النكبة التي ادت الى اجتياح العصابات الصهيونية لفلسطين عام 1948 وطرد سكانها منها والتي مضى عليها اليوم خمسة وستون عاما بالتمام والكمال.. هذه النكبة ما زالت مستمرة وهي تستهدف اليوم ابتلاع ما تبقى من فلسطين وحرمان اهلها من الرجوع اليها. وان صاحبنا ليذكر ان ما مضى كان هو بمثابة تتويج للمؤامرة التي حيكت بليل لكي تتخلص اوروبا من اليهود وخياناتهم وغدرهم… فكان الوعد البريطاني باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين غير عابئين لما هو للسكان الاصليين من الفلسطينيين من حق في وطنهم.. واذا كانت بريطانيا قد استعمرت فلسطين وحكمتها بالحديد والنار فانها توجت انسحابها باعلان الكيان الصهيوني في الخامس عشر من ايار 1948 ليجد الشعب الفلسطيني نفسه طريدا خارج وطنه وليأتي الغرباء من روسيا واوكرانيا ومن المجر من بلغاريا ومن بريطانيا وكأنهم قوم ياجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون ليدّعوا ان فلسطين هي ارضهم وهي ميعادهم الموعود… فيما العالم يتفرج.. بل ان العصابات الصهيونية التي استولت على فلسطين ولانها عصابات خارجة على القانون لم تراع للقانون الدولي حرمة… فأقدمت على قتل الوسيط الدولي في فلسطين الكونت برنادوت لكي تفك الحصار الذي ضرب عليها بوقف اطلاق النار وليقدر لها فيما بعد ان تستولي على بقية الاجزاء التي لم تستطع ان تدخلها بعد سقوط اللد والرملة وصولا الى القدس وباتت الدول العربية عاجزة امام هذه الاجراءات التي فرضتها العصابات الصهيونية على سير المعركة غير المتكافئة بين المجاهدين العرب والعصابات الصهيونية في فلسطين.. ورغم الاعلان عن ان سبعة من الجيوش العربية ستدخل الحرب الا ان الجامعة العربية الناشئة لم تستطع ان تجهز جيوشا كاملة لدخول الحرب … بل تركت الامر لكل دولة ان تشترك بما تستطيع… ولتنتهي الحرب بما انتهت اليه… حيث تشرد سكان فلسطين بعدها هنا وهناك… تتلقفهم البراري وتلفظهم الموانىء والارصفة وتشتتوا في القفار وعبر البحار بدءا من ميناء غزة وشوارع رام الله ثم عمان ثم دمشق ثم بغداد وبيروت .. ولتستفيق الامة العربية على نكبة لم تكن في الحسبان وليجد ما يقرب من نصف مليون فلسطيني انفسهم بين عشية وضحاها خارج مدنهم وبيوتهم وبياراتهم واسواقهم تضمهم خيام لا تقي برد الشتاء ولا حر الصيف.. او تحتويهم بعض الغرف الصفية في بعض مدارس عمان والسلط واربد وغيرها من المدن التي احتوتهم واكرمتهم… وليبدأوا بعدها رحلة ضياع مؤلمة اعتقد بعضهم انها لن تطول لاكثر من اسبوع او شهر او اشهر.. وما دروا ان الرحلة ستستمر لأكثر من خمسة وستين عاما… وقد كان … وان صاحبنا الذي عاش ايام تلك النكبة منذ بداياتها وذاق مرارتها وقسوتها ما زال يعتقد ان قوات الانتداب البريطاني على فلسطين حين رفعت الغطاء برحيلها المفاجىء عن فلسطين في الخامس عشر من ايار 1948 انما كانت تستهدف من ذلك تمكين ما يعرف بالعصابات الصهيونية لكي تقيم كيانا هزيلا في فلسطين… وان الانتداب هو من يسّر لتلك العصابات ان تستولي على فلسطين وتطرد سكانها منها لانها اي تلك القوات هي من اهدت العصابات الصهيونية ما لديها من اسلحة وسلمتها ما كان لديها من طائرات حربية كانت جاثمة في مطارات الرملة واللد وصرفند… وهذه الطائرات استعملتها العصابات الصهيونية في ملاحقة المهجرين من سكان الرملة في الثالث عشر والرابع عشر من تموز 1948 على طريق القباب وسلبيت وبيت عور التحتا ثم بيت عور الفوقا. وحين يتطلع صاحبنا هذه الايام لاستكشاف ما هو حاصل وبعد خمسة وستين عاما يجد ان النكبة ما زالت مستمرة وان فلسطين يتم ابتلاعها شبراً فشبر وعيون اهلها تتطلع اليها وهي ترنو برفق الى يوم العودة.. «أُذِنَ للذين يقاتَلونَ بأنهم ظُلِموا وان الله على نصرِهِم لقدير».. صدق الله العظيم.