ترك عبد الرحمن المدرسة وهو في السابعة عشرة من عمره لينضم الى مقاتلي المعارضة السورية في حلب. ولم يعلم والداه قط أنه وصل الى المدينة قبل أن يتلقيا اتصالا لتسلم جثته. وبحلول الليل كان والده في المدينة واقفا على سفح تل يعج بشواهد القبور البيضاء وقبور جديدة. واستخدم رفاق عبد الرحمن أياديهم ليغلقوا عليه مثواه الأخير وقد لطخت ملابسهم بالطين ودماء الفتى. وبعد 17 شهرا من اندلاع الانتفاضة على حكم الرئيس بشار الأسد تقدم مقاتلو المعارضة أخيرا الى حلب. لكن القتال في هذه المدينة التاريخية بشمال سوريا دخل فيما يبدو في حلقة لا نهاية لها من قصف الجيش والكمائن التي تنصبها المعارضة. ويزعم كل من الجانبين انتصاره لكن ايا منهما لا يحقق فيما يبدو مكاسب كبيرة على الأرض. لكن عدد القتلى والمصابين يتصاعد باطراد. وقال والد عبد الرحمن وهو رجل طويل القامة ذو لحية يعلوها الشيب ويرتدي جلبابا اصفر اللون “أصيب برصاصة في رأسه وأخرى في صدره. لم أكن أعلم أنه غادر بالفعل. علمت فقط لأنهم اتصلوا بي لإخباري بأنه استشهد." وهز الأب رأسه ببطء حيث كان لا يزال عاجزا عن تصديق ما حدث. ومضى يقول “كان في منتصف الصف العاشر لكنه تفرغ ليكرس حياته للثورة." ومد عشرات المقاتلين والسكان المحليين اياديهم لمواساة الوالد عبد القادر الذي اكتفى بذكر اسمه الأول فقط. وصاح أحدهم “كان أول من انضم للمعركة." وهتف المشيعون “الشهيد حبيب الله" ملوحين بأعلام مقاتلي المعارضة السورية ذات الألوان الأخضر والأبيض والأسود. ويلوح برج المراقبة بأحد مواقع الجيش النظامي في الأفق فيما تغرب الشمس. ويوجد الموقع على مسافة ليست بعيدة من الجنازة الصغيرة المقامة على سفح التل لكن لم يتم إطلاق رصاصة. وربما كان الجنود حذرين من قوات المعارضة بالمنطقة لكن لا أحد يعلم السبب تحديدا. ومع احتدام المعركة للسيطرة على حلب وصعوبة توقع اي من الطرفين سينتصر يحرص الجانبان فيما يبدو على تفادي الكشف عن قتلاهم. ويعاد أغلب القتلى سريعا الى عائلاتهم مما يحرم الصحفيين من فرصة تصوير جنازاتهم. لكن المصابين الذين يقاسون من الألم في المستشفى الصغير التابع لمقاتلي المعارضة في حلب يمثلون شهادة كافية على معاناة شعب في حرب مع نفسه. ومن بين خمسة شبان يعالجهم فريق من المسعفين المنهكين ينتمي أربعة إلى قوات الأسد. وقال طبيب متعاطف مع المعارضة جاء للمساعدة “سنكون أفضل من النظام. سنعالج جميع المصابين." لكنه يخشى الكشف عن اكثر من اسمه الاول وهو احمد ويغطي وجهه بكمامة طبية خضراء ويقول “هذا واجبنا." ويقف مقاتلو المعارضة الذين يحرسون أسراهم في هدوء يتابعون بفخر وفضول. وقال احد مقاتلي المعارضة “حين اقتحمنا مركزا للشرطة وجدناهم وقد تخلى عنهم نظامهم. نتعامل معهم بشرف. " وتأوه جندي شاب من القوات الحكومية يدعى حامد من شدة الألم بينما كان المسعفون يخيطون جرحا في ردفه. وأمطره مقاتلو المعارضة بالأسئلة ويسألونه لماذا لم ينضم لهم. وقال حامد “أريد أن أقول شيئا لجيش الأسد: أنتم خونة... حبسونا لأنهم ظنوا أننا سنحاول الهرب. فر كل اصدقائي من الجيش لكنني لم أنجح في ذلك." وتأوه جنديان آخران على سرير للعمليات الجراحية وتولى مسعفون خياطة جراحهم. ويتجه الطبيب احمد الى جندي آخر من جنود الأسد. كانت ساقه مصابة بجرح غائر والدم يسيل من على الطاولة ويتسرب إلى خارج غرفة العمليات الصغيرة. وقال احمد “جاءني اليوم 45 شخصا على الأقل وفقدت أربعة من مقاتلي المعارضة." وفي السرير المجاور يهز مقاتل من المعارضة رأسه غاضبا وهو يتحسس الضمادات التي وضعت حول قدمه التي مزقتها نيران الأسلحة الآلية في إحدى المعارك بعد الظهر. وقال “اذا أمسك بنا النظام فإننا سنعذب ونقتل. ونحن نستخدم أدويتنا لتخفيف آلامهم؟ لا أظن أن هذا صواب. لكن ربما اخترنا الطريق الأنبل." لكن ليس الجميع على هذه الدرجة من الرأفة. وعرض مقاتلو المعارضة بالمستشفى على بعضهم تسجيل فيديو لأحد افراد الشبيحة الذين أسروهم خلال القتال. وقال مقاتل “أطلقوا عليه الرصاص وذبحوه. لا أشعر بالأسف. كان مجرما." وخارج المستشفى لوح شبان في شاحنة بالأعلام وهتفوا للشاب عبد الرحمن الذي كان بين مالا يقل عن 15 مقاتلا لاقوا حتفهم الثلاثاء. لكن في المقابر استند والده بهدوء الى ابن آخر له اغرورقت عيناه بالدموع. وكانا يحدقان في الأرض بنظرات خالية من التعبير. ويقول الاب “لدي ثلاثة ابناء .. اثنان... لا اعلم ماذا حدث ، كان لا يزال طالبا لم يتجاوز السابعة عشرة من عمره." حزب الله أرسل مقاتليه وطائراته إلى حلب ذكرت صحيفة وورلد تريبيون أنّ حزب الله يقوم بإرسال مجموعات من وحداته القتالية إلى سوريا لتعزيز العمليات العسكرية التي يقوم بها نظام الرئيس بشار الأسد على المعارضة المسلحة في البلاد. وذكرت مصادر لبنانية أنّ مئات من عناصر حزب الله انتشروا في وسط سوريا لضرب المتمردين وقالت إنّ “الأسد في حاجة ماسة إلى أشخاص أكثر لتأمين العمليات ضد المتمرين، وإيران تساعده في ذلك خاصة عبر حزب الله". وكانت صحيفة النهار اللبنانية التي ترأسها النائب عن قوى 14 آذار المعارضة لحزب الله نائلة تويني، قد نقلت عمّا أسمته مصادر أمنية لبنانية أنّ مجموعات من الوحدة 910 العائدة للمجلس الجهادي في حزب الله انتقلت أخيراً الى سوريا عبر منطقة حوش السيد علي في الهرمل، للمشاركة الى جانب القوات النظامية السورية في قمع الحركات المسلحة المتمردة في مناطق القصير وحمص والرستن على وجه التحديد. ووفق المصادر ذاتها ان للحزب وجوده الأمني والعسكري الفاعل في منطقة الزبداني السورية. ويعتقد أنّ حزب الله ينشر ما يزيد عن 7 آلاف مقاتل في سوريا. وتمركزت معظم هذه القوات في الزبداني التي تضم منشأة كبيرة تابعة للحرس الثوري الإيراني. وذكرت المصادر أنّ مقاتلي حزب الله من الممكن استخدامهم في معركة حلب. وأضافت أنّ الحزب استخدم أسطوله من الطائرات من دون طيار بهدف تمكين تلك الطائرات من حمل المتفجرات وضربها. وذكرت المصادر لصحيفة النهار أنّ الجسم الغريب الذي انفجر لحظة ارتطامه في الأرض في جرد يونين قرب بعلبك (شرق لبنان) في الرابع عشر من شهر تموز (يوليو) الجاري، كان مجسماً لطائرة استطلاع “مرصاد 1′′ التي يملك حزب الله عدداً منها وكان يقوم بتجربة عن طريقة تخزينها بالمتفجرات لاستخدامها في اهداف محددة بعد تزويدها اجهزة “تحكّم من بُعد