قرأت في جريدة الرأي الأردنية يوم السبت (22/12/2012م) مقالاً بعنوان: «السقوط الأخلاقي للإخوان»، عن صحيفة «المصري اليوم» لكاتبه عمّار علي حسن، فوجدته يقطر سُمّاً وحقداً على الإخوان المسلمين، فوق أنه محشوّ بالمغالطات التي تدل على عدم التثبت، وقلة الاطّلاع، فرأيت أنْ أردّ عليه، فعنونت مقالي بما عنونته به، لأن الكاتب بما عنون به مقاله إنّما يصدق عليه وعلى بعض كتبة الرأي في هذا الشأن المثل المشهور: «رَمتْنِي بِدائِها وانْسلَّتْ». يبدأ الكاتب مقاله بكل كلاحةٍ باتّهامه الإخوان -وهم من أصدق فئات المجتمع- بالكذب والتزوير فيما يتعلق بالانتخابات والاستفتاءات دون تقديم أي دليل على ادّعاءاته هذه، وخاصة أنّها جاءت قبل ظهور النتائج الرسميّة للاستفتاء الأخير بعدّة أيام، ثم يردف: لو رجع حسن البنا إلى الحياة الدنيا، لقال للجماعة لِما يراهم يفعلون: ضيعتموني، وكأنه يريد أن يقول: إن دخول الإخوان معترك السياسة، والثورة على الظلم ومطالبتهم بالحكم بما أنزل الله ليست من شأنهم. وأنا أقول له: لقد قال حسن البنا رحمه الله في إحدى رسائله عن موقف الإخوان من أية حكومة في بلادهم، أنّ لها عليهم الولاء إذا التزمت بالإسلام تطبيقاً وتنفيذاً، فإذا قصرت فعليهم نصحها وإرشادها، فإن أبتْ فليس إلا الخلع والإبعاد، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق. وسيقول لهم –لو رجع- وبكل تأكيد بارك الله بكم، لقد حفظتم وصيتي في العمل بجد للدعوة على تطاول الأعوام، ومن ثَمَّ خرجتم بها إلى حيز العمل والتطبيق. إنّ ما يقوله الكاتب يفتقر كله إلى الدليل الصحيح والبرهان الصادق، وليس إلا قول حالمٍ بليل أو بيقظةٍ يمنيّ به نفسه، حتى إذا صحا من أحلامه وأمنياته، وجد نفسه مما قرره أو زعمه مؤكَّداً، كالقابض على الماء. ومن ذلك قوله: إنّ استمرار الجماعة وتماسكها لم يعد قضيّةً مسلماً بها، وأن مشروعها بدا للناس مفلساً، أو أنّها كأية جماعة دينية مثلها تُقحِم نفسها في معترك السياسة، لا بد من أن تجد نفسها بعد مدةٍ منزويةً ومن ثم تنتهي وتبيد. وأقول له: بِفِيكَ الترابُ، فهذه الجماعة لم تَبْدُ متماسكةً في يوم من الأيام كما هو شأنها اليوم. وهاهي تزداد عدداً وتماسكاً واتساعاً وقوةً، ليس في مصر وحدها، بل في أكثر من ثمانين قطراً في العالم. أما قوله: إنّ جماعة الإخوان شأنها شأن الجماعات والتنظيمات الدينية التي تنخرط في غمار السياسة، توافق في بدايتها شباباً ناضراً يجذبهم إليها بريقها، ثم لا تلبث مع الزمن أن تنزوي وتبيد. فهذا كلام أبعد ما يكون عن الصحة والصواب، بل هو كلام لا يدل إلا على جهلٍ وضحالة معرفةٍ، وتعامٍ عن حقائق التاريخ والواقع. فهذه دعوة الإسلام بدأت في مكة والمدينة، واستمرّت تتنامى وتتعاظم حتى كونت خلافة عظمى حكمت العالم. وعلى الرغم من مرور أربعة عشر قرناً من الزمان عليها، لم تمت ولن تموت بإذن الله. وها هم أصحابها في كل مكان شباباً وشيباً يسعوْن بكل جهدهم لإقامتها من جديد. وما دعوة الإخوان المسلمين، إلا دليل على ذلك، وها هي على الرغم من مرور ما يقرب من قرن من الزمان عليها، وعلى الرغم من الإيذاءات الشديدة التي مورست عليها، والتي يعز على الجبال تحملها، ما زالت تنمو وتتصاعد وتنتشر، وها هي إن شاء الله على أبواب الحكم وإعادة الخلافة الراشدة رغم أنف الحاقدين وأعداء الحق والدين. وأقول للكاتب «الفهلوي»: إنّ الجماعة بعون الله مستمرةٌ، أجيالاً وراء أجيالٍ، ولن تذهب كما تحلم أو تزعم، غير مأسوفٍ عليها، بل أنت الذي ستذهب غير مأسوف عليك وعلى أمثالك، وتبقى الدعوة وينتصر الإخوان. وأما وصفه الإخوان أنهم يتربعون في غرور وزهو على عرش الجماعة، وأنهم منشغلون بسؤالهم الغارق في الأنانية والانتهازية: متى نهيمن على كل مفاصل الدولة؟! وأنهم يخدعون شركاءهم حالما يتمكّنون وهو ما سيفعلونه على حد ادّعائه، بحلفائهم السلفيين، وأنّ الهوة ما زالت تتسع بينهم وبين أنصار أبي الفتوح، فكلامٌ لا يستأهل الرد لأنه كلامٌ يعوزه المنطق والحقيقة، وهو ليس إلا كلام حاقدٍ، وخبط جاهلٍ، وقذائف أحمق. وكان أحرى به وهو يخاصم، أن يتحلى بشيءٍ من شرف الخصومة. وأقول له: إنّ الدعوة قبل أن تكون تشريفاً، هي تكليفٌ وحملٌ باهظ قد يكلف الإنسان أن يخسر كل شيء من دنياه حتى حياته. وهذا ما حصل للكثيرين من منتسبيها دفاعاً عن الحق، وليست المسألة بعدُ مسألة زعامة وتصدّر، والإخوان في تاريخهم الطويل ما كانوا يوماً إلا كذلك. ومن هنا تنتفي في حقهم ادّعاءات الأنانية والانتهازية؛ لأنها انتفت أصلاً من مبادئهم، وإنما هذه الخلال الواطية في غيرهم من الأحزاب الدنيوية في بلاد العروبة والإسلام كما هو معروف والتاريخ الحاضر شاهدٌ على ذلك بكل دقةٍ ووضوح. أما انقلابهم على حلفائهم فكلامٌ من الكاتب وغيره هراءٌ في هراء، وقولٌ ساقطٌ ومعيب. فالسلفيون وكل الحركات الإسلامية النظيفة هم إخواننا وأحبابنا، وليسوا فقط شركاءنا، ونحن وإياهم إن شاء الله جسدٌ واحد وروح واحدة، وأما قضية أبي الفتوح وأنصاره، فالرجل قد انفصل عن الجماعة واختار طريقه الخاصة به، فهو مسؤول عن تصرفاته وليست الدعوة. وبالتالي فله شأنه وللدعوة شأنها، وهو المحتاج إليها قبل أن تحتاج هي إليه، وإن كانت لن تقطع حبل الإسلام معه. وأقول للكاتب في هذا المجال وما على الإخوان أن يحكموا بالإسلام في أي قطر من أقطار الدنيا، ما داموا يحكمون بشرع الله الذي لن يحيف على أحد. وها هي الشيوعية قد حكمت بدينها، وها هي دول الغرب بما فيها أمريكا تحكم بمضامين دينها النصراني أو الوثني الروماني. أجل، وما على الإسلام أن يُحْكَم بقيادة الإخوان، ولا سيّما أن تجربة حكم الأحزاب اللادينية في بلادنا تجربة -كما لا يخفى على أحد- خائبة وفاسدة. وأقول للكاتب المَغِيظ: اشرب البحر، فنحن مسلمون وإخوانٌ مسلمون، ولن نكون بإذن الله إلا كذلك، والإسلام ماضٍ بأمره تعالى إلى غايته ليسود العالم كله. ونحن الإخوانَ لم نتمسكن يوماً كما تزعم، ولن نتمسكن. وقد خنع غيرنا من الأحزاب التي لا تتصل بالله، وأسلمت بأيديها وتشرذمت. ولقد تحملنا كما قلتُ، ما تنوء بحمله الجبال في مصر وسوريا وليبيا وتونس وغيرها، وبقينا شامخين ثابتين على دينينا ودعوتنا، لم نهنْ للطغاة ولم نلِنْ ولن نلين. ومن هنا أيدتنا الشعوب العربية بشواهد صناديق الاقتراع. ونعم، إن ما جرى في مصر من نتائج انتخابات شتى واستفتاءات متعددة هو حقاً في جوهره تصويت للإخوان المسلمين وتأييد لهم، وهو ما تريد أنْ تنكره بعباطتك الغوغائية. وقد كانت النتائج كلها والحمد لله، تقدم الإخوان وتؤخِّر غيرهم. ولْتعلمْ ولْيعلمْ غيرك أننا عندما نقدِّم للقيادة أحد رجالنا، فإننا نقدِّم لها الكفؤ والجدير بالمكان؛ لأننا مع الله وعندنا من العلم والتخطيط والدراسة الشيء الكثير. ومعلومٌ أن رجالنا مثقفون ويحملون أعلى الشهادات ومن أشهر الجامعات. وأما لمزك بالمهندس خيرت الشاطر، فتشبثٌ منك بالغَرَب لمعابته، ولكنك خرجت من ذلك خائباً مدحوراً؛ لأنك لم تقدم على إدعائك إلا اللمز والهمز، وذلك في قولك: إنّ نساءً سببنَه واتهمنه بالقاتل، وأقول أنا: لقلة أدبهن، ومع ذلك تسميهن لحقدك وقلة أدبك عظيمات. وأقول لك في هذا الشأن: إن عدم رده عليهن –إن صحت الرواية– يدل منه على عظمة أخلاقٍ، وشهامة رجولة، وقديماً قال العرب الكرام عندما تسبهم النساء، أو حتى تضربهم، وهم لا يردّون عليهن ترفعاً وسماحة: «لوْ غيرُ ذاتِ سِوارٍ لَطَمتْنِي»!! والأخ خيرت قامةٌ شامخةٌ في علمه ومنزلته وسعة أفقه وذكائه. ويتبع ما يعيبك أشد العيب في هذا الخصوص، قولك عن الإخوان الذين يحترمونه –وهو أهلٌ لكل احترام وتقدير؛ لأنه من بُناة الوطن الكبار وحَمَلَة الدعوة العظام-: «إنهم خانعون». ألا فلتعلمْ أنك أنت الخانع الذي لا تريد للناس أن يحترموا فضلاءهم ومتقدميهم، وهو خلقٌ ولا شك خسيس ودنيء. وأما همزك لقيادة الإخوان، وأنهم ممن يسير على نهج فكر سيد قطب، فأقول لجنابك السامي: إن سيد قطب من أكثر الإخوان تقديراً لحسن البنا، وإيماناً بِعِظَم الدعوة، واستمرارها قويةً باذخةً، رغم كل هيل الطواغيت وهيلمانهم، وحقد الحاقدين أمثالك وغيرهم، وذلك لقوله في هذا الأمر بكتابه «دراسات إسلامية»: «وحينما سَلَّطَ الطُّغاةُ الأقزامُ الحديدَ والنارَ على الإخوان، كان الوقتُ قد فات، كانَ البِناءُ الذي أسسه حسن البنا قد استطالَ على الهدْم، وتعمق عل الاجتثاث، كان قد استحالَ فكرةً لا يهدمها الحديدُ والنّارُ، فالحديدُ والنّارُ لم يهدما فكرةً في يوم من الأيام، واستعلتْ عبقريةُ البِناءِ على الطغاةِ والأقزام، فذهب الطغيانُ وبقي الإخوانُ»!! وأختم كلامي بالقول: إنّ استعداءك المدنيين والعسكر في مصر على الإخوان، وأنهم قادرون على هدِّ كيانهم -مع أنك تناقض نفسك فتصم المدنيين بالتشرذم والعسكريين بقلة الخبرة في السياسة– استعداءٌ أنت مسبوقٌ إليه من أستاذك البرادعي وأمثاله الذين يستقوون على أبناء وطنهم ودينهم بالغرب الذين يقلقهم أشد القلق أن يروا الإسلام حاكماً في بلادنا، إذ يريدونها عندنا قوميّةً جاهليةً، ووثنيةً فرعونية، مما يصدق عليك وأنت لا تستريح لمساعدة مصر العظيمة في هذه الآناء لإخوانها من أهل غزة المنكوبين. وهو موقفٌ لا يسر إلا أعداء الإسلام، ولا يدل منك إلاّ على إقليمية مقيتة. وأقول لك ولجريدة الرأي معك: إنّ ما تقولونه عن الإخوان من افتراءات في هذا الشأن، ليس إلا أشنع صور السقوط الأخلاقي والرقاعة الفكرية، والجهالة العلمية والعداء الشخصي. وما كيدكم وأشباهكم للإخوان، إلا كيد ساحر، (ولا يُفْلِحُ السّاحِرُ حَيْثُ أَتَى)، أو كيد شيطان، وصدق الله العظيم: (إنّ كيد الشيطان كان ضعيفا).