ما يجري في مصر من تجاذب يبلغ حد الانقلاب على نتائج الانتخابات الرئاسية، والانقلاب على نتائج الاستفتاء على الدستور، والانقلاب على الشرعية الشعبية، أيا تكن، بحجة لزوم احترام رأي الأقلية، وليس الأغلبية، والنزول عند رضاها، وصولا للتطاول على الشعب باقتراح حرمان الأميين من التصويت، وكأن الأمية الأخلاقية والأمية السياسية ليستا معتبرتان في المقام،.. ليس بريئا ولا دون امتدادات داخل مصر وخارجها، وبأجندات مسمومة ونوايا فاضحة. لا ننسى أن الانقلاب على مجلس الشعب، الذي جاء نتيجة انتخابات شهدت لها الدنيا، نجح بامتياز، لأن وقاحة البعض كانت تقابل بتسامح، كما نجحت لعبة ديكتاتورية القضاء، الذي كان يتأهب للانقضاض على لجنة إعداد الدستور، ومجلس الشورى وصولا للحية الرئيس لولا لطف الله!! ما يجري في مصر ليس بريئا ولا تجاذبا داخليا فحسب، ولا استقواء ببقايا الدولة العميقة من إرث مبارك، ولا تحالفا غريبا بين العلمانيين والليبراليين واليساريين والفلول(!!)، ولكنه أيضا تحالف بين الخاسرين للانتخابات داخل مصر مع الرافضين لإجراء أي انتخابات في بلادهم خارج مصر (!!) وتحالف للمتمردين داخل مصر مع آخرين خارجها يؤذيهم أن تنهض مصر وأن تقف على قدميها، إنه زواج حرام بين من خسروا الوصول لموقع الرئاسة في الانتخابات الاخيرة مع من خسر الحكم من الفلول، وزواج حرام للطرفين المصريين مع من لا يريدون خسارة حكمهم في الجوار إذا من نجحت تجربة الديموقراطية المصرية، ومع أولئك الذين لا يريدون لمصر والعرب أي نهوض، من المسلمين وغير المسلمين، حرصا على أن لا يخسروا نفوذهم في المنطقة، إنه باختصار تزاوج وتحالف "الخاسرين" بامتياز !! ثمة مال كثير يدفع للمتمردين والناقمين في مصر، فلول وغير فلول، من عرب متمولين يكرهون احترام إرادة الشعوب، ويسعفهم في الدفع وفرة مالية طاغية، ويتلاقي معهم في الدفع الحرام جوار غير بعيد عنهم، يصارعهم في كل شيء، إلا أنه يلتقي معهم في "بطح" مصر وإبقائها في الحضيض، تسديدا لفواتير في سوريا وما بعد سوريا. والاثنان في الدفع ليسا بعيدين عن نقمة موازية إسرائيلية وغربية، لا يسرها أن تشب مصر عن الطوق، ويؤذيها أن تتكلم بلسان محترم إذا ما أوذيت غزة وفلسطين. ليس في الأمر مبالغة، فثمة وقائع عن مال عربي مشبوه دخل مصر، وآخر يزعم المقاومة، يقاوم هناك نجاح خط الرئيس مرسي، لحاجة في نفسه، وثمة إشارات تهديد غربية آخرها جاء من ألمانيا وسويسرا تلعب على البعد الاقتصادي. فالمطلوب عند البعض أن تقع مصر الجديدة لكي لا تلعب دورها لصالح الأمة، والمطلوب عند آخرين أن تقع الديمقراطية الوليدة حتى لا يدفع أعراب متلفعون بأثواب التخلف والحكم الفردي، استحقاق احترام إرادة شعوبهم والكف عن حكم الناس بدون اختيارهم الحر!! مصر مستهدفة وتجربتها الديمقراطية مستهدفة، لأن نجاح الربيع العربي يبدأ وينتهي عند مصر، فإذا ما كبت مصر فلا عبرة بأي نهوض عربي عابر هنا أو هناك، وأعداء احترام إرادة الشعوب في عالمنا العربي كثيرون، يمسكون بأزمة السلطة بأسنانهم وأيديهم وأقدامهم، للممات وما بعد الممات، والمتربصون من بعدهم بديارنا من الطامعين كثيرون كثيرون، وإذا كنا واثقين من أن مصر بإرادة شعبها الحر ستجتاز محنتها، وبإصرارها على المسار الديموقراطي واحترام إرادة الناس ستهذب طامحين وطامعين داخلها، وتعيدهم إلى جادة الصواب والكف عن السباب وممارسة العيب السياسي، فإننا ننبه أنه ليس مأمونا لأي سلطة عربية، ولأي غاية عند هذه السلطة، أن تمد يدها لتخرب على مصر أو تعبث بخيارها واختيارها الديموقراطي، لأنها بهذا تجمع على نفسها سوأين، دكتاتورية في بلادها وحكم قراقوشي ولى زمانه، وعبث غير محمود يأخذ صفة التخريب على احترام اختيارات شعوب لا تحكمها هذه المومياءات المحنطة عقلا وإرادة، وعاقبة الإثم الندم!! مصر ستخرج من أزمتها، لأنها اختارت الطريق الصواب لحل كل أزمة، العودة للشعب وتصويته الحر، ومن سيدخل في الأزمة ولن يخرج منها إلا بدفع الثمن كاملا، من يرفض احترام إرادة الشعب ويفرض نفسه عليه بدون عدل ولا مؤهلات ولا سياسة راشدة في الحكم، ولن يطيل في عمر الديكتاتوريات أن تكون جيوبها ملأى بالأموال، ولن ينفعها تترسها بالمكائد والحيل وأساليب الخداع، فالبقاء على الدوام كان للعدل ولاحترام ارادة الشعوب.. وما ينفع الناس!!