انتقد إيران دوما على دورها السلبي في الفضاء العربي الذي يبدو مفتوحا أمامها على مصراعيه، لا توجد قوة عربية أو موقف عربي جامع مانع يمكن أن يغلق هذا الفضاء أمامها، بل من العرب من يساعدها في فتح الباب: النظام السوري، والعراقي، وحزب الله في لبنان، والحوثيون في اليمن، والجماعات الطائفية في بعض البلدان العربية، وخصوصا البحرين، وهنا مشكلة إيران المركبة مع العرب. 1- أنها تريد التدخل في الشأن العربي الجماعي، وفي الشأن الداخلي لكل دولة عربية. 2- أنها تعتبر المنطقة العربية مجالا حيويا لها تلعب فيه كما تشاء دون اعتبار لأصحاب وسكان هذا المجال. 3 – تتدخل بهدف صنع النفوذ والتأثير على الحكومات العربية. 4 – بجانب أن تدخلاتها مرفوضة لأنها ليست بلدا عربيا فإنها ذات وجه طائفي ومذهبي بحت من خلال دعم جماعات مذهبية في الأوطان العربية، وحتى في العلاقات بين البلدان العربية فإنه غير مسموح بالتدخل والقفز على السيادة الوطنية. 5 – تنتهج منذ ثورتها في عام 1979 طريقا لا تريد التخلي عنه وهو فكرة تصدير الثورة إلى جيرانها العرب تحديدا لخلخلة الأنظمة القائمة واستبدالها لو أمكن بأنظمة موالية لها ولو كانت ذات وجه طائفي مثلها فإن ذلك يكون منتهى أملها ومصدر سعادتها ونجاحها كما حصل في العراق وكما كانت تريد في اليمن وكما تسعى في لبنان وكما هو قائم في سوريا منذ مجيء الأسد الأب عام 1970 حيث روج وجها قوميا بعثيا لنظامه لكن جوهر انقلابه كان علويا عنصريا إقصائيا ثم صار عائليا وراثيا. 6 – رغم 8 سنوات من الحرب بين إيرانوالعراق والخسائر الفادحة التي تكبدها الطرفان والعرب أيضا وخصوصا عرب الخليج إلا أن ملالي إيران لا يريدون التخلي عن فكرة تصدير الثورة وإقامة إمبراطورية فارسية جديدة دينها الإسلام الشيعي باعتباره هو الإسلام الصحيح عندها، ويجب الانتباه إلى أن إيران عندما تتحدث عن الإسلام أو الأمة الإسلامية فإن المعنى لديها هو الإسلام بطابعه وتفسيره الشيعي الإثني عشري وكذلك الأمة المقصودة هى من تؤمن بالإسلام الشيعي، ولمن لا يعلم فإنه هو المذهب الرسمي في الدستور الإيراني الديني الطائفي. 7 – لم تدخل إيران بلدا عربيا ولم توطد أقدامها فيه عبر الجماعات والأحزاب المذهبية التي تدين بالولاء لها وتعمل وكيلا عنها إلا واشتعلت الفتن والحروب في هذا البلد، ولدينا العراق الذي وضعت يديها عليه فتحول إلى ساحة من الدماء منذ إسقاط صدام واحتلاله أمريكيا، واليوم يعترف قادة هذا الاحتلال مثل توني بلير رئيس وزراء بريطانيا الأسبق بأن الاحتلال كان قرارا خاطئا، ورغم حماقات صدام إلا أن عهده بالمقارنة بما يحدث للعراق منذ 2003 أفضل بشهادة العراقيين أنفسهم، في عامي 2014 و2015 سقط 19 ألف قتيل عراقي، و36 ألف جريح، وحجم الكراهية والانتقام الطائفي والمذهبي مثل الجبال التي لا تزول، وفي لبنان فإن ميليشيا حزب الله تفرض سطوتها على البلد كله بسلاحها وقد حولته من درة الشرق إلى قنبلة الشرق، وفي سوريا فإنها تدعم نظاما دمويا قادما من خارج التاريخ والإنسانية يرتكب أبشع مجزرة وبفضل الدعم الإيراني له فإن سوريا باتت خرابة بحجم دولة، وفي اليمن دعمت جماعة طائفية لتبتلع دولة وتصادرها وتحتكر الحكم فيها وتنفي الآخرين، وفي البحرين تدعم الشيعة وتؤلبهم على النظام القائم وكذلك في المنطقة الشرقية في السعودية ولا تتوقف عن التآمر على الكويت عبر خلايا التجسس المسلحة التابعة لها، وفي كل مكان وصلت إليه أيادي إيران لم تكن تحمل خيرا إنما شرا وفتنا. 8 – ما يساعد إيران على هذا التغلغل هو الضعف العربي والفرقة والتشتت كما شرحنا هنا بالأمس، وكذلك المال الذي تحرم شعبها منه وتشتري به جماعات طائفية تدين بالولاء لها، وأيضا جماعات مختلفة عنها عقائديا، ومن المدهش أن يكون هناك مسيحيون في لبنان مثلا يعملون وكلاء لها وفي خدمتها ويقيمون تحالفات مع حزب الله مع أن المنطق لا يستقيم أن يجتمع هذان النقيضان، والأخطر من ذلك وهو ما يحتاج صراحة في الطرح هو الولاء المذهبي لإيران الذي يستتبعه ولاء سياسي ثم ولاء كلي حتى تكاد تكون بعض الجماعات والطوائف إيرانية وهى داخل بلدانها، قلوبها وعقولها مع ولاية الفقيه ومع النظام الديني الحاكم ومع الحرس الثوري ومع حتى نمط الحياة وطبيعة الزي، وتلك معضلة تتعلق بفكرة المواطنة والولاء فإذا كانت هناك بعض المظالم يتعرض لها هؤلاء فيجب إزالتها ويجب دمجهم ويجب عدم التمييز ضدهم في البلدان التي يتواجدون فيها بكثافة ولا بد من اعتبارهم شركاء في كل شيء وحتى في السلطة، وبالمقابل على هؤلاء أن يكونوا مواطنين في بلدانهم أولا وأخيرا، وألا يسحب الهوى المذهبي شيئا من رصيد المواطنة والانتماء، فارق كبير مثلا بين نمر النمر الذي أعدمته السعودية، وكان من خطابه الديني والسياسي يبرز العداء للمملكة وهى وطنه، ويؤكد الارتباط بإيران، وبين شقيقه محمد النمر الذي يجاهر بولاءه للسعودية وارتباطه بها كمواطن. صورة إيران عربيا قاتمة، وهى على كل حال لن تستطيع تحقيق أي من أهدافها، لكنها ستظل قوة توتير وتعطيل، متى إذن تتسم بالعقل والرشد وتدرك أنه لن يسمح لها العرب بمزيد من التدخل والتخريب حتى وهم ضعفاء؟.