بعد عقود من الازدهار الاقتصادي والاستقرار السياسي في الإمارات، بدأت هذه الدولة الخليجية تعاني من مشكلات عديدة، يخشى العديد من المواطنين الإماراتيين من تفاقمها على نحوٍ يمثل خطورة على بنية وتماسك الدولة. إحدى أهم تلك المشكلات تتعلق بالتركيبة الديموجرافية للبلاد، فآخر إحصاءات الأممالمتحدة تتجاوز فيها نسب غير المواطنين حد ال84%، وهو حد مخيف جدًّا، لا سيما إذا تم إدراك طبيعة الوافدين وتكتلاتهم واختلافهم الثقافي والسياسي والاقتصادي عن المواطنين الإماراتيين. نحن أمام أرقام تقول: إن نسبة المواطنين انخفضت مقارنة بإجمالي السكان من 24.4% إلى نحو 15.4% خلال الفترة بين عامي 1995 و2006م، ثم إلى 13.3% في عام 2010م، إلى رقم دون ذلك حاليًّا.. وأمام تصريحات في غاية الخطورة وردت على لسان بعض المسئولين الإماراتيين كقائد شرطة دبي الفريق ضاحي خلفان الذي قال قبل خمسة أعوام: "أخشى أننا نبني عمارات ونفقد الإمارات"! على أن ما خشيه المسئول الإماراتي الذي يعدّ أحد ناطقي الدولة البارزين من تفاقم أزمة السكان، وكررته الأكاديمية ابتسام الكتبي بقولها: "إذا ظللنا في معدل النمو غير الطبيعي، سنصل بعد عشرين سنة إلى حد الانقراض، لن يكون هناك جيل إماراتي، وسنصبح مثل الهنود الحمر وفي النهاية ننتهي، واليوم نعيش تقريبًا في محميات"! ما تم التصريح به علنًا مرارًا، هكذا، لم يترجم إلى أية إجراءات حاسمة في هذا الصدد، لا سيما أن الإمارات تعاني من مخاطر أخرى تتعلق بطبيعة تكوين هؤلاء الوافدين. الأكثرية في الإمارات الآن هندية بتعداد يقترب من مليوني نسمة، وتبلغ أعداد الصينيين مئات الآلاف، فيما لم تلامس أعداد المواطنين سقف المليون! وداخل هذا العدد يبدو التجنيس الذي حصل بدرجة عالية في الإمارات من قبل للإيرانيين قد جعل هذا الرقم أيضًا بحاجة لإعادة نظر؛ فنفوذ إيران يتعاظم في البلاد لا سيما دبي، وبالتالي فإن الإماراتيين بدءوا يشعرون بالخطر الداهم، في وقتٍ قد تجد واشنطن نفسها -في وقت ما- غير قادرة على نجدة حلفائها إن أصابهم مكروه.. مؤخرًا أضيفت على أجندة المسئولين ما يعتبرونه خطرًا "إخوانيًّا"، وألقت السلطات القبض على بعض العاملين لديها من المصريين تحديدًا؛ لاتهامهم بالانتماء لجماعة الإخوان المسلمين، لكن خبراء عرب يعتبرون أن المشكلة الحقيقية لا تكمن في المصريين، سواء أكانوا مسيسين أو غير، من جماعة الإخوان أم من خلافها، ذاك أن اللاعبين الحقيقيين في المضمار السياسي اليوم داخل الإمارات من الدول الأخرى هما الهند وإيران؛ حيث تمثل جالية الأولى الغالبية في البلاد، وتحتل إيران جزرًا إماراتية إستراتيجية، وتمد نفوذها الاقتصادي ليستحوذ على استثمارات ضخمة في البلاد. ما يخشاه محبو الإمارات اليوم ليست ثورة، لا تجد أسبابها بين العاملين العرب المجتهدين فيها، وإنما تغوُّل النفوذ الهندي والإيراني إلى حد يستحيل اقتلاعه في اللحظة الحالية، وهذا يفسر موقف الإمارات من الثورة السورية، والذي لا ترتاح له قوى المعارضة في سوريا. المخاطر التي تكتنف طريق الإمارات تنتظر شرارة الإشعال، ويغلب الظن أنها لن تأتي من قِبل العرب، الذين يمثلون الأقلية الصغيرة في الإمارات، والتي لا يمكن إلا أن تنحاز إلى تماسك الإمارات وهويتها، لكن هناك أكثر من "دولة" تتربص بالإمارات الدوائر، وتتحين فرصة الانقضاض ولا يحدها إلا حسابات سياسية دقيقة تتعلق بأساطين النفط، ولا يمنعها وجود شفيق ودحلان فوق أراضيها!