ذهب الرئيس محمد مرسى كعادته مبكرا إلى المسجد، وجلس فى الصف الأول يحيط به بعض حراسه، بينما المصلون العاديون يجلسون فى الصفوف الخلفية، وحينما دخلت المسجد لم يكن ممتلئا، وجلست ربما فى الصف الخامس أو السادس، وأود هنا أن أشير إلى ما كان عليه الرؤساء السابقون للرئيس مرسى حينما كانوا يصلون الجمعة؛ حيث كانت صلاة الجمعة بالنسبة لهم استعراضا، كان يصطف جنود الأمن المركزى من السادسة صباحا على طول الطريق الذى سوف يسلكه الرئيس وحتى ذهابه للمسجد ويبقون كذلك حتى عودته، وكان الرئيس يذهب إلى أى مسجد يرافقه كل أعضاء الحكومة وشيخ الأزهر ووزير الأوقاف والمفتى فى بعض الأحيان، ويعتلى المنبر أحد هؤلاء أو أحد خطباء السلطة، وعادة ما كان مبارك أو السادات يجلس وخلفه حائط للحماية، وقبل أن يذهب الرئيس بساعات يكون المئات من رجال الأمن قد سبقوه إلى المسجد وقاموا بكل عمليات التأمين والحماية، ثم يبقى ثلث المسجد الأمامى أو حتى نصفه محجوزا لا يسمح لأحد من المصلين العاديين بالوصول إليه، أما باقى المسجد فيجلس فيه المخبرون السريون ورجال الأمن فى صفوف منتظمة حتى آخر المسجد ويتركون مكانا فارغا بين كل اثنين بحيث أن أى مصلٍّ عادى يدخل المسجد ليؤدى الصلاة يكون محاصرا عن يمينه وشماله باثنين من المخبرين أو رجال الأمن.. هذا إن كان المسجد كبيرا أما إن كان المسجد صغيرا فلا مكان للمصلين العاديين فيه، وإذا سمح لأحد المصلين العاديين بالدخول فإنه يجب أن يبرز هويته قبل أن يفتَّش، هذا ما كان عليه مبارك ومَن قبله، أما الرئيس محمد مرسى حسبما رأيت وقد تصادف صلاتى معه مرتين، فأولا: لا توجد أى مظاهر أمنية ظاهرة أمام المسجد مثل حشود أمنية أو غيرها، حتى إن المصلين لا يعلمون أنه فى المسجد إلا حينما يذهبون، الأمر الثانى: أن الرئيس لا يرافقه أى مسئول فى الدولة سوى مرافقيه الأمنيين، حتى إننى لم أرَ أيا من مستشاريه أو مدير ديوان الرئاسة مثلا أو أى شخص سوى المسئولين الأمنيين، كما أنه يذهب مبكرا ويجلس فى الصف الأول وربما يتم تأمين صفين أو ثلاثة خلفه، بينما باقى المصلين يجلسون حوله وخلفه فى باقى المسجد، حتى إننى رأيت بأم عينى كثيرا من العمال البسطاء وحراس المبانى فى المنطقة يجلسون فى أماكن متقدمة قريبة من الرئيس وكثير منهم جاء متأخرا وكان يتخطى رقاب المصلين معهم أولادهم الصغار أو دونهم ولم يمنعهم أحد. بدأ الخطيب، وهو خطيب المسجد العادى الذى يخطب فيه دائما، عن موضوع القضاء فى الإسلام وتحدث عن القضاء فى عهد الرسول، صلى الله عليه وسلم، ثم الصحابة الكرام من بعده وقال: إن الحاكم كان يعين القاضى ويعزله، بل كان يتولى القضاء فى بعض الأحيان، واستشهد بعمر الخطاب فى أكثر من موقف، وفى ختام خطبته التى استغرقت حوالى نصف ساعة فجأة ودون مقدمات قام بإسقاط المشهد على الوضع الحالى فى مصر، ملمحا إلى أن الرئيس من حقه أن يعين القضاة وأن يعزلهم بل وحتى أن يتولى القضاء بنفسه، انقبضت نفسى من هذا الإسقاط وهنا قام أحد المصلين غاضبا فى وسط المسجد واتهم الخطيب بالنفاق، وقام آخر وقال له: اتق الله. وقام ثالث وتطاول على الرئيس مرسى..