مسلسل الحروب التى تشنها "النخبة" المصرية ضد المشروع الاسلامى فى مصر لإجهاضه لا ينتهى، ولن ينته، وهذه الحروب بدأت منذ يوم سقوط نظام الحكم الفاسد فى مصر يوم 11 فبراير 2011، ويومها صرح مرشد الثورة الاسلامية فى ايران أن سقوط النظام المصرى يعنى أننا مقبلون على شرق أوسط إسلامي، والتقطت القوى العلمانية فى مصر هذا التصريح وأدركت مغزاه الحقيقية، لأنه لم يكن ثمة قوة فى مصر يلتف حولها الشعب سوى قوى التيار الاسلامى، وليس ثمة قوة فى مصر لديها من التنظيم والخبرة غير تنظيم الإخوان المسلمين ومن يدور فى فلكهم. بدأت القوى الليبرالية تناشد المجلس العسكرى الحاكم وقتها أن الانتخابات البرلمانية والمحليات، وطالب كل رموز "النخبة" فى مصر المجلس العسكرى أن يطيل أمد الفترة الانتقالية، وعلى رأس هؤلاء محمد حسنين هيكل الكاهن الأعظم للفكر الناصرى اليسارى فى مصر، وقال ذلك أيضا الدكتور محمد البرادعى أحد رموز النخبة فى مصر، وبدأت معركة الدستور أولا أم انتخابات البرلمان. كانت هذه أول معركة، أراد التيار النخبوى فى مصر أن تتم صياغة الدستور أولا بعيدا عن أى انتخابات، لأن الانتخابات تعنى أن الشعب سيختار الاسلاميين، ويكون بيدهم وضع الدستور، لكن الشعب خذلهم ووافق على الإعلان الدستورى الذى يقضى بأن تتم الانتخابات أولا. ثم جاءت المعركة الثانية قبيل الانتخابات، وبدأت شرارة هذه الحرب ببدعة (وثيقة السلمى)، وهى بدعة لا مثيل لها فى العالم كله، أراد النخبويون من خلالها إقرار وثيقة مبادىء (فوق دستورية) تحكم الدستور المنتظر، وبموجبها يتم إرساء مبدأ علمانية الدولة، لكن فشل مشروع الوثيقة، وسقطت حكومة عصام شرف، وسقط معها على السلمى، وانتهت هذه المعركة. ثم وقعت الواقعة، حقق الاسلاميون أغلبية ساحقة فى البرلمان، وقبيل انعقاد أول جلسة لمجلس الشعب، تم تشكيل كيان لقيط أطلق عليه (جبهة الدفاع عن الابداع)، تشكلت من الراقصين والراقصات والمطربين والمطربات والممثلين والممثلات، وقاد المدعو خالد يوسف تظاهرة كبيرة أمام مجلس الشعب، باعتبار أن المجلس سيمنع مباشرة الفنون وممارسة الابداع، لكن المجلس لم يمنع شيئا، وتركهم يمارسون كل شىء بمطلق حريتهم، لأن القضية عندهم على خلاصتها مسألة "الممارسة" هذه، ومن بعدها "التعاطى" ولم يتعرض البرلمان من قريب أو بعيد لهذه المسائل التى تمثل بالنسبة لهم قضية حياة أو موت. ومع ذلك لم يرضيهم هذا المجلس الذى حقق سبقا تاريخيا فى مصر، فهو أو برلمان يشارك فى انتخابه حوالى 60% من مجموع الناخبين فى مصر، وهو أول برلمان يأتى بانتخابات حرة نزيهة بنسبة مائة فى المائة، لكن قوى الطاغوت ظلت تتربص به حتى أتوا إليه من باب (القضاء) وفى سابقة تعد نادرة، قضت المحكمة الدستورية بحل هذا المجلس لمجرد أنه أتى بأغلبية إسلامية!!. كان هذا البرلمان قد انتخب جمعية تأسيسية من مائة فرد لوضع دستور مصر، لكن هذه الجمعية لم تسلم من هجوم وانتقادات النخبة، ثم دخل (القضاء) قاهر المستحيل وقضى بحلها، وأصبح القضاء هو رأس الحربة بالنسبة للنخبة. ثم تم تشكيل جمعية أخرى تلافت كل المآخذ التى ساقها القضاء فى حيثيات حكمه بحل الجمعية الأولى، واتفق الكل على أنها جمعية توافقية، ومضى أكثر من خمسة أشهر وكل أعضائها يشاركون بشكل جدى وفعال فى صياغة مواد الدستور المنتظر، حتى تم الانتهاء من المسودة الأولى، ثم المسودة الثانية، وفجأة وبدون أسباب أعلن فصيل "النخبة" انسحابه من هذه الجمعية، وطالبوا بإعادة تشكيلها من جديد، لنعود إلى المربع صفر، ويضيع الوقت فلا تتم إعادة لمؤسسات الدولة التى تشهد انهيارا فى اقتصادها، وخللا فى أمنها الداخلى. ولم يجد الرئيس محمد مرسى والحال كذلك إلا أن يستخدم سلطاته المشروعة فى إصدار إعلان دستورى الغاية منه التعجيل بإعادة مؤسسات الدولة، فاعتبرت النخبة هذا التصرف المشروع من قبل الرئيس تعديا على الشرعية، واعتبره (عضنفر القضاة) تغولا على السلطة القضائية، وترسيخا للديكتاتورية …..الخ، وشرعوا فى نصب الخيام حول القصر الجمهورى وفى ميدان التحرير، ونصب المكلمات فى مقاهى التوك شو الليلية، وعقد المؤتمرات والندوات، وإصدار البيانات، ودقوا طبول الحرب وكأن جيوش جنكيز خان على أبواب مصر. لكن واصلت الجمعية التأسيسية عملها، وأتمت الدستور، وأعلن الرئيس عن موعد الاستفتاء عليه، فبدأت معركة جديدة هدفها منع الاستفتاء، بدأها (غضنفر القضاة) بدعوة شلته لمقاطعة الإشراف على الاستفتاء، بل وإعلان الإضراب عن العمل، ومع ذلك كان عدد الشرفاء أكثر بكثير من ذوى النفوس المريضة الذين تخلوا عن أداء الواجب الوطنى، وتم التأكيد على أن الاستفتاء سيقام فى موعده، فدخلنا فى معركة تشويه الدستور، وبدأت حملة مسعورة لتشويه نصوصه، ووصل الأمر لأن يتم نشر نصوص مزورة ليست فى الدستور لحث الناس على التصويت بعدم الموافقة على الدستور، واشتعلت حملة إعلامية ملتهبة استخدمت فيها الفضائيات والصحف والآوت دور، وكل وسائل الدعاية لتشويه الدستور، وإقناع الناس بالباطل بأنه أسوأ دستور، واستعانت النخبة فى تلك الحملة بكبير كهنة اليسار محمد حسنين هيكل منظر فقه الهزائم وفكر النكبات والكوارث، فقال عن الدستور انه "دستور نازى"، لكن الشعب كان أذكى منهم جميعا، واصطفت الملايين فى طوابير طويلة لتقول نعم للدستور، وجاءت الموافقة بنسبة تقارب ثلثى الاصوات مؤيدة له، وهى قد تكون أكبر نسبة موافقة على الدستور فى العالم كله. لم تعترف النخبة بهزيمتها للمرة العاشرة، فهم مثل اليهود، الذين قال عنهم الله تعالى: (كلما أوقدوا نارا للحرب أطفأها الله)، لا يعيشون إلا على الحروب والخراب والدمار، فعادوا بعد إقرار الدستور يشعلون معركة جديدة وخسيسة، إذ اختفى فقهاء الدستور من الفضائيات الذين ظلوا لعدة أسابيع يفتون بأنه دستور سيىء ويسلب المواطنين حرياتهم ويعطى سلطات مطلقة لرئيس الجمهورية …. الخ، وقالوا فى الدستور مالم يقله مالك فى الخمر، واستضاف البعض كومبارس أطلق عليهم فقهاء قانون دستورى، ليكونوا جنودا مرتزقة فى معركة وقف الدستور، عاد هذا الاعلام الذى يقوده النخبة ويستضاف رموز أخرى فاشلة لتخدم معركة النخبة الجديدة. المعركة الجديدة هى نشر الإشاعات الباطلة بأن البلد ستشهد انهيارا اقتصاديا خلال أسابيع، ولن يجد موظفو الدولة مرتباتهم بعد شهر، ولن يجد الشعب رغيف خبز بعد شهرين …. وهكذا، ثم بدأت دعوات مشبوهة وحقيرة لكى يبادر أصحاب الودائع بسحب أموالهم من البنوك، ليهدموا اقتصاد البلد التى يدعون انتماءهم إليها ودفاعهم عنها .. فأى صفة يمكن أن ننعت بها هؤلاء المجرمون؟. هؤلاء ليس لهم قضية يدافعون عنها، وكل ما ينشروه من مبررات ومعطرات لتجميل غرضهم لا تستر حقيقتهم، وأصبح من المستحيل أن يصدق المواطن البسيط دعاواهم الكاذبة بأنهم يفعلون ما يفعلونه لخدمة البلد، وأن مصالح الشعب عندهم مقدمة على كل شىء، كيف نصدق هذه الدعاوى وهم ينشرون نصوصا مزورة للدستور؟، كيف نصدقهم وهم يدافعون عن النائب العام الذى تستر على كل رموز الفساد فى العهد البائد؟، كيف نصدقهم وهم متحالفون مع فلول نظام مبارك الفاسد؟، كيف نصدقهم وهم يضعون أيديهم فى أيدى المتهمين فى موقعة الجمل؟، وكيف نصدقهم وهم فى حقيقتهم فاشلون فى أعمالهم الخاصة؟ فأغلب هؤلاء الرموز رؤساء أحزاب فاشلة لا تضم سوى عشرات أو مئات وليست لهم أية قواعد شعبية، ومنهم مرشح سابق لرئاسة الجمهورية فشل فى إدارة صحيفة أسبوعية، وفشل فى إدارة حزبه الذى أسسه، فكيف نعقل أن يتصدر فاشل عن إدارة حزب يتصدر المشهد السياسى ويدعى أنه قادر على قيادة دولة بحجم مصر؟. النخبة الفاشلة، التى استقوت بالمال المشبوه، واستأسدت بالإعلام المضلل، وتدرعت برموز قضائية فاسدة، أصبحت كما النار سوف تأكل نفسها إن لم تجد ما تأكله. [email protected]