن عودة اندونيسيا قد تكون بادرة حسن نية في حلحلة العقدة المستعصية في اختيار أمين عام جديد للأوبك، بما يفضي إلى تنسيق السياسات بما في ذلك سياسة الإنتاج داخل المنظمة والتي تعد من صلاحيات الأمين العام؛ إذ تم التجديد مرتين للأمين نفسه (الليبي الجنسية) بعد غياب الإجماع على مرشح يحظى بالقبول، نظرا للمنافسة المحتدمة بين مرشحي السعودية والعراق وإيران، وقد تفضي عودة اندونيسيا إلى حسم الموضوع، لا سيما وأنها ترأست سكرتارية المنظمة أكثر من مرة سابقا. ثالثا: العوامل الجيوسياسية أعادت أمن الإمدادات إلى الواجهة من جديد؛ إذ تعمل هذا العوامل عادة على إيجاد زخم ضاغط على الأسعار نحو الأعلى، خشية التوقف المفاجئ للإمداد والتي تسببها حالة عدم اليقين، أو ما يعرف ب"علاوة الحرب" (war premium)، بيد أن هذا العامل كان له أثر آني ظرفي بعد إسقاط المقاتلة الروسية فوق الأراضي التركية قرب الحدود السورية؛ إذ ارتفعت الأسعار لوهلة بحدود 3 % فقط، خشية تلويح روسيا بعقوبات اقتصادية بما في ذلك توقف الضخ عبر المجرى الأزرق (blue stream)، وهو الخط الذي ينقل الغاز الطبيعي من روسيا إلى تركيا عبر البحر الأسود بدون المرور بأوكرانيا والتي تعتمد عليها الأخيرة؛ تركيا؛ بما يربو على 60 % لتأمين حاجياتها من الطاقة. وجاء هذا التصعيد في العلاقات الروسية التركية بعد الأحداث الدامية في باريس، وتشير أصابع الاتهام إلى المسؤولية المباشرة لتنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش) والتي ولدت حالة من الترقب والانتظار لدى المتعاملين في السوق، لا سيما وأن الأحداث وتداعياتها المحتملة تتمحور في أماكن متاخمة للمراكز النفطية الشرق أوسطية الرئيسية والتي تضم ثلثي الاحتياطيات العالمية، إلا أن السوق أدرك مع استمرار التدفق الآمن للإمدادات بخلاف ما كان يحصل سابقا؛ إذ كانت الأسعار ترتفع توجسا من توقف الإمداد المفاجئ ما يفضي إلى دفع الأسعار نحو الأعلى، إن فرص احتمال انقطاع الإمدادات المفاجئ قد تلاشت تماما وعادت العوامل الضاغطة على الأسعار تفعل فعلها من جديد. خلاصة القول؛ هناك إجماع بأن الأسعار ستبقى دون عتبة ال50 دولارا خلال الربع الأول من العام المقبل على أن تستعيد بعض عافيتها تدريجيا في الربع الثاني من العام 2016؛ إذ ستعمل تخمة الإمدادات على إعادة التوازن بين العرض والطلب جراء انخفاض الاستثمارات في عمليات الإنتاج والتنقيب والتي تخطت 100 مليار دولار، ولجوء الشركات النفطية العملاقة إلى تسريح العديد من موظفيها، مع توقع نمو في الطلب العالمي يصل إلى 1.6 مليون برميل يوميا، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية. علما بأن الفجوة بين العرض والطلب تناهز المليوني برميل يوميا. ويتطلع المراقبون نحو اجتماع أوبك المقبل في مقر المنظمة في العاصمة النمساوية فيينا يوم 4 كانون الأول(ديسمبر) مع عدم توقع حدوث أي تغيير في الإنتاج البالغ حاليا 32 مليون برميل يوميا (تتبلور قناعة بين الدول الأعضاء أن الإنتاج الحالي يلبي متطلبات الإنتاج الإضافي بعد عودة اندونيسيا لعضوية المنظمة)، رغم أن السقف المقرر هو 30 مليون برميل يوميا؛ إذ يتبلور إجماع خليجي داخل المنظمة (بقيادة السعودية) بأن أي خفض للإنتاج يجب أن يتم من خلال التنسيق مع الدول النفطية خارج المنظمة؛ وبخلافه؛ فإن أي تخفيض سيصب في صالح الدول المنتجة ذات التكلفة المرتفعة، كما سيهدد مصالح الدول الخليجية التي تخشى من فقدان حصتها السوقية لحساب الدول النفطية المنافسة مثل روسيا الاتحادية التي تتطلع إلى الاستحواذ على حصص جديدة في السوق الآسيوية الواعدة. المصدر | الغد الاردنية