يحيي الشعب الفلسطيني غدا الثلاثاء ذكرى نكبته الكبرى التي حلت عليه في الخامس عشر من شهر مايو عام 1948م على أيدي عصابات الإجرام الاسرائيلية التي أسست على أنقاض وجوده دولة حظيت بالرعاية والدعم الدوليين . سنوات الاحتلال الملطخة بدماء الشهداء حملت في ثناياها آلاف النكبات لم تمسح من ذاكرة الفلسطيني رائحة الأرض ولم تفرغ جعبته من اوراق الملكية ومفتاح منزله المغصوب ولم تحد من عزمه على العودة . ففي المخيمات الفلسطينية يشاهد المتأمل في وجوه اللاجئين فيها حكاية شعب مزقته "النكبة" ثم "النكسة" بعد حرب الأيام الستة عام 1967م لكنك تلحظ أمرا واحدا وهو أن لا أحد يرى أن أمله في العودة قد انقضى. ومنذ الخامس عشر من مايو عام 1948م وهو تاريخ إعلان الدولة الاسرائيلية على تراب فلسطين عرف العالم أعقد قضية سياسية واكثر اشكال الاحتلال ظلماً وبطشاً ودموية فقد جاء شذاذ الآفاق من كل بلاد العالم لطرد شعب آمن في ارضه والاستيلاء عليها بقوة السلاح . ولم تمحى من ذاكرة الفلسطينيين والعرب الرسالة التي بعث بها وزير الخارجية البريطاني عام 1917م إلى اللورد روتشيلد أحد زعماء الحركة الصهيونية في تلك الفترة والتي عرفت فيما بعد باسم /وعد بلفور/ لإقامة كيان لليهود على تراب فلسطين لانها كانت سببا رئيسيا لهجرة اليهود واستجلابهم الى فلسطين من جميع انحاء العالم. وخلال 28عاماً من حكم الانتداب البريطاني سنت بريطانيا القوانين واتخذت الإجراءات التي سهلت إنشاء هذا الوطن حتى اصبح دولة عام 1948م وبعدها كثفت اسرائيل جهودها وجندت موظفي حكومة الانتداب الصهاينة لإعطاء اليهود حق امتياز استغلال الاراضي التي اعتبرت املاك دولة وأنشأت بريطانيا ادارة للمساحة هدفها تحديد ملكية كل ارض لمعرفة كيفية الاستيلاء عليها ثم تدفقت اموال اليهود لشراء الاراضي باسعار خيالية . وكانت ضالتهم المنشودة كبار الملاك الغائبين من رعايا الدول العربية المجاورة وبعدها اتجهوا الى كبار الملاك الفلسطينيين الذين يعيشون في المدن اما الفلاحون المتمسكون بارضهم يفلحونها منذ مئات السنين فقد ضيقت بريطانيا عليهم الخناق بفرض الضرائب الباهظة عليهم حتى لا يجد الفلاح المسكين غير المرابي اليهودي لاقراضه مقابل رهن ارضه التي لا تلبث ان تقع في حوزة اليهودي بسبب عدم السداد ورغم هذه الجهود المكثفة لم تنجح الصهيونية في الاستحواذ على اكثر من 6%من مساحة فلسطين او (1ر681) كيلومترا مربعا منها 175 كيلومترا مربعاً امتيازات تأجير طويل الامد منحتها بريطانيا لليهود و57 كيلو مترا مربعا حصة في ارض غير مفروزة و(1ر449) كيلومترا مربعاً تملكها اليهود مباشرة وان لم يتم تسجيلها كلها بشكل قانوني . وهكذا بعد تعاون بريطاني صهيوني نجحت الصهيونية في زيادة عدد اليهود إلى 30% من مجموع السكان عندئذ نقلت الصهيونية جهودهاالى امريكا واتخذت من رئيسها هاري ترومان مناصراً لها وقف ضد وزير خارجيته لكي تضغط امريكا بكل قواها على الدول الصغيرة وتهددها بقطع المعونات اذا لم تصوت لصالح تقسيم فلسطين بين اهلها "اصحاب الحق فيها" وبين مهاجرين غرباء لا يعرفون اسم المدينة التي وصولوا اليها . وكانت الطامة الكبرى على العرب عندما نجح قرار التقسيم بأغلبية ضئيلة لكي يوصي بإنشاء دولة يهودية على 54% من ارض فلسطين ودولة عربية على بقيتها مع تدويل القدس تحت ادارة منفصلة .. هذه المهزلة التاريخية قضت بان تفرض اقلية اجنبية مهاجرة سيادتها على اكثر من نصف فلسطين اي تسعة اضعاف ما كانت تملك وتقيم فيها دولة عبرية نصف سكانها عرب وجدوا انفسهم بين يوم وليلة رعايا دولة اجنبية غازية . اما الدولة العربية المقامة على باقي فلسطين فكل سكانها عرب وليس فيها الا حفنة من اليهود وهكذا وقعت القرى الفلسطينية فريسة لهذه السيطرة الأجنبية بينما لا توجد بالكاد مستعمرات يهودية الا في الدولة العبرية فقط وحتى هذه المستعمرات على كثرتها الظاهرة لم تكن الا قواعد محصنة يسكن الواحدة منها من 100 الى 200 شخص من حاملي السلاح . وبدأ الصهاينة خطة سرقة الاراضي اوائل ابريل 1948م اثناء وجود الانتداب البريطاني وبدات بوصل الأراضي اليهودية ببعضها ثم الاستيلاء على الأرض العربية حولها وطرد سكانها حيث اتبعت القوات اليهودية سياسة التنظيف العرقي كانت تحيط القرية من ثلاث جهات وتترك الرابعة مفتوحة ثم تجمع سكان القرية في مكان وتختار عدداً من الشباب لاعدامهم او تقتلهم بالرصاص او تحرقهم اذا وجدتهم مختبئين في مسجد او كنيسة او غار وتترك الباقين ليهربوا وينقلوا اخبار الفظائع او تأخذ بعضا منهم لاعمال السخرة لنقل احجار البيوت العربية التي هدمتها او حفر القبور لمن قتلتهم. ولا ينسى احد مذبحة دير ياسين وهي واحدة من 17 مذبحة اقترفت اثناء الانتداب و17 اخرى بعده ولم تحرك القوات البريطانية ساكناً لحماية الاهالي حسب ميثاق الانتداب وما ان جاءت نهاية الانتداب حتى سيطرت اسرائيل على 13% من مساحة فلسطين وطردت اربعمائة ألف لاجئ من 199 قرية واعلنت قيام دولتهم على هذه الرقعة ولكن دون تحديد اي حدود فلا يزال النهم الصهيوني لابتلاع الأرض في أوله. سيطرت الدولة الصهيونية آنذاك على معظم السهل الساحلي وشريط غربي نهر الأردن حول بحيرة طبرية وشريط يصل بينهما في مرج ابن عامر على شكل حرف N بالإنجليزية وسقطت في يدها مدن فلسطينية مهمة مثل يافا وحيفا وطبرية وصفد وبيسان وأشرفت عكا على السقوط . وبدأت بشاعة الكارثة تظهر للعيان ووصلت أخبار المذابح وأشهرها دير ياسين إلى الشعب العربي في كل العواصم فهاج واستنكر سكوت حكوماته وتقاعسها . بعد ذلك دخلت قوات نظامية صغيرة من الدول العربية متفرقة غير متعاونة لحماية الشعب الفلسطيني من هذه الكارثة استجابة لغضب الشعب العربي وتظاهراته ولم تكن بريطانيا تسمح لها بدخول فلسطين قبل ذلك لو أرادت لكن قدراتها العسكرية وعددها كان اقل بكثير من القوات الصهيونية التي أصبحت الآن تسمى ب "إسرائيلية". وجاءت القوات النظامية إلى فلسطين دون خطة موحدة أو معرفة بالبلاد أوبالعدو ولذلك لم تتمكن من وقف المد "الإسرائيلي" الذي سرعان ما انتشر ليحتل اللد والرملة ويمد جسراً إلى القدس ويحتل مساحات واسعة في الجليل. كانت هذه إشارة أولية إلى هزيمة العرب كان احتلال اللد والرملة من الفصول المأساوية في تاريخ فلسطين إذ استيقظ سكان المدينتين والمهاجرون إليهما من قرى يافا المحتلة على أخبار انسحاب القوات الأردنية بقيادة الإنجليزي جلوب باشا وهجوم القوات "الإسرائيلية" من الشمال والشرق . وعندما اعلنت الهدنة الثانية قفز عدد اللاجئين الى 000ر630 وتم طردهم من 378 قرية حتى ذلك التاريخ واحتلت "إسرائيل" ارضا تساوي 3 اضعاف الارض اليهودية وهي من اخصب الاراضي واكثرها كثافة سكانية وبذلك انتهت فعليا حرب فلسطين . لكن النهم "الإسرائيلي" لم يشبع فاتجهت قواته نحو الجنوب لتحتله وتهزم الجيش المصري اكبر قوة عربية وفي منتصف اكتوبر احتلت "إسرائيل" مساحات واسعة من الجنوب حتى بئر السبع وجنوب القدس وامتدت على الساحل الجنوبي واصبح عدد اللاجئين 000ر664 طردوا من 418 قرية حتى ذلك الوقت . ونقلت "إسرائيل" قواتها من الجنوب الى الشمال واحتلت الجليل باكمله و12قرية من لبنان في اوائل نوفمبر 1948م وسيطرت بذلك على كامل شمال فلسطين وتعدت الحدود اللبنانية عند اصبع الجليل . وبذلك احتلت "إسرائيل" 300ر6 كيلومتر مربع خارج مشروع التقسيم واصبح كسبها من الارض العربية اثني عشر ضعفا للارض اليهودية عام 1948م .. اما على الصعيد الانساني فقد خلفت هذه النكبة وراءها حوالي 000ر900 لأجئ طردوا من531 مدينة وقرية نزحوا الى الجنوب المتبقي في قطاع غزة والى الشرق فيما اصبح يعرف بالضفة الغربية والى الشمال نحو سوريا ولبنان . ورغم مرور 59 عاما على النكبة الا انها ما تزال حية راسخة في عقول وقلوب أصحابها لم يطويها النسيان ولم تنهيها المؤامرات والمشاريع التصفوية .. ذكرى تكذب مقولات قادة بني صهيون الذين ظنوا أن الزمن كفيل بإنهاء القضية وقالوا : الكبار يموتون والصغار ينسون.